عاش (جون لوك) في فترة النصف الثاني من القرن السابع عشر منفياً ومتخفياً ولم يتزوج. بدأ حياته في الطب ولكنه لم يمارسه وعشق العلوم حتى الثمالة وتشبّع به إلى مخ عظامه. وكان صديقاً للكيميائي بويل والفيزيائي إسحق نيوتن صاحب نظرية الجاذبية وتحليل الضوء. وأهم كتاب أخرجه هو (مقال في الفهم الإنساني) فبقدر ما حلل نيوتن الضوء فقد عمد (لوك) إلى تحليل طبيعة الفهم عند الإنسان من أين مصدره؟ وما هي طبيعته؟ وما هي حدوده؟ وقد ترك كتابه آثاراً كبيرة على كل الفكر السياسي في أوروبا ومنه تخمرت الثورة الفرنسية والأمريكية. وهو يضع مبدأً جوهرياً إن الإنسان حينما يأتي إلى هذا العالم له حقوق أن يعيش آمناً يتمتع بالحرية الفردية وأن تحميه الدولة فلا يسلب ويتمتع بملكيته الخاصة. كانت فترة منتصف القرن السابع عشر حاسمة في الجزيرة البريطانية وتاريخ القارة الأوروبية حيث كانت الأفكار تتفاعل وتتبادل التأثير. وأما الفترة التي عاشها جان لوك فلم تكن تلك المريحة حيث جاء بعد الملك تشارلز الأول وتشارلز الثاني، وكان الأول قد أعدم عام 1658م على يد كرومويل القائد العسكري البريطاني بعد أن أدخل الديمقراطية إلى بريطانيا وأطلق فكرة التسامح الديني ومات بالملاريا وعمره 59 سنة، وبعد موت كرومويل بسنتين جاء إلى الحكم تشارلز الثاني، الذي نبش مقبرة كرومويل وألقى عظامه في المزبلة. ولكن الذي حدث أن الوضع السابق لم يعد منذ فترة كرومويل وانتهت فترة الحكم المطلق. أراد تشارلز الثاني أن يعيد السيرة الأولى لأبيه ولكنه فشل فقام من بعده جيمس الثاني بإصرار في إرجاع عقارب الساعة إلى الخلف فدفع الثمن. وفي هذه الفترة هرب لوك بصحبة اللورد شافتسبري إلى هولندا التي كانت ملجأ أصحاب الأفكار الحرة. كما حدث مع الفيلسوف سبينوزا وآخرين. وبقي هناك حتى عام 1689م حتى أسقطت الثورة عهد جيمس الثاني حيث أصدر كتابه عن (التسامح الديني) ونظراً لجو الصراع المذهبي بين البروتستانت والكاثوليك فقد أصدر كتابه دون توقيع. أما كتابه الأهم والأشهر عن (مقال في الفهم الإنساني) فقد صدر عام 1690م. وكما تأثر هو بفيلسوفين هما رينيه ديكارت الفرنسي وفرانسيس بيكون البريطاني فقد تأثر به وأخذ عنه فلاسفة مشاهير مثل بركلي ودفيد هيوم ولاحقاً السياسي الأمريكي توماس جيفرسون. ويعتبر ما كتبه حتى الآن مرجعاً لكل من يدرس تطور الفكر الاجتماعي السياسي. وبعد ثمانين سنة من موت لوك نهض تلميذ نجيب من قرائه هو (سيمون بوليفار) تأثر بآرائه وعمل عملاً تاريخياً خارقاً فحرر خمس دول من دول أمريكا الجنوبية من الحكم الإسباني فحرر كولومبيا بعد معركة بايوكا عام 1819م وفنزويلا عام 1821م والإكوادور 1822م ثم بوليفيا والبيرو عام 1824م؛ فهذه هي قصة الأفكار وكيف تجري بمسارب خاصة في الأرض لتنفجر ينابيع في تربات صالحة لها. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.