تابعت على مدى قرابة الأسبوع النقاش الثري والحرج الذي دار بين بعض كتاب الصحف «شتيوي الغيثي من عكاظ، و د. عبدالسلام الوايل من الشرق» وبين ردَّيْ د. حسن الشوكاني، أمين جائزة أبها، و د. حامد الربيعي، رئيس النادي الأدبي في مكة، حول حيازة رسالة دكتوراة ممنوحة من جامعة كولومبس، إحدى أشهر الجامعات العالمية من فئة هلكوني، لخضر اللحياني، جائزة أبها الثقافية. اندلع النقاش مبدئياً على يد الأستاذ شتيوي الغيثي الذي بدأه من جريدة عكاظ بتاريخ 14/02/1435ه، ولفت الأنظار فيه إلى غرابة أن تُمنَح رسالة دكتوراة من جامعة مشهورة بالتدليس جائزة من أهم الجوائز الثقافية في البلد. وقد أحسن شتيوي في رصد وتتبع آلية المنح انطلاقاً من ترشيح نادي مكة الأدبي وإقرار نادي أبها لهذا الترشيح واختيار الكتاب من بين جميع الأعمال المتقدمة لنيل الجائزة، كما لفت شتيوي الأنظار إلى أن هذه الرسالة الهالكة لم تحظَ بتحويلها إلى كتاب حائز على جائزة ثقافية وحسب، وإنما أصبحت من الإرث العلمي في جامعة أم القرى، مثيراً بذلك قلقاً حول حيازة بعض المكتبات الكبرى هذه النوعية من الرسائل المشكوك في أمرها. أما الدكتور عبدالسلام الوايل فتناول القضية بشيء من التفصيل من منظور منهجي أكاديمي، إذ ناقش بداية في صحيفة الشرق بتاريخ 22/12/2013، شروط الجائزة بناء على موقعها على الشبكة العنكبوتية، وتعجب من ذلك التنافر بين أهداف الجائزة التي تشترط في العمل النبوغ والتفوق العلمي ومنحها في نهاية المطاف لكتاب جاء نسخاً من رسالة دكتوراة من فئة هلكوني. كما عاد الوايل إلى موقع جامعة كولومبس التي منحت اللحياني الرسالة التي أصبحت كتاباً حاز على الجائزة ووجدها صفحة صماء لا تشير إلى وجود جامعة حقيقية خلف هذا الموقع، وإنما إلى مكتب شبيه ببعض مكاتب العقار المتخصصة في بيع الأراضي البيضاء. ثم عرج الوايل على نادي مكة الذي رشَّح هذا الكتاب وناقش تورطه في مثل هذه الفضائح الثقافية، وأنهى مقاله بنقاش علمي ورصين لبعض نقاط الضعف المنهجية في تلك الرسالة الوهمية. أردف بعد ذلك د. موافق الرويلي بحملة هاشتاق على موقع تويتر يطالب فيه القائمين على جائزة أبها بالاعتذار عن منح الجائزة اللحياني، بناء على النقودات الجادة التي قدمها الغيثي والوايل. وبينما توقع كثيرون أن يخرج ممثلو جائزة أبها ونادي مكة الأدبي للاعتذار عن منح الجائزة تفاجأوا بتصريح في صحيفة الشرق بتاريخ 24/12/2013 العدد،751 للدكتور حسن الشوكاني أمين جائزة أبها، والدكتور حامد الربيعي، رئيس نادي مكة الأدبي، الأول يدافع عن صحة منح الجائزة، والآخر يدافع عن ترشيح النادي للكتاب. فالشوكاني جاء ليقول إن اللجنة لا علاقة لها بتاريخ العمل ومصدره حتى ولو كان من جامعة من جامعات هلكوني، كما أردف قائلاً إن اللجنة لم تُجِزها إلا بعد «عرضه على اللجان المختصة في الفرع، ثمَّ يتم تحويله إذا ما استوفى الشروط العامة للفرع إلى محكمين في المجال ذاته – من أهل التخصص والكفاية العلمية – لتقييمه وفق عدد من المعايير العلمية والفنية والموضوعية»، (العدد المذكور أعلاه). ولم يكلف سعادة الدكتور الشوكاني نفسه بالعودة إلى تلك المعايير العلمية والفنية التي ميَّزت تلك الرسالة ليُقنع القارئ بجدارتها بالجائزة. كان حرياً بالشوكاني أن يستعرض -عوضاً عن هذا الكلام العمومي- فصول الرسالة بنفسه «أو يحيل ذلك إلى مختص» ليوضح للقراء الإسهام العلمي الثقافي الذي حققه الكتاب، ويبين جودة الفصول ونقاط القوة والتميز فيه عن غيره من الأعمال، ليستحق في النهاية الجائزة، لم يفعل الشوكاني شيئاً من هذا وإنما ختم دفاعه بقوله: «وأهل الاختصاص أعرف بذلك»، وهي عبارة تذكِّرك بالعبارة الدارجة «الشيوخ أبخص». أما د. حامد الربيعي رئيس نادي مكة فقد اكتفى بالتبرؤ من الكتاب والرسالة وحاول تطهير النادي من لوثة سمعتها، علماً أن النادي هو من رشحه ابتداء، أي أن النادي ينسب له الفضل في الكشف عن «قيمة» الرسالة العلمية وإظهارها للفضاء الثقافي العام، ثم إرسالها إلى أبها لتنافس على حصد الجوائز الثقافية. ومن الطريف في حديث الربيعي التضارب الذي ظهر بين موقفه في البداية حين تم إعلان فوز اللحياني بالجائزة، حيث احتفى حينها واحتفل بتصريح في جريدة عكاظ مؤكداً «حرص النادي على تبني جميع المبدعين ودعمهم وتشجيعهم» (عكاظ 12/12/2013)، وبين موقفه الآن بعد الفضيحة حين قال «إن النادي لا يتحمل تبعات هذه العمليات التحكيمية المتسلسلة» (الشرق24/12/2013 العدد،751)؛ أي أنه يقول بعبارة أخرى إن فاز مرشحنا فنحن شركاء في الفخر والغنيمة، وإن خاب وخسر فالويل والثبور له وحده. تذكرت وأنا أتتبع هذه الدراما الثقافية المحزنة قصة رَوَتْها لي مشرفتي د. نعومي ستورتش أثناء دراستي الدكتوراة، إذ فاجأتني أثناء السنة الرابعة من دراسة الدكتوراة بسؤال عن بحث أحالتني إليه في بداية كتابتي الرسالة، لباحث من إحدى الجامعات الأمريكية، كان في الأساس جزءاً من رسالته ثم نشره مع مشرفته إليان تارون، Elaine E. Tarone مديرة مركز الأبحاث المتقدمة حول اكتساب اللغة في جامعة منيسوتا، بمجلة تعلم اللغة،Language Learning التي تعدُّ من أقوى المجلات العلمية في تخصص اللغويات التطبيقية. بعد أن أخبرتها أني عدت إلى البحث وأشرت إليه وذكرته في المراجع، طلبت مني أن أقوم بحذفه فوراً من الرسالة وعدم الإشارة إليه، وحين سألتها عن السبب قالت، إن مشرفة الطالب الدكتورة تارون اكتشفت أن الطالب قد زيَّف جزءاً من المعلومات أو المادة العلمية التي قامت عليها الدراسة، فما كان منها إلا أن خاطبت كلية الدراسات العليا لسحب درجة الدكتوراة منه، وشطب رسالته، ثم قامت بمراسلة الجامعة التي تعيَّن فيها الطالب وأخبرتهم بما حدث، فقامت الجامعة فوراً بطرده من العمل، ثم عقبت على هذا بمراسلة مجلة تعلم اللغة التي نشرت لها هي والطالب جزءاً من الرسالة «أي أنها كانت مستفيدة من النشر» وشرحت للمشرف على المجلة الدكتور نك إليس Nick Ellis، أستاذ اللغويات في جامعة مشغن، فاستجاب لها أيضاً بكتابة مقدمة في أحد أعداد المجلة يشرح فيها ما حدث من الطالب من خرق للأسس العلمية ويعلن شطب بحثه من أرشيف المجلة، ويطالب كل باحث استعان به بإلغاء تلك الاستعانة، ثم سمعت بعد ذلك أن إدارة الهجرة طردته من أمريكا أيضاً؛ أي أن الطالب لمجرد تجاوز علمي في جزئية من الرسالة خسر شهادته وعمله وجميع ما نشر من أبحاث وطُرد من دولة بسعة الولاياتالمتحدة. تذكرت هذا وأنا أقرأ دفوعات الشوكاني والربيعي عن الجائزة والنادي لكتاب جاء من جامعات هلكوني، وقلت في نفسي «الله يخلف».