مما مضى في الحلقات السابقة، نصلُ إلى أن هناك مسلّماتٍ يؤمنُ بها الكلّ واقعا تاريخيا، لكنّ صعوبة التسليم بها ناتجة عن العادة وصعوبة الانزياح عنها، وأن هناك شواهد نحاول إيراد بعضها. مسلّمات: – معظم الأعلام ذوي الأثر العلمي في شتى المجالات إما من غير العرب، أو ممن عاش خارجَ الجزيرة العربية عن طريق الهجرة قبل الإسلام، أو بعد الفتح العربي الذي انطلق معه استيطان الفاتحين وسيطرتهم على الأقاليم والأمم. – تعتبر اللغة أهمّ مقوّمات التشكّل القوميّ والهويّة، لهذا كان شأن اللغة العربية في عصر الازدهار العربي من أهم الشؤون، خدمة لمدّ الدين والسياسة الفاتحة المسيطرة، حتى كان من شروط المفسرين والأصوليين والفقهاء كونهم روادا في اللغة بالضرورة لفقه وشرح المتون والنصوص، بل كانت ضلاعتهم فيها أساسا لعلمهم. – لا أحد يستطيع حتى الحوار في أنّ العروبة الخالصة في جزيرة العرب وحدها، وأن الذين استعربوا خارجها منذ ما قبل اٍلإسلام ليسوا سوى مهاجرين وُضِعُوا هناك سداّ أمام أعراب الجزيرة من قبَل أمبراطوريّتي ذلكم العصر(الفارسي – الروماني)، فالغساسنة والمناذرة عرب يمنيون يحكمون صوريا في ظل العجم. – كما لا أحد يمكنه الحوار في نسب قريش ذات الريادة العربية والدينية والسياسية منذ ظهور الإسلام، وأنها تنتسب إلى عدنان بن (يشْماعيل بن أبراهام) عليهما السلام، لا أحد يحاور في هذا سوى من يرون أنّ قضيّة (عاربة ومستعربة) غير واردة، وأن بني إسرائيل ليست سوى قبيلة عربية من جزيرة العرب ومنهم الدكتور: كمال الصّليبي، والدكتور: فاضل الرّبيعي وغيرهما، وأن بني إسرائيل -كجنس- شيء واليهودية -كدين- شيء آخر. – سيادة اللغة دائما تتبع سيادة القوم، ولذا سادت لغة (لهجة) المسيطر، وخدمها علماء أفذاذ ممّن انضوى تحت لوائها، أو انتمى إليها من بنيها الذين اعتمدوا في رصدهم على ما ورد في النصوص المعتبرة كالقرآن الكريم والسنة النبوية، وما رواه لهم من زعموا أنهم أعراب دخلوا الكوفة والبصرة وغيرهما، مع ما في هذا من قوادح أوردناها سابقا في كتاب (الأعراب الرواة)، وعليه فالمكتوب منها في كتب اللغة ومعاجمها على عظمته وكميته يمثّلُ لغة (لهجة) السيادة ولا يمثّلُ العربية الأم. – مع كل دخول لغير العرب إلى جزيرتهم من قِبَل الفرس والأحباش والفاطميين والعثمانيين وأتباعهم من مصر، فلمْ يكن هذا الدخول ذا أثرٍ ثقافيّ بحيثُ يؤثّرُ على لغة العرب في مستقرّ جزيرتهم، لأنها لم تكنْ مدنا يسهل فيها هذا التأثير، بل كان الغزاة يبقون في تجمعات للجيوش لمجرد السيطرة، ولمْ يكن هذا نوعا من الاستعمار الثقافي، لذا فاللهجات العربية المستخدمة فيها اليوم هي اللغة الأم الكبرى التي لم يتم بحثها ولا استقراؤها من قبل أهلها، واكتفوا بدراسة وحفظ ما جاءهم من خارجها. – كبار اللغويين والنحاة الأعلام اعتمدوا معايير رائعة القوة في رصدهم واستشهاداتهم وتمثيلهم، وسموا ما قبل العصر الأموي عصر الاستشهاد اللغوي، وما بعده عصر تمثيل فقط، وهذا دليل قاطع على علمهم بذوبان اللسان العربي بعد انتشار الفتح العربي، وهم أنفسهم ضمنَ من لا يستشهدُ بلغتهم الحياتية. شواهد: – هذه نماذج من الأعلام الموالي أو العرب ممنْ عاش خارج الجزيرة ولا يستشهد بلسانه بعد هجانته ثقافيا خارج المكان والغرض من إيراد الملحق ليس الترجمة بل: إثبات أن رواد عربيتنا الكتابية التي بين أيدينا إما موالٍ وإما عربٌ تهجّنوا، وألا أحد منهم من جزيرة العرب، ربما بسبب ما قيل من أن العلم غير عربي بل للمسلمين من غير العرب، أو لأن العرب هنا لم تكن بحاجة إلى من يعلمها لسانها، لكنّ هذا التساؤل محفّزٌ لجهات البحث على أن تعتمد استقراء كل تاريخ الجزيرة من خلال الميدان، فلن تزيدنا مجامع اللغة خارج الجزيرة على ما هو في كتب اللغة ومعاجمها مما كتبه العظماء من خارج المكان والتالية أسماؤهم وغيرهم: – أبو الأسود الدؤلي: عاش في البصرة ت 69 ه. – نصر الليثي: نحوي بصري ت سنة 89 ه. – عنبسة الفيل: نحوي بصري. – ابن هرمز الأعرج: ت بالإسكندرية 117 ه. – يحيى بن يعمر العدواني: عاش بين البصرة وخراسان ت 129 ه. – ابن أبي إسحاق: مولى آل الحضرمي بصري ت 117 ه. – عيسى بن عمر الثقفي: مولى خالد بن الوليد نُسِبَ إلى ثقيف لنزوله فيهم ت سنة 149 ه. – أبو عمرو بن العلاء: ت في الكوفة سنة 154 ه. – الأخفش الأكبر: مولى قيس بن ثعلبة ت سنة 177 ه. – الخليل بن أحمد: أزديّ ولد وعاش بالبصرة ت 175 ه. – يونس بن حبيب: مولى بني ضبة، بصري ت 182 ه. – سيبويه: إمام العربية وشيخ النحاة، مولى بني الحارث، من سلالة فارسية ونشأته وحياته بالبصرة، ت سنة 180 ه. – اليزيدي: مولى بني عدي، نشأ في البصرة وعاش في بغداد وتوفي بمرو سنة 202 ه. – الأخفش سعد بن مسعدة: مولى بني مجاشع، ولد ببلخ ونشأ بالبصرة ثم بغداد. – قطرب: حياته بين البصرة وبغداد، ت 206 ه. – الجرمي: حياته بين البصرة وبغداد ت 255 ه. – التّوزي: مولى قريش، ت ببغداد 238 ه. – المازني: مولى بني سدوس، حياته بين البصرة والكوفة، ت سنة 249 ه. – السجستاني: نشأ بالبصرة، ت سنة 250 ه. – الرياشي: مولى محمد الهاشمي، ت بالصرة 257 ه. – المبرد: أزدي الأصل، عاش بالبصرة وبغداد، ت سنة 285 ه. – الرؤاسي: مولى محمد بن كعب القرظي. – معاذ الهراء: مولى القرظي أيضا، ت 187 ه. – الكسائي: مولى بني أسد، فارسي الأصل، ت 189 ه. – أبو الحسن الأحمر: جندي نوبيّ على باب الرشيد، انقطع إلى النحو، ت 194 ه. – الفراء: مولى بني أسد، من أصل فارسي، ت سنة 207 ه. – ثعلب: مولى بني شيبان، ت سنة 291 ه. – علم الدين اللورقي (الأندلسي): ت بدمشق سنة 661 ه. – ابن عصفور: ت سنة 663 ه. – ابن مالك: ولد بالأندلس وعاش بدمشق، ت سنة 672 ه. – ابن الضائع الإشبيلي: ت سنة 680 ه. – ابن أبي الربيع الإشبيلي: ت سنة 688 ه. – ابن أجرّوم الصنهاجي: ت بفارس سنة 723 ه. – الشاطبي الغرناطي: ت بالأندلس سنة 790 ه. – الرضي الأستراباذي الكافيجي: المولود في بلدة (ككجة كي) في آسيا الصغرى. – الجامي: من خراسان. – ابن الناظم بدر الدين بن محمد: ت 686 ه. – ابن النّحاس: ت سنة 698 ه. – ابن هشام: ت 761 ه. – ابن عقيل: ت سنة 769 ه. – السيوطي: ت 911 ه. – الأشموني: ت 929 ه.