في حي الحبوس بالبيضاء شاهدته، فأغرمت به، كما تغرم مراهقة بأستاذ الإعدادي الذي يتكلم لهجة شمالية.. كنت رفقة تلك الصديقة التي ما عادت صديقة، لشراء هدية لشقيقتها المستقرة في باريس، وكالعادة رافقتها، كنا كظل لبعضنا بعضاً، لكننا اليوم لا نتبادل حتى التعازي في وفاة من رحل.. لكنه ليس وقت الحديث عن الصداقات والخيانات والأستاذ الشمالي، المهم أنني أغرمت به أشد غرام.. قنديل بألوان الشرق الجميلة، أحمر وأخضر وأزرق وأصفر، جميل جداً، ولأنني دوماً فوق غمامة رمادية، فقد أصررت على شرائه، لم أساوم البائع على الثمن، اشتريته وحسب، وتكبدت عناء حمله، وكأنني امتلكت مصباحاً سحرياً، تحملت عبء نقله في «الطاكسيات» البيضاء حتى المنزل، مزهوة بقنديلي الملون، سرعان ما شعرت بالسخف وأنا أرى ابتسامة والدتي الساخرة، وأيضاً إخوتي. كان قنديلاً جميلاً، يوحي بالأجواء التراثية القديمة، لم أفهم سبباً لعدم الاحتفال بدخول القنديل إلى البيت، قلت لهم إنه يصلح لمدخل البيت، وأنه سيجعل الألوان تشع على الباحة الأمامية للبيت في حال تم تركيب مصباح بداخله ووصله بالكهرباء.. والدتي مشغولة بإعداد «المرقة بالبطاطس والزيتون» لم تكن تستمع إليَّ. – يا رب ما أفعل؟ أطلب من أخي الأصغر تركيب القنديل، يبتسم لي ويؤكد بأنه سيفعل ذلك. لا يلزمني كثيرٌ لأفهم أن القنديل سوف يراوح مكانه، وسرعان ما بدأ نقل القنديل من مكان لآخر، من غرفة لأخرى، في النهاية استقر في كاراج قديم تُرمى فيه الأشياء القديمة التي كان والدي يجمعها.. نسيت أمر القنديل وأمر الصديقة والأستاذ ووالدتي. اليوم، وبعد سنوات كثيرة مرت، لم أعد أذكر من ذلك القنديل السيئ الحظ سوى الألوان الجميلة والضوء الذي كان سيشع منه لو تم تركيبه ووصله بالكهرباء، أتذكر فقط رائحة الشاي بالنعناع، الذي كان من الممكن أن نشربه تحته، أتذكر رائحة الياسمين القوية التي كان يمكن أن نستمتع بها ونحن نتسامر في ليل صيفي تحت أضوائه الملونة.. أتذكر كل شيء وكأنه البارحة.. وأتأسف لأنني لم أمتلك الإصرار كي أجعلهم يوصلونه بالكهرباء.