عندما حجبت حكومات عربية مواقع التواصل الاجتماعي زاد الاهتمام بها كما يحصل للكتاب المحجوب. ففي استبيان «كلية دبي للإدارة الحكومية» عن مستخدمي فيسبوك في تونس ومصر أظهر 60% منهم أن الحجب أدى إلى دعم الحركات ودفع الناشطين لاتخاذ موقف أكثر ..... حسماً وأساليب أكثر ابتكاراً. إذن، الأنظمة التي تحجب مواقع التواصل الاجتماعي، هي في الوقت نفسه تحفز الناشطين لمزيد من التحرك، فهل المحصلة خسارة أم ربح للنظام؟ إذا كانت بعض الحكومات ترى بأن لها مبرراتها في حجب مواقع معادية، فما هي مبرراتها في حجب شبكات التواصل بين أفراد شعبها!؟ ويبدو أن جميع الحكومات العربية أدركت خطورة حجب هذه المواقع فأطلقتها. وآخر مثال في سوريا حيث كان الفيسبوك محجوباً حتى فبراير هذا العام عندما رفع الحظر عنه. بين مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني يحتل فيسبوك الصدارة عالمياً، بنحو 700 مليون مستخدم، تتقدمهم أمريكا (155 مليوناً) ثم إندونيسيا (35 مليوناً) فبريطانيا (30 مليوناً) وتركيا (26 مليوناً). وفي العالم العربي تزايد استخدام فيسبوك بشكل مفاجئ مع احتجاجات «الربيع العربي» بداية هذا العام، وبلغ عدد مستخدمي الفيسبوك نحو 32 مليوناً حتى نهاية شهر أغسطس (2011)، بمعدل نمو بلغ 50%. وحتى بداية الشهر الحالي (نوفمبر) أظهرت إحصاءات «سوشل باكرز» أن مصر كانت الأولى عربياً في اشتراكات الفيسبوك (والمرتبة 22 عالمياً) بنحو 8.9 مليون اشتراك، ثم السعودية في المرتبة الثانية عربياً (30 عالمياً) بحوالي 4.5 مليون اشتراك، والمغرب في المرتبة الثالثة عربياً (36 عالمياً) مسجلة 3.9 مليون اشتراك. وتشكل هذه البلدان الثلاثة حوالي نصف إجمالي مستخدمي فيسبوك في الدول العربية. أما من ناحية النسبة لعدد السكان فتأتي الإمارات أولاً (50%)، فالبحرين (37%)، فقطر (30%)، فيما بلغت النسبة في مصر 8% والسعودية 15% والمغرب 10%. وبدأت معدلات انتشار الفيسبوك في البلدان العربية تتقارب مع أعلى 20 بلداً في العالم (30% من عدد السكان) ما يدل على سرعة انتشار الفيسبوك فيها. مرحلياً، يبدو أن استخدام مواقع التواصل الإلكترونية للأغراض الاجتماعية والترفيهية بدأ ينحسر في المنطقة العربية، ففي محصلة استبيان (كلية دبي) اعتبر 85% من المشاركين في الاستبيان بكل من مصر وتونس أن استخدام فيسبوك أثناء التحركات في بلدانهم كان بشكل رئيس لغرض رفع الوعي في بلدانهم، ونشر المعلومات للعالم بشأن احتجاجاتهم، والتنسيق بين الناشطين، بينما رأى أقل من 15% في البلدين أن فيسبوك كان يُستخدم بشكل أساسي للتسلية أو لأغراض اجتماعية. وفي ذات السياق، رصد تقرير تكنو وايرلس أن سلوكيات المستخدمين المصريين تغيرت بعد 25 يناير، فقد أصبحوا أكثر دراية بأدوات الإنترنت والتغلب على تعطيل الشبكات الاجتماعية وطرق البحث عن الأخبار ذات المصداقية..الخ. ومما يفسر حالة الحيوية والابتكار هذه هو أن الغالبية العظمي من مستخدمي شبكات التواصل هم من الشباب، إذ تشكل الفئة العمرية بين 15 و29 سنة نسبة 70% من مستخدمي الفيسبوك في العالم العربي، حيث يصلون في مصر إلى نسبة 75%، وفي السعودية 66%، وفي المغرب 79%. وتشكل النساء ثلث النسبة: المغرب 38%، مصر 36%، السعودية 31%، مع زيادة طفيفة تدريجية لنسبة النساء مع مرور الوقت. وإذا انتقلنا لمستخدمي تويتر في العالم، فقد بلغوا نحو 200 مليون، لكن النشطين منهم 30-40 مليوناً فقط (النشط هو من يطلق تغريدة واحدة على الأقل خلال أسبوعين)، بينما الغالبية تستقبل الأخبار أكثر من عمل التدوين المصغر. وقُدر عدد مستخدمي تويتر في المنطقة العربية في نهاية الربع الأول لهذا العام بنحو 1.2 مليون، تحتل الإمارات الصدارة بنحو 200 ألف، ثم قطر (133 ألف)، مصر (131 ألف)، السعودية (115 ألف). وقد أرسلوا حوالي 23 مليون تغريدة خلال الربع الأول من هذا العام. وتركزت توجهات استخدام تويتر في المنطقة خلال هذه الفترة بشكل رئيس على الأحداث المتواترة للتحركات الشعبية العربية، وتمثل الكلمات «مصر» (وردت 1.4 مليون مرة)، «25 يناير» (1.2 مليون مرة)، «ليبيا» (990 ألف)، «البحرين» (640 ألف) و»مظاهرة» (620 ألف) أبرز «الواصفات» (hashtags ) استخداماً بين مستخدمي تويتر في المنطقة العربية. أما أكثر التغريدات فظهرت في الكويت (3.7 مليون)، قطر (3.1 مليون) الإمارات (2.8) السعودية (2.3) ومصر (2.2 مليون). ورغم أن مستخدمي تويتر يشكلون نحو 4.5% فقط من حجم مستخدمي فيسبوك في العالم العربي، وأقل من 1% من عدد السكان في أغلب الدول العربية، إلا أن لهم تأثيراً أكبر من نسبتهم. على سبيل المثال، في السعودية تبلغ نسبة تويتر 2.8% من الفيسبوك و0.4% من عدد السكان، ورغم هذه النسبة الضئيلة فنجد أن وسائل الإعلام تتناقل بعض تصريحات آراء من تويتر أكثر مما في الفيسبوك، ربما لأن تويتر يضم النخبة من الكتاب والدعاة والناشطين، كما أنه أخذ نفساً سياسياً أكثر صخباً من الفيسبوك مع وجود جدل سجالي مرتفع الصوت أكبر كثيراً من حجمه العددي. الجميل أن مما أفرزته مواقع التواصل الاجتماعي هو غلبة الأسماء الحقيقية، فقد كانت مواقع الإنترنت لنحو عشر سنوات تعج بأسماء وهمية كان لها السيطرة في الحضور، وكان البعض يمتلك عدة أسماء مختلقاً حالة من الجدل المزيف والاتهامات الرخيصة، لكن لأن مواقع التواصل تتعامل مباشرة مع الواقع الحيّ الحقيقي وليس الافتراضي، قد أهملت الأسماء الرمزية، بل أصبحت مرفوضة من كثير من المشاركين الجدد، مما اضطر أصحاب الأسماء المستعارة إلى الاختفاء، ووضع أسماء حقيقية وتحمل المسؤولية. من هنا أصبح لهذه المواقع مصداقية أكبر من ذي قبل. يبدو أن أكثر ما يراهن عليه المحتجون بالمنطقة العربية هو الإنترنت الذي ينقل رسالتهم (بالصوت والصورة) مباشرة للعالم، فيمتلكون شرعية تتنامى مقابل تآكل شرعية النظام الدكتاتوري. وإذا كانت مواقع التواصل هي منصات الانطلاق لدعوات الاحتجاج العربية، فهي أيضاً المصدر الأول للأخبار لمستخدمي الإنترنت، فيما تأتي ثانياً قنوات الإعلام الحكومية، حسب استبيان (كلية دبي). وبالمحصلة فإن مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت في البلدان العربية إلى مواقع لأغراض سياسية وفكرية مشكلة أداة خطيرة في التعبئة العامة وطرح الآراء الجريئة والمطالبة بالتغيير.