صادقت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضية أليس شبطيني منذ أيام قليلة، على قرار المحكمة العسكرية الدائمة القاضي بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة بحق القيادي في التيار الوطني الحر العميد المتقاعد فايز كرم لمدة سنتين، لكنها أعفته من تجريده من حقوقه المدنية. وأدين فايز كرم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، لكنه بقي مواطناً عاديّاً يتمتع بكامل الحقوق. وبذلك سيخرج القيادي البرتقالي مباشرة من السجن ليترشح في الانتخابات النيابية المقبلة، علّه يكون أحد نواب الأمة بماضٍ عميل. لم يعد في قضية فايز كرم أي لبس. حكمت المحكمة بأنه عميل إسرائيلي. الحكم مبرم، ولا مجال للطعن فيه. وبات العميد المتقاعد رسمياً عميلاً لإسرائيل. ولن تغير التدخلات السياسية في الواقع شيئاً. ورغم ذلك، فإن محاولات سياسيي التيار الوطني الحر الضغط على هيئة المحكمة آتت اُكُلها فأعيدت الحقوق المدنية للعميل العميد. وأدت المؤامرة المرتكبة إلى تعريض كامل ملف ملاحقة عملاء إسرائيل لخطر التشكيك، بذرائع مختلفة. فالمسألة لا تبدأ وتنتهي عند عيني كرم التي شُنّت الحملات كرامة لها، بل على المستوى السياسي، يتحمل المسؤولية كلا طرفي الممانعة اللبنانيين، حزب الله والتيار العوني. الأول بسكوته عن حليفه الذي لم يوفر جهداً أو فرصة إلا وصوّب سهامه لناحية المحكمة العسكرية التي تحاكم كرم. فأرخى “حزب المقاومة” الحبل لحليفه البرتقالي الذي شن حملة شعواء على فرع المعلومات التابع سياسياً لتيار المستقبل، ضارباً بعرض الحائط إنجازات الفرع العديدة في مجال مكافحة التجسس والإرهاب. ليس هذا فحسب، بل هو تنكر بسكوته لدماء شهداء سقطوا بآلة القتل الإسرائيلية من أجل مكسب سياسي. وبذلك، حُوّلت مسألة أمن دولة بامتياز لتشترى وتباع في البازارات السياسية. أما التيار الوطني الحر، فإنه يتحمّل المسؤولية مضاعفة. غسل يديه في البداية من عمالة القيادي لديه، ليعود ويتولى رأس الحربة في الدفاع عنه. لا بل ذهب بعض سياسييه للتبرير له قائلين: “ليس فايز كرم العميل السياسي الوحيد. لماذا لا يوقف السياسي الفلاني وغيره”. وأكثر من ذلك، فإن أحدهم ناقش مفهوم العمالة مستنكراً وضع الاجتماع بالإسرائيليين في خانة العمالة. الوضع على المستوى القضائي لم يكن أفضل حالاً، وارتضى القضاء العسكري لنفسه، وبدرجتيه الدائمة والتمييز، أن يتصرف مع عميل كما لو أنه نشل حقيبة سيدة مارة في الطريق. لم يأخذ في الاعتبار أن العمالة تمس الأمن القومي للدولة في الصميم. لم يفهم أنها تضرب قاعدة قيم تربى عليها شعب يعدّ أن إسرائيل تغتصب أرضه وتقتل أهله. كل ذلك ذهب قبض الريح، فمنحت المحكمة العسكرية الدائمة كرم أوسع الأسباب التخفيفية. وبذريعة وضعه الصحي، خفضت محكوميته. تجاهلت تلك المحكمة كون العميل كرم ضابطاً سابقاً، ينبغي تشديد العقوبة بحقه، وخاصة أنه كان يتولى رئاسة فرع مكافحة التجسس في الجيش. وتجاهلت أيضاً أن مئات الموقوفين في لبنان، وعشرات الذين أنزلت بهم عقوبات مشددة، يعانون من أمراض مزمنة. بعضهم يصارع مرض السرطان خلف القضبان، ولم يرأف بهم أحد. وصدر الحكم منذ أيام قليلة، لكن أحداً لم يستفق من هول الصدمة. وفي سياق ردود الفعل المستنكرة للحكم التخفيفي، تحدث عضو “كتلة المستقبل” النائب معين المرعبي مستهزئاً ليقول: “يبدو أن العميل فايز كرم عميل ذهبي وله توصية خاصة من الجنرال ميشال عون”، مؤكّداً أن “هذا العميل يستحق السجن عشرات السنين وليس لسنتين فقط وهم لم يُجرّدوه من حقوقه المدنية”. ومن جهته، قال النائب إيلي ماروني: “كنا نتوقع هذا الحكم على فايز كرم، وكنا نتوقع أكثر من ذلك بوجود هذا التسييس في القضاء”، معرباً عن خشيته من أن “يصبح كرم نائباً في صفوف حزب الله وهو عميل لإسرائيل التي يسمونها الشيطان الأكبر”. يذكر أن العميل المحكوم كان قد أوقف في 4 أغسطس 2010، وبالتالي، فإنه سيخرج من السجن في الرابع من أغسطس المقبل، ليكون بذلك واحداً من أقل العملاء تمضية للوقت خلف قضبان السجن، منذ أن صدرت الأحكام المخففة بحق عملاء ميليشيا لحد عامي 2000 و2001.