في الدول المتقدمة يعتمد استطلاع الرأي العام كوسيلة وعامل رئيس في وضع الخطط الاستراتيجية للتنمية وتطوير البلاد على كل الأصعدة، حيث التخطيط للمستقبل وبناء الخطط التنموية لا يتم إلا عبر معرفة حقيقة الرأي العام، الذي يسهم بشكل كبير في تشكيل السياسات التنموية للبلاد. لذلك فإن تأسيس المعاهد المتخصصة لاستطلاع الرأي العام كمعاهد غالوب في أمريكا وغيرها في دول أوروبا.. أدى بهذه الدول إلى التطور والازدهار في كل الميادين، إذ إن مخرجات استطلاع الرأي العام تعطيها كل المعطيات الإيجابية والسلبية ودراستها بشفافية ومصداقية من أجل بناء استراتيجيات سليمة وبنّاءة. في عالمنا العربي مراكز استطلاع الرأي محدودة وأغلبها يعمل في الجانب التجاري والاقتصادي، وذلك بالقيام بدراسات لمعرفة استطلاع رضا المستهلكين لبضاعة أو سلعة. فكثير من المراكز في عالمنا العربي متخصص في معرفة استطلاع رأي المستهلك ومدى رغبته في اقتناء هذه البضاعة أو تلك.. إن تأسيس مراكز استطلاع وللبحث في المجالات المختلفة، التي تهم المجتمع تعتبر نادرة في مجتمعاتنا العربية، وإن وجدت يكون عملها نظرياً وتأثيرها هامشياً، فدراسات كثيرة عملت لمعرفة استطلاع الرأي العام في المجالات المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية تم وضعها على رفوف المكتبات وفي أدراج المكاتب بعد أن صرف عليها كثير من الأموال.. وأصبح المواطن غير مهتم ومبالٍ في موضوع الاستطلاع، وبالتالي كثير من الخطط الاستراتيجية أو السياسات في هذه الدول لم تتم استشارة المواطن فيها، ولم يتم أخذ رأيه.. وأصبح المواطن لا يرى أفقاً واضحاً، بل يرى تخبطاً عشوائياً وغير مدروس لما يحصل في بلاده.. والنتيجة الشعور باليأس والانهزام في التعاطي مع كل المتغيرات التي تحدث في هذه الدول. نحن مطالبون بالتركيز على استطلاع الرأي العام نظراً لأهميته وفاعليته في حل كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، لأن ذلك سوف يساعدها على بناء استراتيجيات واضحة وذات مصداقية، ولعل في بلادنا نحتاج لتفعيل المشاركة الشعبية في معرفة رأي الشارع في كثير من القضايا، التي تهم المجتمع وقضية الفساد وآثاره المدمرة على التنمية والتطور المجتمعي مثال واضح للعيان.. حيث أصبح موضوع الفساد حديث الجميع وعبر كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي وفي البيوت والمنتديات ما يعكس بأن لدينا أزمة ثقة حقيقية في تنفيذ كل المشاريع، التي تشير الدراسات والأحصاءات إلى أن المشاريع التنموية المتعثرة، التي لم تنفذ هي النسبة الكبرى من المشاريع التي أقرّت. هذا نموذج لاستطلاع الرأي العام وإذ لم يكن ضمن دراسات دقيقة ترصد حالات الفساد، إلا أن الأمر تجاوز المستور. نحن في حاجة لمراكز ومعاهد استطلاع الرأي العام من أجل السير ببلادنا في الاتجاه الصحيح ونقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة ذات الشفافية في عملها.