شهدت الساحة الفنية في السنوات الأخيرة شُحاً في الكلمات الجميلة والمعبرة، لدرجة أن كاتب الأغنية أصبح يدرج اسم الفنان في قصيدته، من أجل إغرائه بغنائها! وكانت البداية على ما يبدو من الشاعر خالد المريخي في إحدى تعاوناته مع الفنان نبيل شعيل «أثر الغلا ما يذبح الناس يا شعيل لو الغلا يذبح ذبحني غلاها»، ثم تلاه راشد الماجد «قالت أحبك يا راشد قلت من قدي». وبالمناسبة فهذا الفخ أكثر من وقع فيه راشد الماجد، لدرجة أنه في حفلات «وناسة» جاء بالمطربة «يارا» فقط من أجل أن تغني أغنية قديمة «بسك تجي حارتنا». وتقول من خلالها «هذي سيارتك يا راشد وأنا عرفته من النمرة»، والطريف أنه يردد معها الجملة نفسها، لدرجة أن بعض النقاد عدها «حالة مرضية نفسية»، خصوصاً أنه غنى أيضاً «احترنا يا راشد معاك»، في أغنية «الله يا زين اللي حضرت». ولم تتوانَ المطربة ديانا حداد حتى صدحت هي الأخرى ب»قولوا ما قالت ديانا». بالإضافة إلى عدد آخر من الفنانين الذين لا تحضرني تعاوناتهم. ومما جعل بعضهم يقف حائراً أمام هذا العبث الذي أدى إلى تلوث آذان الملتقين وإفساد ذائقتهم، ورمى بالأسباب إلى انعدام الرقابة على الفن، ونبذ ما هو سخيف ورديء حفاظاً على الذوق العام، فالساحة الفنية حالياً أصبحت تعج بأصوات وكلمات أغانٍ رديئة تجاوزت مرحلة السخف والبذاءة، وحتى الشتائم، لدرجة أنه أصبح الأطفال والشباب يرددونها، ويرقصون على وقعها باعتبارها فناً جميلاً! كما أن انعدام الرقابة فتح الباب لكل من هبّ ودبّ اقتحام المجال الفني، وأصبحت المسألة لا تحتاج إلى جواز مرور بقدر ما تحتاج إلى قليل من ال»فهلوة»، و»المطامر»، و»الصراخ». والمغني الأمريكي المعروف فرانك سيناترا كان يقول: إنه كان يخاف لدرجة الارتعاش من شيئين، هما «المايكروفون»، و»الأضواء»، وكان يقول دائماً في لقاءاته الصحفية «إن المايكروفون ضد الصوت الكاذب، وكذلك الأضواء فهي ضد الوجه الكاذب». ويقول بعض النقاد: لو صدق فرانك سيناترا مع نفسه أكثر، لقال إنه يخاف ثلاثة أشياء «الكاميرا، والمايكروفون والجمهور»، فالجمهور بالنسبة إلى المغني هو ذلك الرقيب ذو الأذن الموسيقية المدربة، فإما أن يصعد به إلى ناطحة السحاب الفنية، أو يشنقه بحباله الصوتية. هذا الكلام بالطبع لا يعرفه ولا يعيه كثير من المطربين، أو المغنين، حتى لو سلمنا أن كثيراً من الأصوات التي ولجت الساحة جاءت نتيجة «البطالة»، أو شح الفرص الوظيفية، إلا أننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن نلتمس العذر لكاتب الأغنية الذي لا يتجاوز الوقت الذي يكتب فيه قصيدته وقت ربة منزل التي تطبخ لطفلها «بيض وطماطم». والخلاصة أنه لابد من وقفة حازمة تعدل من اعوجاج الجدار الفني للساحة الخليجية والعربية، وتأتي من قبل جهات مسؤولة، سواء من وزارات الثقافة والإعلام، أو مما يوازيها من جهات أخرى معنية بهذا الأمر، حتى لا يتم تصدير ما يسمى بأعمال فنية على شاكلة «بحبك يا حمار»، و»انقلع»، و»ادعي علي بالموت وألا سْمني»، وغيرها من الألفاظ «اللطيفة»! ديانا حداد راشد الماجد