تعيش تونس هذه الأيام أجواء الذكرى الثالثة لإشعال الشاب محمد البوعزيزي (26 سنة آنذاك) شرارة الربيع العربي بإقدامه في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات على إضرام النيران في جسده في مدينة سيدي بوزيد (وسط تونس). لم تكن سيدي بوزيد حتى هذا التاريخ مدينة معروفة رغم أنها أُنشِأت عام 1901، غير أن واقعة البوعزيزي البائع المتجول الذي رفض قهر السلطات أدخلت مدينته التاريخ فباتت تُعرَف بمهد الربيع العربي. رفض البوعزيزي مصادرة عربة الخضراوات التي يعمل عليها ورفض صفعة على وجهه من قِبَل الشرطة، فانطلقت شرارة الثورات، وعمت ثورة شعبية أنحاء تونس انتهت في ال 14 من يناير 2011 بالإطاحة بالنظام، ثم سرعان ما انتقلت إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا. لكن ثورة تونس تعثرت خلال هذه السنوات الثلاث، فازت حركة النهضة الإسلامية في أول انتخابات بعد الثورة وشكلت حكومة ائتلافية بمشاركة حزبين مدنيين (ترويكا) لم تنل الرضا الواسع بين التونسيين لعدم تحقيقها أهداف التغيير. تشكلت سلطة جديدة في تونس وأفرزت حكاماً جددا، منصف المرزوقي رئيساً للجمهورية وحمادي الجبالي رئيساً للحكومة ومصطفى بن جعفر رئيساً للمجلس التأسيسي (البرلمان) إلى جانب راشد الغنوشي زعيماً للحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم. بيد أن هذه السلطة اصطدمت مع عديد من قوى الثورة بسبب ملف التضييق على الحريات، وتحديداً حرية الإعلام، وبسبب الإخفاق في إعادة تنشيط الاقتصاد التونسي، علاوةً على التهاون في التعامل مع الجماعات المتطرفة فإذا بها تقتل المعارضين لها كشكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما أدى إلى تغيير رأس الحكومة مرتين، أتى علي العريض خلفاً لزميله في حركة النهضة حمادي الجبالي ثم استقرت الأحزاب على تشكيل حكومة جديدة غير متحزبة برئاسة مهدي جمعة أملاً في أن تتولى هذه الوزارة إنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب بالبلاد إلى انتخابات تفرز سلطة دائمة. الثورة التونسية كشفت عن خلاف أيديولوجي عميق بين تيارين رئيسين في تونس، تيار الإسلام السياسي والتيار المدني، وقد ساهم هذا الخلاف في تأزم بالمسار الانتقالي ترافق مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية بتزايد العمليات الإرهابية ضد الجنود وعناصر الأمن، وأصبحت البلاد على كف عفريت وتتأهب للانفجار مجدداً في أي وقت. الآن، وبعد ثلاث سنوات على واقعة إضرام البوعزيزي النيران في جسده، يسأل التونسيون متى ينعم هذا الشاب في قبره ومتى يحتفلون بتحقيق نتائج ثورتهم وإلى أين تسير تونس؟