أفتح صحف ومجلات العالم المتقدم. أقرأ في قضاياهم وأخبارهم. أشعر بقيمة الزمن وتماهيه مع القضايا. أعود لأفتح صحفنا. أقرأ العناوين. أصاب بالخيبة. ثمة مساحة يبدو أنها تتسع بيننا وبين الساعة الزمنية، وبيننا وبين العصر الذي نحن فيه. على مجلة الإيكونوميست كمثال، يتناظر الناس. ثمة قضايا وأسئلة مثل «هل بإمكان الطاقة الشمسية إنقاذ العالم؟. تقرر المجلة مناظراتها في صفحات خاصة منسقة. معلومات وأرقام ومشاركات. يقود المناظرة شخصان مختصان يمثلان رأيين متضادين في قضية حيوية. ففي القضية هذه، هناك «ريتشارد سوانسن» مؤسس شركة «سن باور»، هو الذي يؤيد الرأي في المناظرة. يقول ريتشارد في مقدمة تبريره للتأييد: «أسعار الخلايا الكهروضوئية انخفضت 50% في السنوات الخمس الماضية، وخطط أخرى لانخفاض جديد قادم بنسبة 50%. عندما يتحقق ذلك، ستكون الخلايا الكهروضوئية من بين الخيارات الأقل كلفة لتوليد الطاقة الكهربائية». فيما يعارض الرأي «بيني بيزر»، مدير مؤسسة سياسة الاحتباس الحراري. يقول مبيزر بررا: «على الرغم من مرور أكثر من 30 عاماً من البحث والتطوير والنشر، الطاقة الشمسية غير قادرة على حل المشكلات الكامنة والعنيدة، ما يجعل هذه التكنولوجيا غير اقتصادية في المستقبل المنظور». يرعى مثل هذه المناظرات في كل مرة أيضاً جهات مختصة. يستمر كل طرف بعرض آرائه المدعومة بأفكار علمية. يستعرضون ما يريدون إيصاله من تلك الأفكار. يدخل من يريد المشاركة في المناظرة بأفكاره من الضيوف. تستمر المناظرة عشرة أيام. يصوّت الناس. تنتهي المناظرة بتصويت يقول: 72% مؤيدون للاقتراح و28% معارضون له. ويبدأ الأمر باقتراح جديد مثل: هل المدن الذكية خالية من الضجيج؟. وغيرها من الصحف التي تستعرض المناظرات والآراء بدراسات دقيقة. وفي جانب آخر، يتناظر الأمريكيون حول حملة الإصلاح الصحي «أوباما كير»، التي يتبناها الرئيس أوباما. تُستعرض الآراء وتوضح المهمة ويهرع الناس لاختياراتهم. بينما في البقعة التي نعيش فيها من العالم، ومع الأسف، تكاد تراوح قضايانا مكانها في قشريات متأخرة. بعض القضايا بحد ذاتها مؤسف النقاش فيها في هذا الوقت من الزمن. بينما المناظرات غالباً نقاشات عشوائية، تذوب في السفسطة والشخصنة. وهي غالباً، لا تعتمد على آراء علمية. بل آراء عشوائية غير مدعومة ينقصها البحث والسؤال. نحن متورطون بنقاش الهوامش. مشتتون دون تنسيق اهتماماتنا أو تقديمها في صورة فعل إبداعي يمكن الخروج منه بنتيجة تطوير مهمة. نتيجة قد ندرس بها فكرة ما أو مشروعاً ما. الجهد المبذول على وسائل التواصل أيضاً يبقى مجرد فعل سائب. فعل لا يصنع بحثاً ولا ينتج أفكاراً للحلول. سوى بعض ردود الفعل قصيرة المدى في غالب الأحيان. وإن كان كثير من الأفكار يمكن استغلالها لصنع فعل مهم أو البحث فيه. في كثير من المؤسسات العالمية، توفر المؤسسات مساحة لاستقبال الأفكار الإبداعية والمبادرات والحلول والابتكارات. وتؤخذ الأفكار على محمل الجد. تُستقبل بحفاوة ويخصص لها الدعم اللازم. وتُدرس آلية تطبيقها على أرض الواقع إن صلُحت. هذا بالنسبة للإبداع الذي لا يتعلق بصياغة عمل المؤسسة أو حتى تطوير الآلية التي تسير عليها كإدارة. وما قام به الشيخ محمد بن راشد في تويتر تحت مسمّى العصف الذهني الإماراتي لتطوير الصحة والتعليم، والخلوة الوزارية لاحقاً، هو فعل يستحق الإعجاب. إنه يختصر كثيراً من الوقت في عملية التطوير. لا سيما إن تمت مناقشة الأفكار مع المختصين ومع صناع القرار مباشرة على طاولة واحدة. المشكلة أن الانطباعات العامة عادة ما ترى أن «الأفكار الكبرى» لا تأتي إلا من رؤوس كبيرة. رؤوس تقوم على عمل المؤسسة من الأعلى وتخطط ككبار الإداريين مثلاً. عجلة الزمن المتسارعة لا يمكنها أن تدع الكبار «ذوي الخبرات» مستمري العبقرية. الخبرة شيء والابتكار والتطوير شيء آخر. العبقريات الإدارية التنظيرية، لها مدة محدودة يتجاوزها الزمن مع التقادم. إن الزمن يحتاج إلى رؤوس جديدة طازجة لتساعد أولئك على التطوير والحلول. ومثلها الأجهزة الحكومية. ولدينا كثير من الطاقات البشرية التي تستحق الإشراك في صناعة تأثير وتطوير جيد، على مستوى قطاعات مختلفة. يقول السيد مارينو رئيس شركة «رايت سوليوشنز» في مقال على صحيفة نيويورك تايمز «ليس هناك أية مشكلة مع الخبرة، المشكلة حين تقف الخبرة حجر عثرة في طريق الابتكار. وكمؤسسين، الشيء الوحيد الذي نعرفه أننا لا نملك كل الأجوبة على كل الأسئلة».