أصبح من المعروف الآن - وبما لا يدع مجالاً للشك - أن كثيراً من الدول وخصوصاً الدول المتقدمة تسعى - بكل ما أوتيت من قوة - إلى الكشف عن مصادر أخرى للطاقة جديدة ومتجددة ونظيفة، وعلى الرغم من اكتشاف عدد كبير من مصادر الطاقة البديلة إلا أن الواقع يشير إلى محدودية قدرة أي من تلك المصادر في أن يصبح بديلاً منطقياً للبترول بصورته الفردية. إلا أن أبحاث مصادر الطاقة البديلة تفتح كل يوم ثغرة جديدة في جدار صمود البترول كمصدر أول للطاقة العالمية، إلا أن محدودية احتياطيات البترول مهما بلغت، وبالتالي محدودية عمره وكذلك الاستهلاك العالمي الجائر له من ناحية، وتذبذب أسعاره من ناحية ثانية، وعدم استقرار مناطق انتاجه وتصديره من ناحية ثالثة، جعلت البحث عن مصادر بديلة ومتجددة ونظيفة وآمنة تغني عن البترول أكثر جدية، بل إن ذلك أصبح هدفاً تسعى إلى تحقيقه أطراف متعددة تحدوها دوافع استراتيجية واقتصادية وأمنية، وربما أبعد من ذلك. وعلى العموم فإن الأبحاث المتعلقة بمصادر الطاقة البديلة تتسم بالتعتيم والسرية والتقدم خطوتين والتراجع خطوة واحدة. فضلاَ عن تقاسم الأدوار، وذلك في سبيل خفض التكلفة من ناحية، وإعطاء الفرصة لكي تبحث كل دولة أو مجموعة فيما هو مناسب لها ومتوافر لديها من تلك المصادر. ليس هذا فحسب بل إن آخر أسلوب أو وسيلة غير متواترة تم اللجوء إليها هذه الأيام في مجال استغلال مصادر الطاقة البديلة تتمثل في البدء في الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، عن طريق المزواجة بين عدة أنواع من تلك المصادر في الدولة الواحدة، بحيث يغطي كل نوع نسبة معينة من حاجة تلك الدولة من الطاقة ومجموعها يغطي حاجة الدولة بالكامل أو يزيد. وعلى العموم فإن أهم مصادر الطاقة البديلة للبترول والمتوفرة حالياً والمستغلة بنسب متفاوتة كل من الطاقة النووية وقد تحدثنا عنها في المقال السابق، وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وسوف أتحدث عنهما في هذا المقال، وطاقة المياه وطاقة الكتلة الحيوية وطاقة الحرارة الأرضية وخلايا الوقود وغيرها من الأنواع فإني سوف أفرد لها مقالاً لاحقاً. وعلى أي حال استعرض المفهوم العام ومدى استفادة الدول المختلفة من هذا المصدر أو ذاك من دون الدخول في التفاصيل التقنية التي ليس هذا مكان التفصيل فيها. أولاً طاقة الرياح أو الطاقة الهوائية: وهذه الطاقة تحرك ريش المراوح وتجعلها تدور، وهذه عند دورانها تدير توربينات تؤدي إلى توليد طاقة كهربائية. إن هذا المصدر للطاقة يشهد نمواً متسارعاً في جميع أرجاء العالم. ومما يزيد من جاذبيته أن تقنية استخدامه متواضعة التكلفة وليست معقدة.. هذا وقد أفلحت جهود عقدين من الزمن في تحقيق تقدم تقني أدى إلى إنتاج توربينات رياح متطورة جداً قابلة للتعديل وسهلة وسريعة التركيب. وقد أصبح التوربين الواحد حالياً ينتج كمية من الطاقة تعادل إضعاف ما كان ينتجه التوربين الواحد قبل عقدين من الزمن. والآن تؤمن مزارع الرياح طاقة تعادل ما تنتجه محطات طاقة تقليدية. ومما يجدر ذكره هنا أن كمية الطاقة المولدة بواسطة توربينات الرياح في بداية 2004م بلغت حوالي (41) ألف ميغاوات وهذه الكمية من الطاقة كافية لسد حاجة حوالي عشرين مليون عائلة أوروبية متوسطة الاستهلاك. ليس هذا وحسب بل إن تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح سجلت تراجعاً بمقدار (50٪) خلال الخمس عشرة سنة الماضية. وفي هذه الأيام يمكن للرياج في المواقع المناسبة أن تنافس محطات الوقود الجديدة، التي تعمل على الفحم الحجري وفي المواقع المتميزة تنافس الغاز. ومما يدل على الإقبال على ذلك النوع من الطاقة أنه في السنوات القليلة الماضية تمت الاستفادة من طاقة الريح المجهزة بمعدل (30٪) وهذا يعني أن طاقة الرياح سوف تؤمن ما يقارب (12٪) من حاجة العالم من الطاقة بحلول عام (2020) وبتكلفة تقدر بحوالي (45) سنت يورو لكل كيلو وات ساعة، أي بنسبة انخفاض قدرها (36٪) عما كان عليه الحال عام (2003) وذلك من دون احتساب كلفة التوصيل. أما في المستقبل المتوسط أي بعد عام (2020) فإن الاستفادة من طاقة الرياح سوف يكون أكبر وأشمل ويساعد على ذلك أن موارد الرياح في العالم واسعة وموزعة بصورة جيدة في جميع أنحاء المعمورة، إضافة إلى أن استخدام التكنولوجيا الجديدة سوف يمكن طاقة الرياح من أن تؤمن حوالي (53) ألف تيراوات ساعة في السنة، وهذه الكمية من الطاقة تفوق الطلب العالمي المتوقع على الطاقة بمعدل مرتين. ولعل من أهم مميزات طاقة الرياح أنها طاقة نظيفة وغير قابلة للنضوب، ورخيصة التكاليف نسبياً، ذلك أن الرياح تحرك التوربينات مجاناً وذلك فإن توليد هذا النوع من الطاقة لا يخضع لتقلبات أسعار الطاقة العالمية كما أنه لا يحتاج إلى التنقيب والحفر والنقل والتكرير وغير ذلك من التكاليف. فضلاً عن أنه صديق للبيئة فهو لا يطلق أي ملوثات إلى الهواء إضافة إلى سهولة التركيب والصيانة والتبديل والتعديل. وعلى الرغم من أن هناك أكثر من خمسين دولة حول العالم تستفيد من طاقة الرياح، إلا أن التقدم والاهتمام في مجال البحث والتطوير لاستغلال هذا النوع من الطاقة لا يقوم به إلا عدد قليل من الدول، ويإتي في مقدمة الدول التي تسعى إلى تطوير تلك التقنية والاستفادة منها كل من أمريكا، وألمانيا، واسبانيا، والدنمرك. وكل من هذه الدول يستفيد من طاقة الرياح بما يفي بحوالي (10 - 20٪) من احتياجاته من الطاقة الكهربائية. ثانياً الطاقة الشمسية: وهذه تعني تحويل ضوء الشمس إلى طاقة حرارية أو كهربائية بواسطة تقنيات خاصة تؤدي فيها المواد الموصلة مثل مادة السليكون المتوفر في الرمال دوراً خاصاً. ومن الجدير بالذكر أن كل من الطاقة الشمسية ومادة السليكون من أكثر الأشياء توافراً في المملكة ولله الحمد. وعلى أي حال تعد الطاقة الشمسية أصل الطاقات المختلفة المتوافرة على سطح الأرض. فجميع أنواع الطاقات بما فيها البترول والغاز والفحم تكونت بسبب أشعة الشمس وما تلى ذلك من حرارة وضغط عبر الأحقاب الزمنية. ومن ناحية أخرى فإن حركة الرياح والدورة المائية من بخر ثم سحب ثم مطر، وكذلك نمو النباتات وما تنتجه من مواد غذائية تؤدي الطاقة الشمسية دوراً أساسياً فيها. وقد ظلت طاقة الشمس محدودة بالتأثير في الظواهر الطبيعية السابقة وغيرها مما لم يرد ذكره. ومع التقدم العلمي والهام الله الإنسان بما تحقق من اكتشافات أصبح من الممكن تحويل الطاقة الشمسية بطرائق مباشرة أو غير مباشرة إلى طاقة حرارية أو كهربائية يمكن استعمالهما في عمليات التسخين والتبريد، وذلك باستخدام التكنولوجيا الكهروضوئية المركزة وتكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة وتكنولوجيا الطبقة الرقيقة. ومن المعروف الآن أن أشعة الشمس عبارة عن أشعة كهرومغناطيسية يشكل طيفها المرئي (49٪)، وطيفها من الأشعة تحت الحمراء (49٪)، وطيفها من الأشعة فوق البنفسجية ما يقارب (2٪)، ولهذه النسب دورها المعروف ووظائفها المحددة. وعلى العموم فإن كمية الطاقة الشمسية المتاحة تختلف من مكان إلى آخر على سطح الأرض، ويتحكم كل من حركة الشمس وبعدها وقربها وتعامدها أو ميولها على سطح الأرض بكمية الطاقة الساقطة عليها، كما أن فصول السنة لها دور محوري في تلك الكمية فضلاً عن دور السحب وكثافتها إضافة إلى دور التلوث ومخرجاته. ولا شك أن الاهتمام بالطاقة الشمسية بصورة خاصة، ومصادر الطاقة البديلة بصورة عامة أصبح ظاهراً للعيان، سواء من حيث التركيز في الأبحاث ذات العلاقة، أو الاستثمار في ذلك المجال، أو الحراك الذي لا يهدأ، والمتمثل في اللقاءات والمؤتمرات وتبادل الخبرة والآراء، ولقد توج ذلك بانعقاد (القمة العالمية لطاقة المستقبل)، التي انبثق عنها منتدى طاقة المستقبل. ولقد انطلقت يوم الاثنين الماضي 29/6/2009م في مدينة بيلباو الأسبانية فعاليات المنتدى الأوروبي لطاقة المستقبل، الذي تنظمه شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل. وهذا المؤتمر شكل فرصة لمناقشة البدائل والحلول للتحديات الكبرى، التي يواجهها العالم على صعيد الطاقة، وقد استعرض ذلك المؤتمر عدداً من القضايا والموضوعات، مثل: سياسات الطاقة، والاستثمار، والتمويل، والأبنية الخضراء، والنقل النظيف والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والوقود العضوي، ولقد تخلل ذلك المؤتمر ورش عمل، وجلسات حوار وندوات وفعاليات؛ وذلك لتبادل الآراء والخبرات والإطلاع على أحدث الدراسات في مجال الطاقة المتجددة. كما أن ذلك المؤتمر تناول الوقود الحيوي وطاقة المحيطات والحرارة الأرضية، وتحويل النفايات إلى طاقة وخلايا وقود وإدارة الكربون والاستراتيجية البيئية.. ولا شك أن مثل ذلك المؤتمر هو وسيلة ممتازة للتبادل المعرفي. نعم إن أهم الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية تتمثل حالياً في أن التنافس سوف تحسمه القدرة على الابتكار في جميع المجالات بصورة عامة، وفي مجال الطاقة المتجددة بصورة خاصة. ولاشك أن فتح مجال الاستثمار في هذا الجانب أصبح جذاباً ومغرياً، ولذلك فتحت محافظ لهذا الغرض، كما أن أعداداً متزايدة من مستغلي الفرص في الدول المتقدمة والنامية بدأت بإنشاء مؤسسات ومحافظ وأوعية استثمارية وأخذت على عاتقها الترويج لهذه التقنيات، أو تلك، اعتماداً على التوجه العام من دون خبرة أو ركيزة علمية يعول عليها، أو أنها واجهات لأطراف أخرى. وإذا عدنا إلى الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية نجد أن الدول الأوروبية أصبح لديها هاجس البحث عن وسيلة لنقل الطاقة الشمسية الساقطة على الصحراء الكبرى في شمال افريقيا لإمدادها مستقبلاً بالطاقة الكهربائية عبر البحر المتوسط، وذلك انطلاقاً من أن الدراسات الأولية، قد أشارت إلى أنه بإمكان مساحة (16) ألف كيلو متر مربع من الصحراء الكبرى مغطاة بالمرايا المقعرة المستطيلة، إنتاج طاقة كهربائية تكفي لسد حاجة أوروبا كلها. ولا شك أن جميع الدول التي تقع على خط العرض للصحراء الكبرى نفسه سوف تكون لديها مناطق تفي بالغرض نفسه، خصوصاً تلك الدول التي تصل درجة الحرارة فيها إلى ما يربو على (45) درجة مئوية مثل المملكة. لقد تنبه إلى تلك الميزة عدد من الدول، وقامت بعملية الاستثمار في حصاد الطاقة الشمسية ولعل من أهم دول الشرق الأوسط التي استثمرت في هذا الحقل كل من: دولة الإمارات حيث تم الاستثمار في مشروع (مصدر) الذي تبلغ تكلفته حوالي 15 مليار دولار، وكذلك مشروع مصنع الطبقة الرقيقة. كما استفادت أبوظبي مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. أما في مصر فقد تم إنشاء محطة لتوليد الطاقة الشمسية بقوة (150) ميجاوات، وفي المغرب تم إنشاء محطة لتوليد الطاقة الشمسية بقوة (200) ميجاوات وقد حذا حذو هذه الدول عدد من الدول الأخرى مثل: ليبيا، والجزائر، وغيرهما. أما المملكة فقد كانت من أوائل الدول التي استفادت من الطاقة الشمسية حيث بنت القرية الشمسية في العيينة منذ زمن بعيد. إلا أن المملكة أصبحت اليوم مندوبة أكثر من أي وقت مضى للاستثمار في مجال الاستفادة من الطاقة الشمسية، خصوصاً في مجال توليد الكهرباء في المدن والقرى وتعميم استخدام ذلك في المباني الخاصة والعامة، ليس هذا وحسب بل إن استخدام الطاقة الشمسية المتوافرة في المملكة بصورة طاغية في مجال تحلية المياه أصبح من الأمور التي يجب الالتفات إليها بجدية ومن دون تأخير. كما أن المزاوجة بين استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبترول هو زيادة خير على خير ذلك أن توطين التقنية لا يتم إلا بالاستخدام المبني على المعرفة والمملكة اليوم في مركز مالي وعلمي يمكنها من ذلك بكل اقتدار.. والله المستعان.