كنت بمعية سماحة الشيخ حسن بن الشيخ باقر بوخمسين وأخي الأستاذ عبدالكريم بوخمسين في زيارة المرحوم الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- عدة مرات، حيث كانت الابتسامة لا تفارق محياه، إذ ترى ذلك في تقاسيم وتعابير وجهه.. ودائم الترحاب لمن يقدم إليه.. عدة زيارات قمنا بها إلى الدكتور وكل مرة تجد الترحيب والوّد من الرجل الذي كان يتربع على أعلى مرتبة من الأمانة في وطننا الغالي وهي التعليم، الذي حاول وبذل الجهود من أجل تطويره وتنميته إلا أنه تمت مواجهته بشتى الوسائل من أجل عدم المبادرة في اتخاذ إجراءات التطوير والتحديث، حيث حورب في دينه ومعتقده واتهم عبر الفتاوى بأنه خارج عن الدين …إلخ. إلا أن الرجل كان سمحاً ومسالماً مع الجميع، فلم يرفع راية المواجهة مع الآخر بالرغم من التعدي عليه في شخصه واتهامه بما لا يمت له بصلة في توجهه الفكري، إذ كان يؤكد دائماً وتكراراً على السماحة والدعوة لهؤلاء بالغفران والهداية. وعندما نبدأ الحديث معه عن هموم الوطن ترى الرجل يشارك وبمصداقية في الهم الجامع وهو الوحدة الوطنية وإلغاء كافة الفروقات التي تؤدي بنا كمجتمع إلى الهاوية، حيث كان يؤمن بأن كل فرد من أبناء المجتمع له حقه في التعبير عن رأيه بما لا يتعدى على الآخر. عرفت الدكتور عندما كنت أعمل في مشروع الموسوعة العربية الإسلامية العالمية التي صدرت في عام 1996م حيث كان يرأس الهيئة الاستشارية للموسوعة، وكان المشرف المباشر والمكلف لهذا المشروع الضخم الذي ضمّ ثلاثين مجلداً شملت مختلف المجالات الحياتية والاقتصادية والدينية والعلمية والتاريخية والجغرافية وغيرها من العلوم الأخرى، والحدث الذي أثر في نفسي عندما رأيت الدكتور وهو يواجه تلك الهجمة من قبل الطرف الآخر الذي لم يبق كلمة من الشتائم بالتفسيق والعلمنة عبر إصدار الفتاوى ضده، إلا أنه واجهها بصدر رحب ولم يعطها تلك الأهمية، وأكد على أهمية الانفتاح على الجميع في الموسوعة وعدم التهّجم على أي جهة لأنها تمثل مشروعاً حضارياً لكل أبناء الأمة الإسلامية، وليس حصراً على طائفة أو جماعة بحد ذاتها. وكلف المشروع ثلاثين مليون ريال سعودي وكتب فيه أكثر من ألف كاتب بحيث شمل كافة الأطياف من أبناء المجتمع العربي والإسلامي، لذلك تنوعت الموسوعة في أطروحاتها وعروضها ونالت إعجاب كثيرين من أبناء المجتمع في بلادنا والعالم العربي. وعندما تطرقنا معه في كثير من المواضيع كان شفافاً ونزيهاً في أطروحاته حيث أكد تكراراً ومراراً على الانسجام الاجتماعي والتعايش وقد كتب في أكثر من مرة في جريدة الرياض عن الوحدة الوطنية وعن إلغاء الفروقات المذهبية والاجتماعية. وأخيراً الحديث يطول عن المرحوم، فالأثر الذي تركه من سلم ومحبة بين أبناء المجتمع لا يمكن أن ينسى، وقد رأيت ذلك من خلال قدوم وفود المعزّين المحبين للدكتور لعزاء أهله وإخوته وأبنائه في بيته من كل مناطق المملكة، جاءت من أجل رثاء الدكتور وحضور فاتحته، حيث الجميع كان مصدوماً لهذا المصاب الجلل. إلا أن الموت لا يعرف الصغير ولا الكبير، وكما يقول الشاعر: حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار و إذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار