كشف مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية في الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني عن تفاصيل مشروع خريطة "الجينوم الوراثية" لعددٍ من المواطنين السعوديين للتعرف على الصفات والظواهر الوراثية الخاصة بالمجتمع السعودي. وأوضح المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية في وزارة الحرس الوطني الدكتور بندر بن عبدالمحسن القناوي أنَّ مشروع "الجينوم السعودي" يعدُّ أول خارطة للصفات والخصائص الوراثية للعرب على مستوى الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي. وقال إنَّ هذا المشروع أنجز في مختبرات قسم الجينوم الطبي بمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية الذي يحتوي على أحدث التقنيات المتقدمة في هذا المجال؛ حيث تم تصميم وتجهيز المختبرات بأحدث الأجهزة في مجال أبحاث الجينوم والوراثة الطبية، وبجهود فريق بحثي من علماء أبحاث وتقنين سعوديين في مجال الجينات الوراثية ومختلف التخصصات السريرية. وأضاف: من المتوقع أن يكون المركز من أكبر مراكز الجينوم في المملكة لأبحاث وفحوصات الوراثة باستخدام التقنيات الحديثة في الهندسة الوراثية الطبية، كما تم تجهيز المركز بأحدث التجهيزات في مجال المعلومات الحيوية وخدمات الكمبيوتر العملاق؛ ليتم تخزين البيانات وتحليلها وتصميم الأدوات والبرامج الموجهة لمساعدة الباحثين في الاستفادة من هذه الثروة الطبية والعلمية بأعلى الإمكانيات. وتابع: تختص خرائط الجينوم، التي تم الكشف عن تفاصيلها ، بتسجيل دقيق لكافة المعلومات الوراثية في الإنسان والمعروفة ب (DNA)؛ إذ تم الإعلان سابقاً عن بعض خرائط الجينوم الشخصية لبعض الأعراق المختلفة في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين خلال الأعوام القليلة الماضية، وأحدث إعلان خريطة الجينوم الدولية الأولى في عام 2003م أصداء واسعة. من جهته، أكَّد الفريق العلمي السعودي المشرف على المشروع أن الأبحاث الطبية أثبتت أنَّ هناك اختلافاً في الجينات المسببة للأمراض بين الشعوب، مما جعل مراكز الأبحاث الأجنبية تركز على إيجاد علاجات وأدوية مخصصة لشعوبها حسب معلوماتهم الوراثية التي قد لا تعمل بنفس الكفاءة في الشعوب الأخرى. وأضاف الفريق العلمي: "نظراً لأهمية هذه الاختلافات الوراثية بين الشعوب وتأثيرها على الطب الحديث، اجتمعت ثلاث دول (أمريكا، والمملكة المتحدة، والصين) في بداية عام 2009م وقررت إطلاق مشروع دولي عملاق لوضع خرائط الجينوم لألف شخص تم اختيارهم من بين 10 شعوب مختلفة؛ لدراسة تأثير الاختلافات الوراثية بينهم على انتشار الأمراض، ولم يكن بالإمكان العمل على خرائط الجينوم الشخصية في فترة وجيزة إلا بعد حدوث ثورة في التقنيات الحيوية المستخدمة في الهندسة الوراثية، وعلى رأسها ما يعرف بتقنية الجيل الجديد لتحديد السلسلة الوراثية (Next-Generation Sequencing) التي مكنت الباحثين من اختصار الوقت إلى أيام يتم من خلالها تحديد أكثر من ثلاثة مليارات قاعدة نتروجينية للجينوم الواحد". وأوضح الفريق العلمي السعودي أنَّ المشروع عُرض على لجنة الأخلاقيات الطبية المحلية التي تتبع للجنة الأخلاقيات الطبية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية واللجنة العلمية في مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية، مشيراً إلى أن الموافقة عليه تمت من الناحية الأخلاقية والعلمية، مما ساهم في تدشين المشروع مطلع عام 2010م. ولفت إلى أنَّ الهدف من هذا المشروع يتجه نحو إرساء معايير الطب الشخصي الذي يوصف بأنه المرحلة المقبلة للرعاية الصحية، ويرتكز على تفادي العلاج الموحد لجميع المرضى؛ لأن استجابتهم تختلف من مريض لآخر، وأن من أهم ممارسات الطب الشخصي هو تصنيف المرضى إلى فئات مختلفة حسب طبيعة وتفاصيل المحتوى الوراثي لكل مريض على حدة لتوفير رعاية طبية أكثر دقة وكفاءة، فبدلاً من علاج واحد لكل المرضى سيكون هناك علاج محدد لكل مريض. وتابع الفريق العلمي السعودي تصريحه بالقول: "كان من أبرز النتائج المستخلصة من المرحلة الأولى التي شملت 48 مواطناً سعودياً أصحاء وقت مشاركتهم ومن مختلف مناطق المملكة العربية السعودية هو وجود أكثر من 1.7 مليون علامة فارقة تدعى (SNP) بين الأشخاص الذين تمت الدراسة عليهم ويعتقد أنها تساهم في تفسير انتشار بعض الأمراض مثل داء السكري، والسمنة في البلاد العربية، كما بينت الدراسة تفاصيل نماذج التحورات والمتغيرات في "الجينوم السعودي" سواء كان ذلك على شكل زيادة أو نقصان في المحتوى الوراثي للأشخاص الذين تمت الدراسة عليهم. وواصل: يعتقد أن هذه التغيرات تشكل لبنة رئيسة في دراسة الطب الشخصي المبني على علاج المرضى بناءً على صفاتهم وخصائصهم الوراثية، كما تم اكتشاف علامات في "خريطة الجينوم العربي" تعود إلى أقدم قبائل ما قبل التاريخ الحديث التي يرمز لها (L0a) وعاشت خلال الفترة بين 170-150 ألف عام"، هذا وقد تم تسجيل السلسلة الوراثية للميتوكندوريا في المركز الوطني الأمريكي للمعلومات The National Center for Biotechnology Information . وأكَّد الفريق أن العمل جارٍ على استهداف شريحة أكبر من المواطنين، هذا ويتزامن المشروع مع عمل دراسات مبدئية للجينوم لدى بعض المرضى الذين يعانون من التصلب اللويحي من أجل معرفة التحورات والتغيرات الوراثية المسببة للمرض عند مقارنة الجينوم الخاص بهم مع الجينوم المعمول للأصحاء، وذلك بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.