وحدها كرة القدم... تفعل ما لا تفعله المؤتمرات والخطابات والتوصيات والدراسات والاستراتيجيات... ووحدها كرة القدم... تجمع وتفرق في آن، تعلي و(تحط) معاً. وإذا ما علقت بصري على المدرجات الأهلاوية في وطني! ورأيتها حبلى بآلاف المحبين، أصرخ ملء قلبي: يا لهذا (الجنون الساحر) ويا لهذا السحر المجنون!... كل هؤلاء أتوا بحثاً عن (فرح) لم يعد اليوم عزيزاً وغالياً. فرح يشعلونه صرخة في حناجرهم... وآهة مدوية طويلة تمزق حبال الضجر!. ولأني أحب كرة القدم، أنقل (قلمي) إلى (عشب) ملعب الأمير فيصل بن فهد، لا ليشذبه ولا ليبلل (رأسه) في ندى عشبة طرية، وإنما لينقل لكم أية حالة أمسى عليها العشب، مساء الثلاثاء الفارط، حين كان فتى أهلاوي يدعى (عماد الحوسني) يمن عليه بزخات رقيقة من عطر لا يقاوم، ذاب العشب، ليلتها، وداخ كما تدوخ فرس شمالية عندما خبأ الفارس العماني منحدر الليل في يدها!. في لحظة خاطفة انتزعنا الحوسني من (سأمنا) والتقط عيوننا من على كتاب الملل ليسير بنا رويداً رويداً، حتى ضفاف النهر، نهر المتعة الغائبة والفن الجميل، ألقى بنا في مياهه وقال استحموا لتنسوا حسرة الفرص الضائعة والأهداف الملغاة!! في ثوان وفي خفة (طائر الدُّوريِّ) كان عماد الحوسني (يُغوي) الشبكة بعد أن يفتن الكرة بتحركاته المهارية اللذيذة! حركاته الشيطانية المستحبة تشبه القبل الساخنة في ليل من ليالي كانون الثاني، ثم يودع سره هدفاً حاسماً لتنام الشبكة قريرة العين مغتبطة بالرواء. وبخفة (مُهرٍ) أنيق نحيل استطاع وبمهارة (الحريف) صبّ العسل في أوردتهما طازجا وشهياً!! كرة القدم مثل الكتابة «تخلص لمن يخلص لها وتتخلى عن الانتهازيين»، لذا فشهادتها صادقة لا تكذب فلا مصلحة لها سوى المتعة الحلال، وأجمل متعتها كانت وستظل مع النادي الأهلي..! ولكم تمنيت لو أنهم يستنطقون الكرة أو يستبطنون إحساسها في مسيرتها العظيمة مع هذا الفريق الفذ! فلو أنهم فعلوا ذلك لكانت (أي كرة القدم) قد تنهدت طويلا تنهيدة الحنين للزمن الأخضر الجميل بل زمنها الأجمل والأفضل والأكمل، ولكانت قد روت حكايات طويلة وعذبة من المتعة والفن والجمال والإعجاز، ولنصَّبت «الأهلي» فريق الزمان والمكان بل فريق الحياة، فريق كل المراحل والحقب والأزمنة !! ولسوف يصادق التاريخ على قول كرة القدم هذا ويسجل شهادته بحزم وقوة وتجرد قائلا: إن النادي الأهلي السعودي لم يهبط من ليل الخرافة أو الصدفة، وإن سنابله نبتت هنا في جدة ونمت وكبرت في وضح النهار بعرقه وكده وجهده وتعبه وكفاحه ورمزه المتفرد الأصيل لا بشيء آخر! وإن فنه الكروي العظيم كان كالخلود جديرا بأن يفلت من كمائن الموت والنسيان والطمس والتشويه والتضليل، فقد كان، وسيظل أيضاً، فنه وإبداعه الكروي هو ماء كرة القدم وأرضها ومقامها وشمسها وهواؤها الجميل. علي مكي