عملان ظاهرهما: احتفاءٌ، ووجاهةٌ، وكرمٌ، بينما باطنهما من قِبله: «الانتهاز»؛ الذي ما كان في شيءٍ إلا شانَهُ، وجعلَ من بياض النّبل سواداً لا يومض منه شيءٌ، ذلك أنّ: «الانتهازي»، وأيّاً ما تكن المسوح التي يرتديها لاجتراح بهلوانيّته، إنما يدور حيث تدور: «مصالحه»، إذ أنّ النفعيّةَ وفق فقهه إن هي إلا العلّة التي يُدير عليها أحكامها كلّها، وبخاصةٍ أنّه كائنٌ مترجرج التكوين ورخو البنيةِ، مما أتاح له التّمتع ب: «خفّةٍ» قد استوعبته في كل أشيائه -بالطول وبالعرض-، ليتمكّن من خلالها أن: يلعب الأدوار كلها دون أن يأبه بوخزات الضمير. يلعب أدوارها المتباينة كلّها وبرشاقةٍ قد اكتسبها من عقليّةٍ فارغةٍ إلا من أيقونة: «براجماتيّة»، كان من شأنها أن رشّحتهُ تالياً لتكريس نفسه ومواهبه ومعارفه وريالاته ليشهد منافع له (وما حجَّ ولكن حجّت العيرُ). ولن تفلح أمّةٌ تولّى شيئاً من أمرها -كبيراً كان هذا الأمر أو صغيراً- : «انتهازيٌّ»، ليس له من قِبلةٍ يولّي وجههُ شطرها، إلا قبلة: «مصالحه»! والانتهازيّة في قواميسنا العربية قديمها وحديثها أوشكت أن تقترب في معانيها من: الصيد والدربة والمهارة في الحصول على الفريسة بطرق محتالة ابتغاء الإيقاع بها ومن ثمّ اصطيادها! وعليه فإن: «الانتهازيَّ» لا يعدو أن يكون صيّاداً ماكراً يستعين بأسلحته الملتوية للإيقاع بفريسته ثم لا يلبث أن يقيّد: «صيوده» بحبال تمّ نسجها من ذرابة لسان أو من: «تدسيم شوارب»! بينما وجدنا: «الانتهازية» في لسان العالمين -عرباً وغرباً- لا تأتي إلا بمعنى واحدٍ، قد وسع اللغات كلها، بحيث تمّ إيجازه بالتالي: انتهز الفرصة -حتى لو لم تصنعها- في الجغرافيا التي أنت فيها.. وفي اللحظة التي تعيشها، مستثمراً كافة إمكاناتك المشروعة وغير المشروعة، وبخاصةٍ قدرتك الفائقة على: «الاحتيال» شريطة أن تكون حينها بلا أخلاقٍ أو مُثُلٍ، بغيةَ تحقيق أحلامك وهواجسك وتطلعاتك. وحاشاك إذ ذاك أن تكترث بشأن دين أو وطن أو قِيَمٍ أو أو…، وإياك ثانيةً أن تأخذ بعين الاعتبار قانون: «المبادئ» حتى لا يكون حجر عثرةٍ في طريق كسوباتك الشخصيّة، واحذر ثالثةً في أن تقلق بشأن العواقب بعيدة المدى، ذلك أنّه ليس ثمّة مهم في حياتك إلا نجاحاتك القريبة، إذ بها تحقق رغبات ذاتك الضامرة في سبيل أن تتورّم دفعةً واحدة لتنتقلَ ذات يومٍ من مربع المُحْتَفِي إلى مستطيل المُحْتَفى به. ذلك مما جاءكم من خبر: «الانتهازي»، أما شأن: «الثلوثية»؛ فليست سوى: ظاهرةٍ لنابتةٍ صالونيّة ظاهرها الاشتغال على المثاقفة ليس غير. وبهذا الظاهر الجميل كان الاحتفال من لدن الجميع بمثل هذه الصالونات، إذ ظنّنا بادئ الرأي، أنها تأتي في سياق: صالونات سابقةٍ كان لها نفعها الذي ما من أحد يمكن أن ينكره في زمن الطيبين! إلا أن هذه النابتة -الثلوثية برفقة بقية شقيقاتها المتناثرة على ليالي الأسبوع وهنّ في تاريخ النشأة يتفقن توقيتاً- أقول: إلا أنّ هذه النابتةَ قد اتخذت لها مساراً آخر لا يشبه بحالٍ ما كانت عليه الصالونات الرائدة، بحيث سلكت -أعني نابتة الصالونات الجديدة- نسبياً طرقاً ملتويةً وزلقةٍ، وغالباً ما تنتهي إلى ما يصبّ عادة في مصلحة صاحب الصالون (على طاري الصالون فإن من كان منكم يتمتع بدقة النظر فما أحسب أنه سيصعب عليه إيجاد الفروق السبعة بين الثلوثية -وشقيقاتها- وبين صوالين الحلاقة)! ما سلف كان حكاية موجزة لأمر: «الثلوثية»، أما خبر: «المثلوثة»، فليس غير تلك التي أنتم تعرفون، حيث الوجبة النجدية التي يراكم فيها بطبقات ثلاث رز وجريش وقرصان، ويزينها قرع وكوسة وباذنجان وليمون أسود ودارسين و… إلخ. وفي زمنٍ تولّى كان (يُدهن بها سير) وإذا ما تعثر أمر ما فإن ل: «المثلوثة» عملها السحري في قلب كلّ الموازين. وبكلٍّ.. فليست هي الأحرف المشتركة لمفردتي: «الثلوثية» و: «المثلوثة» هي: ما قد اضطرني للجمع بينهما في سبيلِ الإبانة عن نمو فِطر: «الانتهازي» وتمدّده الطحلبي على بعضٍ من سبخات مجتمعنا بصورةٍ لا يستقيم معها السكوت. إذن.. ليست هي الأحرف المشتركة فيما بينهما ما اضطرني لجمعهما في مقالةٍ واحدةٍ، بل إنّ ثمة قواسم مشتركة تنتظمهما بحسب رؤيتي، ويمكنني الإشارة إلى غالبها بما يلي: * الليل بسببٍ من أن الرؤية فيه تظلّ ب: «عين واحدة» ألفيناهما -الثلوثية والمثلوثة- يفضّلان أن يُقضى أمرهما بليل. وكثيراً لا يستطيب القوم أيَّ طعم ل: «المثلوثة» إذا ما قُدمت بنهار، وهو السبب نفسه الذي كان خلف نجاحات (وصدق) خميسية حمد الجاسر، إذ كانت تُستأنف في ضحىً. * هما من أفضل الوسائل لاجتلاب المنافع الآنية، كما أنّ لهما حكم: «المقاصد»، فمن: يثولث متربعاً وقد احتضن المثلوثة لا يتعذّر عليك مطلقاً -وبخاصةٍ أنك أنت: «المعزّب»- أن تأخذ منه ما شئت وبنفس راضية، وكذلك هو حال من يتصدر مجلساً ثلوثيّاً ويُحتفَى ب: «منافعه» المتعدّية.. فمقدمة فضفاضة في أول الحديث وفي آخرها دروع تلك من شأنها أن تؤتي أكلها للطرفين، في حين يفتقد الحضور شروط فهم هذه المعادلة. * يُستقطب لهما في الغالب الأعم: «هوامير» من ذوي الكراسي الوثيرة أو الريالات الباذخة أو ممن لهم حضور إعلاميٌّ مكثف، ولست أجافي الحقيقة حين القول بأنه: يمكنك أن تتعرف على من سيأتي -للاحتفاء به ثلوثياً/ أو للعزومة مثلوثيّاً- وذلك بافتضاح الحاجة التي عليها المُحْتَفي/ والعازم. بحسبان البوصلة تتحرك وَفق الحاجة: «أم الثلوثية»! * فيهما ضجيج تتأذى منه آذان العقلاء، وتشبّعٌ بما لم يُعْطوا، الأمر الذي يجد فيه أحدنا نفسه واقعاً تحت سطوة عناصر تأبى إلا أن تُرمّز نفسها بدعوى: «الوجاهة»، وذلك بما جيّشته من عوامل صخب وجلبة، عند التحقيق تجدها محض ظواهر صوتية ليست بذات بال. * كلاهما يتوفر وبنسبٍ متفاوتةٍ على قدر كبير من التزييف، وإذا ما انفض سامرهما -الثلوثية والمثلوثة- أدركت أنّ الغلّة كلها مما قد ظفر بها: «المعزّب» بينما لا الوطن ولا الوعي ولا الثقافة ظفرت بأي شيءٍ ذي قيمة معتبرة. * يسهمان في إنشاء بيئة خاضعة لنمط وحيد للنفاق الاجتماعي، وبخاصةٍ ذلك النمط الذي يُناط به عادة التّزلف في سبيل نيل مصالح مغرقة في الذاتيّة وإن أتت على حساب منظومة القيم والمبادئ.