لنتجاوز، مبدئياً، التوقف عن مصطلح "السينما السعودية" والذي يبدي الكثيرون تحفظهم تجاهه، باعتبار ان السينما هي حالة من الحراك والصناعة والتواصل مع المجتمع، وهو ما لا يتحقق بطبيعة الحال في وضع السينما في السعودية. إلا أن موضوعنا لا يرتبط باستقراء الأفلام السعودية بل يذهب الى أبعد من ذلك في القاء الضوء على كل الأحداث أو المناسبات التي ارتبطت بالسينما واحتضنتها السعودية خلال العام المنصرم 2009. في السادس من حزيران (يونيو) 2009، كان العرض الاول للفيلم السعودي الذي انتجته روتانا "مناحي" من بطولة النجم فايز المالكي. في الحقيقة كان الفيلم قد سبق عرضه في مدن جدة والطائف الا ان عرضه في الرياض (وهي المدينة الاكثر محافظة والتي يتركز فيها ايضا غالبية رجال الدين المعارضين ضمنيا لوجود السينما) كان يشكل حدثا مهما في مسيرة السينما والصراع الدائر منذ فترة حول افتتاح صالات السينما في المملكة. وعلى الرغم من ان الكثير من السينمائيين ايضا والذين يرون الفيلم رديئاً على المستوى الفني، كان يكفيهم من هذا العرض ان يمثل الخطوة الاولى لافتتاح صالات السينما في السعودية وتكريس المشاهدة السينمائية كبرنامج اجتماعي ترفيهي. وبطبيعة الحال كان المعارضون قد اتخذوا موقفهم المتوقع، واحتشدوا في أول ليال العرض في محاولة للتحذير من هذه الخطوة كبداية انحراف وفساد بحسب تفكيرهم. الحديث عن عرض "مناحي" في الرياض ووصفه بأنه خطوة للوراء، هو حكم باثر رجعي، عطفا على اعتقاد الكثير ان تلك الخطوة التي قامت بها شركة روتانا قد استفزت المعارضين للسينما، واستنفرت قواهم للرد الفوري. هذا ما حدث بعد حملة من البيانات والفتاوى والبرامج الدينية في قنواتهم الخاصة تجاه السينما، ليأتي القرار المفاجئ بمنع مهرجان جدة السينمائي الذي كان سيفتتح دورته الرابعة في الثامن عشر من تموز (يوليو) 2009 مما اصاب السينمائيين بخيبة أمل كبيرة، خاصة وهو المتنفس الوحيد سينمائيا بعد توقف مسابقة افلام السعودية منذ دورتها الاولى عام 2008 والتي كان وزير الثقافة والاعلام حينها الدكتور إياد مدني قد افتتحها. بدا حينها ان الجو العام ليس ودودا مع السينما، وهذا ما سينعكس ايضا على النشر السينمائي حتى نهاية عام 2009، حيث اختفت بعض الصفحات السينمائية من الجرائد فيما تقلص عدد الموضوعات السينمائية المنشورة من جرائد أخرى، وبدا ان السينمائي الشغوف عليه ان يستمر بطريقته الخاصة في مشاهدة الافلام بينما صناع الافلام انفسهم لن يجدو افضل من دولة الامارات العربية المتحدة محضنا لعرض اعمالهم والتنافس مع اقرانهم. منذ فترة طويلة والشباب السعوديون المعنيون بصناعة الافلام كانوا قد وجدوا في المهرجانات والمسابقات السينمائية التي تقام في دولة الامارات العربية المتحدة فرصة مهمة لعرض اعمالهم والتواصل مع نظرائهم في الخليج العربي والاستفادة من مثل هذه التجمعات والفعاليات السينمائية. بداية مع مسابقة افلام الامارات التي تقام في أبوظبي وانتهاء بالمهرجان الأهم من نوعه مهرجان الخليج السينمائي في دبي. إلا أن مهرجان الخليج في دورته الثانية، والذي كان قد اختتم فعالياته في الخامس عشر من شهر نيسان (أبريل)، شهد المشاركة الأفضل للأفلام السعودية على مستوى الكم والكيف، حيث حققت السينما السعودية تفوقا ملحوظا حينما حصدت خمس جوائز متنوعة، حين فاز فيلم "الانتقام" لوليد عثمان بالجائزة الثانية في فرع الافلام الروائية الطويلة. كما نال فيلم "شروق/غروب" لمحمد الظاهري بالجائزة الثالثة في فرع الافلام الروائية القصيرة. وحصل فيلم "الحصن" لفيصل العتيبي بالجائزة الثالثة في فرع الافلام الوثائقية. كما فاز في قسم أفلام الطلبة فيلم "بدري " لأنجي مكي بالجائزة الثالثة، وفيلم الرسوم "بي جي" لمحمد التميمي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فرع الطلبة. بالاضافة لحصول "مجموعة تلاشي السينمائية" على شهادة تقدير من لجنة التحكيم في المهرجان لدورها في انشاء سينما مستقلة. وضعت مجموعة تلاشي السينمائية نفسها كإحدى اهم المجموعات السينمائية الملفتة للنظر في السعودية والخليج، حينما تقدمت للمسابقة في مهرجان الخليج في دورته الثانية بسبعة أفلام، كان خمسة منها ضمن المسابقة الرسمية وهو مايشكل نصف الافلام السعودية المشاركة رسميا في المهرجان. الا ان الامر لم يكن يتعلق بحجم المشاركة بقدر حجم الاثر الذي خلفته هذه الافلام والتي وصفها البعض بالجريئة في تناول القضايا والافكار والتجديد في طريقة طرحها ولاقت استحسان الكثير واشادتهم من حضور المهرجان بقدر ما اثارت الجدل وانتقاد الاخرين في نفس الوقت، كما يصفها فنان معروف مثل السعودي عبد المحسن النمر بأنه شاهد "وقاحة في الجراة" بحسب لقائه مع مجلة "سيدتي"، او ما يعبر عنها المخرج والمنتج السعودي صالح الفوزان بكونها افلام مصادمة لا تعبر عن رؤية سينمائية بحسب لقائه في برنامج "نقطة تحول". لكنها في النهاية كانت عاملا مهما لاعادة الاعتبار الى قيمة الفيلم السعودي وما يمكن ان يصنعه ويثيره وربما النجاح الكبير الذي حققه احد افلام المجموعة وهو "شروق/ غروب" يؤكد على هذا الامر. اذا ما اتجهنا للحكم بافضل الافلام السعودية، رغم قلتها، خلال عام 2009 واكثرها نجاحا فسيكون فيلم محمد الظاهري "شروق/ غروب" المرشح الاول لهذا الامر لعدة اعتبارات، يتعلق اهمها بالجوائز والاشادات التي استمر الفيلم يحصدها منذ الجائزة الثالثة في مهرجان الخليج السينمائي كافضل فيلم قصير، مرورا بتنويه خاص من مهرجان الفيلم العربي في روتردام لشجاعة الفيلم في الكشف عن التابوهات في العالم العربي ثم الجائزة الفضية "الثانية" في مهرجان بيروت السينمائي واخيرا ماحدث في ديسمبر 2009 حينما حصل الفيلم ايضا على تنويه خاص من مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة. بالاضافة لجائزة فيبريسكي "الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين" لأفضل فيلم قصير في قسم المهر العربي لبساطة ومتانة شكل الفيلم وشجاعته قي ملامسة المشاكل الخفية التي يواجهها طفل في المجتمع. ثم الاعتبار الآخر والمعني بجرأة الفيلم واسلوبه الخاص في الكشف عن عدة قضايا اجتماعية مهمة حيث يروي الفيلم الوقت الذي قضاه طفل يبيع في الشارع منذ شروق اليوم حتى غروبه حين يقع ضحية للعنف المدرسي والتحرش الجنسي وتسلط الجهاز الحكومي عليه.