في صمت تام، وبشغف شديد، جلس طلاب الفصل السابع - هندسة ميكانيكية، بالمدرسة المهنية الخاصة، في الحي الرابع بالعاصمة النمساوية فيينا، يتابعون تفصيلات شريط فيديو. الشريط كان للميكانيكي كول كوللفيغن (52 سنة)، وهو يعمل في ورشته بمدينة نويس الهولندية، حيث عمل منذ 30 سنة، اكتسب خلالها شهرة واسعة وحصّل رزقا وفيرا لشدة مهارته وسعة خبرته، وحرصه الدقيق على المواعيد. يصور الشريط حركة كول داخل ورشته في يوم عمل عادي، وهو يفحص محرك سيارة صالون، وعلى مقربة منها جرار زراعي، بينما تتوزع في الورشة أعداد أخرى من السيارات، وبالقرب من كل واحدة مجموعة أرفف رُصت عليها بنظام واضح أنواع شتى من الآلات والمعدات والمسامير والصواميل والمفكات، في حين يحتوي صندوق ضخم في جانب آخر من الورشة الرخامية الأرضية على كميات من اللدائن واللصائق. وانتظمت في الجزء الخلفي من الورشة بعض الرافعات الكهربية الحديثة، قابعة فوق أنواع من الناقلات المتحركة التي يسهل سحبها من موقع إلى آخر. حتى الآن ليس في الأمر أي غرابة، باستثناء أن «المعلم» كول الذي تواكبه أعين الطلبة المتمرنين وهو يتحسس هذه الآلة ويصلح تلك، ثم يختفي راقدا تحت إحدى السيارات، حاكيا تجربته طيلة 30 سنة، ضرير تماما، كان قد فقد بصره عندما كان في الثامنة من عمره. ورغم هذه الإعاقة امتهن ميكانيكا المركبات ونجح بفضل إصراره من تطوير كاراجه الصغير إلى كاراج كبير وناجح. تماما، لا تسرب عيناه حتى بصيص ضوء منذ أن فقد بصره وهو في الثامنة من عمره. يقول كول: «إنني أحس بكل آلة، وأتعرف على الخلل والأعطاب باللمس والصوت. وما دامت معداتي في مواضعها المحددة فإنني لا أحتاج إلى أية مساعدة، إلا إذا ما سقط مني مسمار. وبما أنني عازف ماهر على أكثر من آلة موسيقية فقد ساعدني حسي الموسيقي والسماعي كثيرا على تمييز الأصوات والدقة في الحركة». وبابتسامة عريضة رد على سؤال حول أكثر ما يميزه عن أقرانه، مجيبا أن بإمكانه العمل في الظلام!