ألف يذهبون وثلاثة آلاف يأتون.. يحملون مع صرخات حياتهم الأولى بسمة أمل كبيرة ترتسم على وجوه استوطنها الحزن على أحبة لن يعودوا.. فغزة المكلومة لم تدر وأخبار استشهاد 1412 من أبنائها تتوالى على قلبها المفجوع أن فرحا يختبئ تحت أكوام الأخبارالحزينة.. هذا الفرح تمثل في استقبالها "3700" مولود خلال المحرقة التي أضرمها الاحتلال في القطاع على مدار 22 يوما متصلة. "همام نسمان"، مدير العلاقات العامة في وزارة الصحة بحكومة غزة، قال: إن "3700 طفل ولدوا بين 27 ديسمبر 2008 و17 يناير 2009، في حين أسفر العدوان في نفس الفترة عن استشهاد 1412 معظمهم من النساء والأطفال". ولفت نسمان إلى أن نسبة المواليد في شهر يناير "سجلت أعلى مستوى من الارتفاع قياسا بالأشهر السابقة والمعدلات الطبيعية المعروفة"، مؤكدا بنبرات الفرح أن "هذه من بركات الله وفضله على غزة وأهلها". وتابع موضحا: "سنويا تستقبل غزة 50 ألف مولود.. وفي الشهر يولد ثلاثة إلى أربعة آلاف طفل.. وفي فترة العدوان (22 يوما) كان هناك 3700 حالة ولادة، وفي الأسبوع المتبقي من الشهر سجلنا 1300 حالة ولادة، أي أن شهر يناير حمل زيادة في المواليد بلغت ألف مولود". ووصف هذه الزيادة ب"الكرامة لأهل غزة الذين خسروا الكثير من الأرواح"، وأكد نسمان أن القطاع الذي يبلغ عدد سكانه نحو 1.5 مليون نسمة يعيشون على مساحة لا تتجاوز365 كم2 يتمتع بأعلى معدل مواليد في المنطقة. سيأتي المزيد ونوه نسمان إلى أن نسبة الوفيات مقارنة بالمواليد ضئيلة جدا: "50 ألف حالة ولادة سنويا مقابل 5 آلاف حالة وفاة.. كما أن نسبة المواليد الذكور 52% من إجمالي مواليد غزة مقابل 48% من الإناث". واتهم إسرائيل بأنها "كانت تتعمد قتل النساء والأطفال لتفريغ غزة من مستقبلها، فقد خلف العدوان 440 شهيدا من الأطفال و110 من النساء إضافة إلى 2000 طفل وألف سيدة بين الجرحى". وشدد نسمان في حديثه على أن "عنف الغارات والقصف الإسرائيلي تسبب في إجهاض النساء"، لافتا إلى أن "وزارة الصحة لم تستطع حصر نسبة هذه الحالات وأرقامها لعددها الكبير جدا، كما افتقدت الكثير من النساء الحوامل خلال الحرب للرعاية الطبية اللازمة". "أهدتنا السماء أنور جديدا" "أنور".. إنه اسم المولود الجديد للمواطن الغزاوي محمود عليان، وهو كذلك اسم أخيه الشهيد. عليان قال : "غزة ستبقى تقاوم الاحتلال بالإنجاب.. استشهد شقيقي في الحرب فرزقني الله بمولود أطلقت اسمه عليه.. يقتلون أنور فتهدينا السماء بأنور جديد". شارع اليرموك غرب مدينة غزة ودع أكثر من 15 شهيدا خلال العدوان الإسرائيلي، واستقبل 30 مولودا.. أبو عامر الذي رزقه الله بتوأمين من بين هؤلاء ال30 قال بفخر: "ستلد نساؤنا المزيد والمزيد.. ستنجب غزة المقاومين.. هم جاءوا ليسحقوا هذا الجيل.. نقول لهم: أنتم واهمون.. سنبقى شوكة في حلقكم". الإنجاب جهادا خوف إسرائيل مما تصفه ب"الغول الديمغرافي الفلسطيني" سيبقى ماثلا، وربما يزداد أمام إصرار نساء غزة على إنجاب المزيد بعد الحرب.. أم أحمد لديها أربعة أطفال وتؤكد: "بإذن الله سأضع في كل عام مولودا.. سنبقى نحاربهم، ولو قتلوا منا ألفا فسنأتي بآلاف". وكان خبراء ديمغرافيون إسرائيليون قد أشاروا مؤخرا إلى أن عدد الفلسطينيين في مجمل الأراضي المحتلة سيفوق عدد اليهود في غضون عامين من الآن. واستند الخبراء في توقعاتهم إلى أحدث معطيات مركز الإحصاء الفلسطيني ومكتب الإحصاء الإسرائيلي، التي قدرت عدد اليهود المقيمين في إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية بنحو 5.4 ملايين نسمة، فيما قدرت إجمالي عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي 48 داخل إسرائيل بنحو 5.2 ملايين نسمة. ورأى الخبراء أنه "إذا أخذ بالاعتبار تفوق العرب على اليهود في مجال التكاثر الطبيعي، فإن الفلسطينيين سيصبحون الأكثرية في عام 2010". وتؤكد الإحصائيات الفلسطينية أن إجمالي عدد سكان غزة خلال السنوات العشر الماضية قد ازداد من مليون نسمة إلى 1.5 مليون، أي زيادة 50%. وقد كان سكان غزة في عام 1997 يشكلون 36% من سكان الأراضي الفلسطينية، ونتيجة لمعدلات الزيادة السكانية المرتفعة أصبحت نسبتهم 40%. وتشير توقعات مراكز الإحصاء إلى أن عدد سكان الأراضي الفلسطينية سيتجاوز 6 ملايين بحلول عام 2025، وسيقترب من 9 ملايين في منتصف القرن الواحد والعشرين، ومع استمرار التفاوت في معدلات المواليد لمصلحة غزة من المتوقع أن يتساوى عدد الفلسطينيين من سكان غزة مع عدد الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية. أرنون سوفير، المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة حيفا وفي "كلية الأمن القومي" و"مدرسة القيادة والأركان" في كيان الجيش الإسرائيلي والمختص في المسألة الديمغرافية، حذر في كتاب ألفه مؤخرا من خطر التكاثر الطبيعي الفلسطيني على إسرائيل. واعتبر المؤلف وجود الشعب العربي الفلسطيني في وطنه وتكاثره الطبيعي "خطرا" على إسرائيل وعلى وجودها كدولة يهودية، لافتا إلى أن الميزان الديمغرافي يسير لصالح الفلسطينيين لارتفاع نسبة التكاثر الطبيعي لديهم، وقال: إن هذا الواقع الديمغرافي يشكل مشكلة وخطرا إستراتيجيا على إسرائيل.