وأما من يعمل في مدارسنا (بنين وبنات)، فيعلمون أن أسلوب الضرب ؛ يعدّ من أيسر السبل في ضبط الطلاب ، ومن أسرع الطرق في إلزامهم بأنظمة المدرسة ، والأخذ بمتطلباتها ، والعمل بتوجيهاتها، فالعصا إذا وجدت لدى بعضهم ؛ كانت كفيلة في التحكم بحركة الطلاب ، وفي توجيه سلوكهم، وإدارة مناشطهم. وقديماً قام تعليمنا على استخدام الضرب في إيصال المعلومات إلى الطلاب في أسرع وقت ممكن، وكان من يستخدم العصا من المعلمين ؛ يعدّ من الحريصين والمتميزين في عملهم، لكن الأبحاث العلمية ، والدراسات التربوية، والتجارب الواقعية والمشاهدة ؛ أثبتت أن لهذه الوسيلة آثار مضرة، ونتائج سلبية، وعواقب وخيمة. ولو قال أحدنا إن معظم العظماء قد تعرضوا للضرب، ولم يؤثر ذلك في حياتهم ، ولا على علو نبوغهم، لقلنا له هذا قول غير موثق، وليس فيه سند معتمد ، إذ لو فتش أحدنا نفسه ، لوجد أنه مرّ بتجربة مريرة، مازال في نفسه بقية باقية من آلامها، وقد رسبت في اللاشعور، تجاه من ضربه، وجرح كيانه، وأفسد مقامه. ولقد كشف لنا الميدان ؛ أن ضرب المعلمين للطلاب، يولد في نفوسهم الكراهية للدراسة، والخوف من المدرسة، كما يزرع في قلوبهم الحقد والبغضاء تجاه من يعتدي على شخصياتهم، ولعلّ حوادث العنف المتكررة تجاه المعلمين وسياراتهم، دليل وضح للعيان ؛ فالعنف لا يثمر إلا عنفاً ، والقسوة لا تولد إلا القسوة. إن الضرب برمته لا يصحح الأفكار، ولا يجعل السلوك مستقيماً، بل هو نموذج سيء يحرم الطلاب من عملية الاقتداء الحسن، فمنهم من يعتقد أنه وسيلة مثلى لتصحيح السلوك، فتتولد لديهم الرغبة لممارسة العنف مع الآخرين، كما أنها وسيلة تفقد أثرها ، حيث يعتاد بعض الطلاب عليها، فيعاندون ويكررون الخطأ ذاته، وقد يكون حافزاً إلى الوقوع في أخطاء أخرى، فقد يدفعهم الخوف من العقاب إلى التفكير في أساليب تنجيهم؛ كالكذب والغش والغياب والتأخر ، وقد يكون النفع آنياً ، إلا إنه يزول بغياب الشخص الذي يوقع الغياب. وكم من شخص نعرفه ، سبّب له الضرب نفوراً عن الحضور إلى المدرسة، واستكمال ما تبقى عليه من الدراسة، ولا يتوانى بعضهم أن يشيروا إلى اسم معلم أوقع عليهم هذا العقاب المنفر، فكرهوا بسببه التعليم ، وأضاع عليهم آمالهم، وأفسد عليهم طموحاتهم، وهم غير مقتنعين أن الهدف كان إصلاحهم ، وتقويم اعوجاجهم. وحتى نتخلص من هذه الوسيلة الممقوتة؛ لابد أن نحرص على أن تكون بيئة المدرسة بيئة مشوقة جاذبة جذابة ، وأن نعمل على وصل حبال المودة بين المعلمين والطلاب ، وأن نحرص على زيادة الاحترام والتقدير المتبادل بينهم، وأن نهتم بتفعيل قواعد السلوك والمواظبة، التي أنشئت لتعزيز السلوكات الحسنة، والارتقاء بالسلوكات الخاطئة، كما يجب معالجة سلوكات الطلاب المخلين بالنظام المدرسي بأساليب: التدخل الهادئ، والحوار البناء، واستخدام لغة الإقناع ، والإقصاء و التدرج والتصحيح الزائد ...وغيرها من وسائل تعديل السلوك. نحن أيها المعلمون الفضلاء؛ بحاجة إلى إخراج جيل متسامح، غير حاقد، ولا ناقم، ولا عنيف، جيل قوي الشخصية، وبدون عقد عاطفية، ولا مشاكل نفسية، يحترم صغيرنا الكبير ،ويرحم كبيرنا الصغير، ويسود بيننا الألفة والمودة ، والصدق والمحبة. د.عبدالله سافر ألغامدي جده