يا عين شوفي زرع خلك وراعيه شوفي معاويده وشوفي قليبه تورية بلاغية رائعة من رمزية محتشمة وغزل عفيف عذري الانتماء صادق الهوى وجامح بالحنين مكرس في زيارة مبررة الى البئر التي يروي منها الحبيب اسبابها يتجسد فيها الشوق ويتنامى الوجد وتزغرد فضاءات الذات الولهانة موسيقى كلمات الود: يا عين على صافي الدمع هليه والى انتهى صافيه هاتي سريبه يا عين شوفي زرع خلك وراعيه شوفي معاويده وشوفي قليبه ان مرني في الدرب ما أقد احاكيه مصيبة يا وي والله مصيبة اللي بينا عيت النفس تبغيه واللي نبي عجز البخت لا يجيبه وتصهل في رحاب فرحها الاماني العذاب ويلتاع بين جوانحها الوله فيرفع الحب يافطة كتبت عليها حروف كلماتها بالخط العريض (من عشقناكم عشقنا كل الناس) فترفرف الشالات البيضاء في تناغم لوني مع الوردي والبنفسجي والنرجسي فترقص فساتين الهوى على انغام صوت المطربة نجاة الصغيرة حين تشدو: حتى فساتيني التي اهملتها فرحت به رقصت على قدميه فتتعانق نهايات الفساتين مدارج الصعود الى قمة لقاء الحبيب فتضطرم العواطف وتصطف المشاعر كسطر من باسقات النخيل تتلألأ الشمس من فوق رؤوسها تيجانا: يا عين هلي بازرق الدمع هلي هلي عسى ما جاك يالعين تكفير هلي على اللي يوم اجي له يهلي واليوم عنا بعدته المقادير يا ما حلا قوله اليا قال قل لي شكله فريد بين ذيك الغنادير عليه قلبي يالسكيني يتلي تل الرشا من فوق حدب النواعير مشاعر رنانة طرية هشة باذخة خيلاء كمن يتذوق عسلا مقادير مقننة وقد ازداد تحسسه حلاوة وذابت ذاته رقة فكشفت مشاعره اشتياقا فأشرقت املا والتاعت هوى فذابت صبابة وتنادت انسانية فتحلت بالصبر فصار التصحر مروجا وسواقي جارية وسقطت المسافات بعدا فكان اللقاء مقرونا برؤية الحبيب حول واثناء جلب الماء من القليب (البئر) البئر هنا واسطة لتبرير غاية هي الوصول الى مشاهدة المحب المتواجد بحكم ضرورة تواصل الحياة وهنا يكتسب القليب قيمة مكانية مفعمة بمشاعر الود الانساني ذات علاقة ادبية مرموقة وذات البعد التاريخي المرتبط مكانياً بشعراء المعلقات السبع في الادب الجاهلي ولكونهم اخذوا من هذه الامكنة كمتنزه او حديقة شفاء بقيت معالمها تثير الذكريات العذاب وتحتفظ المخيلة بطيب لقاء جدرانها فهي عند طرفة بن العبد (برقة ثهمد) التي بقيت اثارها تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد: لخولة اطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد اذن هذه ليست زيارة عابرة من نوع مرور الكرام بل هي زيارة فيها قصدية متروك للمعجبين ان يشملها في عدستها صورا تأخذ مكانها لتنام على وسائد الهوى العذري.. الذات الزائرة تعاني عطشاً وحرماناً وتعاني كبتا وظمأً وحبا وولها وغراما ووجدانا تريد اشباعه تريد ارتواءه بعد ان استنفدت وسائل الصبر في كبح جماح العواطف ولا بد من زيارة الحبيب ولو في المكان الذي يتردد عليه سواء لحاجة او لغيرها.. لكن هذا الصبر المثالي غير الممكن عند الشاعر احمد رامي يوم قال على لسان المطربة ام كلثوم: اذا مر يوم من غير رؤياك ما ينحسبش من عمري ولان الشجن انواع يختلف من بيئة الى اخرى وقد قال الشاعر عمر الخيام في رباعياته المعروفة الذي يتذرع الى ربه متسائلا هل انه راض عن ضمئه والماء ينساب امامه: القلب قد اضناه عشق الجمال والصدر قد ضاق بما لا يقال يارب هل يرضيك هذا الضمأ والماء ينساب امامي زلال فان الحب هو احد القيم الانسانية التي تعطي للحياة طعمها ولونها ومذاقها فتتم المساهمة ببناء الحياة ويأتي الادب الشعبي خير معبر عن مكنونات الذات فهو الاكثر قدرة في تحميل الكلمات معانيها ودلالاتها حيث يبقى التفاعل الوجداني والحس الرومانسي ممزوجاً بالشجن البدوي. واعتماد الوفاء والاخوة والصداقة والقيم النبيلة العليا اساساً لبناء اخلاقي متين يؤثر حب الوطن وحب الناس على اية مصلحة فردية لا تمت لواقع الحياة بصلة وان تبقى المفارقة شاسعة بين الحب والبغضاء في قول ابي ماضي: احب فيغدو الكوخ لونا نيرا وابغض فيمسي الكون سجنا مظلماً يا للمفارقة الشاسعة جدا بين مساحة الكوخ التي سادت الكون كأنها منارة بقناديل الحب ويا لبؤس الكون الذي تغلفه البغضاء فيمسي سجيناً مظلماً يبقى الادب الشعبي لغة خطاب مباشر يستوعب المخاطب فحوى القول فيه ويبقى التعبير من لون الشاعر الشعبي مثل ماء عين صاف يتدفق متسارعا الى اعلى في تناغم ودي وترخيم ادبي يتحول احيانا الى حالة همس ووسوسة كأغصان زيتونة يداعبها ويعانقها نسيم عليل .. عبدالرحمن حسن الروضان - حفر الباطن