تستهوي وتجتذب الأودية والشعاب المتعددة في أراضي المملكة كثيرا من الأسر والشباب عند جريانها في مثل هذه الأيام من العام، حيث تشهد المملكة حالياً موسم هطول الأمطار وجريان السيول في العديد من الأودية والشعاب، إذ يقضي كثير من أفراد المجتمع جزءاً كبيراً من أوقاتهم بجوار مياهها المتدفقة والاستمتاع بجمال جريان خيرات السماء في بطون هذه الأودية والشعاب، بيد أنَّ ما قد يُعكِّر صفو هذا الجمال تلك التصرفات والمغامرات غير محسوبة العواقب، التي تصدر من قبل بعض المتهورين، حيث يحولون هذه الأماكن إلى ميادين لاستعراض بعض المهارات الخطيرة، وبالتالي فإنَّ هذه الأماكن الجميلة تحوّلت إلى مصائد ومواقع لغرق كثير من هؤلاء المتهورين. وتحتوي بعض المواقع على شبكة "الإنترنت" على آلاف الصور الثابتة والمتحركة، التي ترصد وتوثق جوانب من المغامرات والتحديات، إلى جانب التهور واستعراض القدرات البدنية والمهارات، وكذلك الدخول إلى بطون الأودية والأماكن التي غمرتها مياه الأمطار والسيول، حيث تشهد بعض الأودية سنوياً حوادث غرق جماعي لعدد من الأسر أو الأفراد، نتيجة لهذا التهور وعدم الوعي أو إدراك ما تشكله هذه الأماكن من مخاطر، في ظل عدم التزام البعض بالتوجيهات والإرشادات والتعليمات والتحذيرات الصادرة من الدفاع المدني، ويجب ألاَّ ننسى أنَّ هناك أيضاً من وقع ضحية في هذه الأماكن نتيجة الجهل بمجاري الأودية، في ظل عدم وجود لوحات تحذيرية وإرشادية. وادي الرّمة وقال "تركي بن إِبراهيم القِهيدان" -باحث في الآثار والجغرافيا- : "تكوّنت الشبكة الكبرى للأودية في المملكة العربية السعودية خلال الفترات المطيرة، وتحتوي أراضي المملكة على العديد من الأودية، ومن أهمها وادي الرمة وامتداده في وادي الباطن"، موضحاً أنَّ أراضي القصيم -كغيرها من أراضي وطننا الغالي- تنتشر عليها مجموعة كبيرة من الأودية والشعاب، مُشيراً إلى أنَّ وادي الرّمة بروافده الكثيرة، يُعدّ من أكبر أودية الجزيرة العربية، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق. وبيَّن أنَّ طول هذا الوادي ومروره بعدد من المناطق والتجمعات البشرية، جعل جريانه يُمثِّل حدثاً سعيداً للكثيرين، خاصةً من تستهويهم الرحلات البرية، وهم كثر في التجمعات السكانية التي يمر بها هذا الوادي الكبير والطويل. طبيعة ساحرة وأشار "منصور المشيقح" –إعلامي، وهاوٍ للرحلات البرية- إلى أنَّ جريان الأودية والشعاب وامتلاء السدود نتيجة الأمطار والسيول وخيرات السماء وبركاتها، عوامل جذب قوية لهواة الرحلات البرية، ولنسبة كبيرة من السكان في المملكة بشكلٍ عام، خاصةً في مثل هذه الأيام الشتوية والممطرة، موضحاً أنَّ العديد من أفراد المجتمع السعودي يعشقون البراري ويستمتعون بسياحة الصحراء طوال أيام العام، لافتاً إلى أنَّ الإقبال على التجوال يزداد في أيام السيول والأمطار، خاصةً إذا صادفت إجازة نهاية الأسبوع. وأكَّد على أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمتنوعة أسهمت في دعم هواة التنزه بجوار الأودية هذه الأيام بأخبار السيول والأمطار وبصور جريان الأودية استبشاراً بها ودعوةً لزيارتها، مُضيفاً أنَّ هذه المواقع تسر النظر وتبعث في النفس الهدوء والارتياح للمتنزهين، مشيراً إلى أنَّه أحد الذين تستهويهم الأودية وتجذبه في رحلاته البرية لطبيعتها الساحرة، مؤكداً على حرصه على التقيّد بقواعد السلامة وابتعاده عن مواطن الأخطار، التي قد تعرض حياته وحياة من بصحبته للخطر. وحذَّر من خطورة بعض الأودية والشعاب ومجاري السيول، موضحاً أنَّها تكمن في عدم وجود علامات أرضية تدل عليها أو على جريانها في بعض الأماكن، إلى جانب الطبيعة الطينية لهذه الأودية، ممَّا يساعد على الانزلاق فيها، مُبيِّناً أنَّها أمور يجب التنبّه لها وتجنّب خطرها بالابتعاد النهائي عنها. لوحات إرشادية فيما أشار "القهيدان" لجوانبٍ أخرى من الأمور، التي ترفع من خطورة الأودية على الإنسان، ومنها الغرق المباشر فيها نتيجة التهور، إلى جانب وجود بعض المساكن وبعض الجهات الحكومية في مجاري الأودية أو بالقرب منها، وكذلك عدم وجود لوحات إرشادية وتوعوية توضح مجاري الأودية والشعاب وتُشير إلى خطورتها على من يسلك مجاريها، خاصةً عند تقاطع هذه الأودية مع الطرق السريعة والرئيسة، وفي أماكن التجمعات البشرية. مياه ملوثّة ولفت "القهيدان" إلى أنَّ مياه بعض الأودية ملوثة بمياه الصرف الصحي، التي تصب فيها؛ ممَّا يؤثر صحياً على المتنزهين أثناء السباحة فيها أو ملامسة هذه المياه أو الاقتراب منها، موضحاً أنَّ وادي الرّمة –مثلاً- يحتضن مصباً للصرف الصحي وبحيرة لمجاري مدينة "بريدة"، مُشيراً إلى أنَّ بعض العمالة المقيمة تستغل جريان الأودية وتمارس اصطياد الأسماك، التي تحويها مياه الوادي، وقد تتاجر فيها، وأحياناً لا يُعلم أين يذهبون بها؟، داعياً الجهات المعنية إلى التدخّل، من أجل تفادي الخطورة الصحية على المستهلكين في حالة تسرب هذه الأسماك إلى موائدهم. ودعا إلى وضع لوحات إرشادية لتنبيه المتنزهين بأنَّ هذه المياه غير صالحة للسباحة أو الشرب، مطالباً "هيئة السياحة والآثار" بحماية المواقع الأثرية، التي قد تمر فيها هذه الأودية من نحت هذه الأودية ومنع من يمارس عملية اصطياد الأسماك الموجودة في مياه هذه الأودية وهو لا يعلم شيئاً عن حالتها الصحية، مُشدداً على أهمية دعم الطرق بالجسور؛ تجنباً لغمر مياه الأمطار للطرق، وذلك كما حدث بطريق "القصيم – حائل" السريع، الذي طمرته مياه السيول في العام الماضي، مع أنَّه طريق سريع وجديد. وأوضح أنَّ بعض الطرق الثانوية أو الزراعية بحاجة ماسّة إلى "عبَّارات"؛ لحماية سالكي هذه الطرق، مستشهداً بالطريق بين "الصَّريف" و"الركيِّة" بالقصيم، مؤكداً على أنَّ الدفاع المدني ووزارة التربية والتعليم تؤدي أدواراً مهمة في مجال التوعية، ومع ذلك فهي لا تكفي، مُشيراً إلى أنَّه كلَّما كانت التوعية مربوطة بحملات كبيرة تخاطب الطفل والأب والأم والمجتمع بكل فئاته وشرائحه، كلَّما كان دورها أكبر تأثيراً، مُشدّداً على أهمية أن يدرك الجميع أنَّهم رجال دفاع مدني، بشرط ألاَّ يؤدون المهام التي ليست من مسؤولياتهم، أو ليست موكلة لهم، بل يجب أن يتمثل دورهم بالتوعية والتثقيف فقط. حوادث الغرق وحذَّر "عقيد.عبدالعزيز بن محمد العضاض" -مدير إدارة الدفاع المدني بمدينة بريدة- من خطورة الأودية والشعاب الناشئة عن الأمطار والسيول داخل أو خارج المدن والقرى أو ما يمتد داخلها، مُشيراً إلى أنَّ خطورتها تُعدّ من أسوأ المخاطر، التي لا تحمد عقباها، مبيناً أنَّ أبرزها حوادث الغرق بسبب قلة الوعي أو نتيجة عدم الاكتراث والتهاون بها أو العبث والتهور بالدخول للأودية والشعاب وتعريض الأنفس للخطر بتجاهل التحذيرات والرسائل التي يوجهها الدفاع المدني. وبيّن أنَّ البعض لا يدركون خطورة تصرفاتهم ويتمادون في ذلك غير آبهين بالتحذيرات والنداءات، موضحاً أنَّ الدفاع المدني عدَّد مجالات التوعية في هذا الشأن، فهناك برامج مُعدّة للدوائر الحكومية والخاصة والمدارس والجامعات والمستشفيات والفنادق والشقق والشركات، لبناء منهجية التوعية، إلى جانب وجود المحاضرات والنشرات التوعوية والزيارات الميدانية، لتوضيح أسباب وقوع الحوادث والعوامل التي ساهمت في وقوعها، مُشدّداً على أهمية دور المواطن والمقيم في تلافي مثل هذه الأخطاء. إجراءات وقائية وأضاف "عقيد.العضاض" أنَّ الدفاع المدني حرص على مخاطبة كل عناصر المجتمع وفئاته، من خلال الرسوم ووسائل الإيضاح والأعمال الفنية، التي تؤدي إلى فهم المقصود ووصول الرسالة إلى أهدافها، مُتمنياً وقوف جميع الجهات الحكومية والجهات الخاصة ونشر الوعي والثقافة العامة في هذا المجال عبر وسائل الاتصال المسموعة والمرئية والمقروءة، داعياً الجهات المختصة لدراسة تضاريس كل مدينة أو محافظة أو مركز وإيضاح مجاري الأودية والشعاب فيها، والتنبؤ بالمخاطر، التي قد تحدث في حال زيادة منسوب الأمطار وحدوث جريانها، واتخاذ كافة السبل والإجراءات الوقائية في الأماكن، التي يرون أنَّها خطرة. ودعا الله –عزَّ وجل- ان يحفظ الجميع من كل مكروه، مُشدِّداً على أهمية المشاركة المجتمعية بالوعي، وأن يكونوا عوناً للدفاع المدني وجهات الإنقاذ والإسعاف بتجنيب أنفسهم وغيرهم المخاطر قبل وقوعها. إهمال الآباء وعدم مبالاتهم عوامل تساهم في غرق أبنائهم عدم الالتزام بالتوجيهات الصادرة من الدفاع المدني كانت سبباً في غرق البعض تركي القهيدان منصور المشيقح عقيد.عبدالعزيز العضاض