هذا السؤال قد يبدو غريباً لدى البعض ولكنه سؤال فرضته دلالات محادثة طويلة مع شقيق عربي في عاصمة بلاده. يقول شقيقنا العربي مستعيداً ذكرياته إنه عاش في مدينة الرياض قرابة أربعة عشر عاماً هي أجمل سنوات عمره وفيها ولدت ابنته الأولى. ومع تتابع الحوار لاحظت تحسّر الشقيق العربي على عدم اهتمامه وربما فشله في تكوين صداقات عميقة مع زملائه السعوديين على الرغم أنه كان يعمل أكاديمياً في جامعة مرموقة. وباغته بسؤال عن طبيعة علاقته بزملائه السعوديين وهل زار أحدهم في منزله أو حصل أن استقبل سعودياً في داره فرد بسرعة: هل تصدّق أن هذا لم يحصل أبداً. تركت صاحبي وتأملت في علاقاتي ومن حولي فوجدت أن أغلب علاقاتنا مع الآخرين وخاصة أشقاءنا في اللغة والدين ممن قدموا للإسهام في التنمية الشاملة لا تتعدى المجاملات الروتينية والصور المقولبة وأننا لا نهتم كثيراً بدعوة من جمعتنا بهم ظروف العمل وربما الجيرة لمنازلنا وأنشطتنا الاجتماعية. ولعل قائلاً يقول إن طبيعة الحياة وتشابك ارتباطاتنا الاجتماعية وانشغالنا فيما بيننا بنسق علاقات معقّدة جعل هذه المواضيع في آخر سلّم الأولويات لدينا. ولكن هذا التبرير وغيره لا يعفينا من سؤال إنساني أخلاقي عن طبيعة نظرتنا للآخر ومساحة الترحيب به ضيفاً في دوائرنا ومجالسنا. كيف يمكن تبرير غياب العامل الإنساني في علاقتنا بهؤلاء الضيوف الذين هم بيننا من المهد أطباء حتى اللحد وهم يدفنون موتانا معنا. هل نحتاج إلى مراجعة مكونات ثقافة سلبية جعلت بعضنا مثلاً يمارس سلوكاً عجيباً لا يمكن تفسيره على طبقة العمال والمستخدمين الذين هم شريان الحركة اليومية في كل تفاصيل حياتنا. ويكفي للتدليل على هذه القضية المؤلمة أن أكثرنا لا يكلف نفسه معرفة الاسم الأول لعامل النظافة في مسجده ومكتبه مكتفياً بالنداء القاتل "صديق" وإن أراد اسماً فأقرب اسم هو أن يناديه: "يا محمد" حتى لو كان من ملّة أخرى. كيف أصبح هذا الإنسان هامشياً غير مرئي بيننا وهو يسير في حياتنا ويقدم لنا خدماته بلا اسم أو كنية يحبها. وأعجب من هذا أقول انني شهدت بعيني في أكثر من مسجد ومصلى في إدارات حكومية منظر عمال هذه الإدارة المسلمين وهم يتراجعون عن الصف الأول من المصلى مع إقامة الصلاة لإتاحة الفرصة للشباب السعوديين ليحلوا محلهم وهم الذين أتوا بعدهم. هل ما نمارسه كلنا أو بعضنا من سلوك مع من دفعتهم ظروفهم وظروفنا يليق بنا وبهم؟ كيف نربّي الحسّ الإنساني والواجب الشرعي في أطفالنا وهم يراقبون تعالينا أو تجاهلنا لأبسط حقوق هؤلاء البشر العاملين معنا في المنزل والمتجر والشارع؟ وحتى تستكمل الصورة أمامك تأمل كبار السن من آبائنا الذين لم تتلوّث قيمهم الإنسانية وهم يمازحون ويشاركون البسطاء والعمال الأكل والمرح والهموم. وحتى نستعيد بعض إنسانيتنا علينا أن نتوقّف ونتأمل هل سلوكنا وعلاقاتنا مع من نسميهم "الأجانب" تدخل في باب الإنسانية والرحمة أم أن بيننا من لا زال يرى هذا السؤال وغيره بعين السخرية والاستعلاء؟ قال ومضى: أصعب الأسئلة تلك التي نعرف يقينا جوابها. لمراسلة الكاتب: [email protected]