بعد تقديم ثلاثة ألبومات تتشابه في مواضيعها وأفكارها، وبعد أن تجاوز معظم أعضاء فرقة الهيب الهوب الأمريكية بيستي بويز عشرينياتهم الصارخة ودخلوا الثلاثينات بهدوئها ونضجها إن صح التعبير، لم يعد الشباب الذين عرفوا بفوضويتهم ومعارضتهم المثيرة للجدل في حاجة لإثبات أي أمر، لقد أصبح الأمر مناسباً لتقديم ألبوم ينظم البيت من الداخل، ويدفع الفرقة لموجة جديدة من الناحية الفنية وكذلك من الناحية الاجتماعية فيما يتعلق بحيواتهم. "تخريب" هي الأغنية المنفردة الأولى من ألبوم "اتصال مريض – Ill Communication"، والتي صدرت قبله بعدة أسابيع، رغم كونها آخر أغنية تستكمل، لتصدر ضمن الألبوم الذي جاءت في المسار السادس منه. تفتتح الأغنية بنقرة واحدة عالية على الطبول، ثم إيقاع حاد من الجيتار المساعد (بيس) في نوتة جي رئيسية، مع مداخلة من الجيتار الرئيسي الذي يأتي حارقاً ليفتتح الغناء. ومن خلال الاستمرار الغالب للجيتار في المقاطع الرئيسية في الأغنية يأتي النقر الثنائي على الطبول لكي يحاول موازنة الإيقاع دون تدخل رئيسي لضبط الغناء، والذي يبدأ سريعاً في كلمات يرتفع إيقاعها في شكل حاد بأسلوب الهيب هوب، ومن هنا تكسب الأغنية أهميتها في التداخل بين نوعين من أصناف الموسيقى وتفريعاتهما، أي الروك والراب. يتوقف الإيقاع ليقطع الأغنية بهدوء، ثم يعود الجيتار المساعد لحمل الأغنية في عزف منفرد تاريخي -مصنف ضمن الأفضل في التاريخ-، إلى الصرخة الشهيرة فيها والتي تعتبر توقيع الاعتراض الخالد فيها. نعود فيما بعد للإيقاع السابق الذي تنتهي عليه الأغنية بأسلوب التلاشي المعروف. تمتاز الأغنية فوق إيقاعها الحارق بالاستخدام المبكر والمميز لجهاز الدي جي ميكس مع القرص الدوار المرافق والذي يتم التلاعب به لخلق نغمة ذات صوت قاطع يكرر ويعيد مقطعاً بعينه. كلمات القصيدة الغنائية تدور حول الاحتجاج، وعدم القدرة على الاستمرار مع كل هذا الانتهاك الفاضح الذي يتعرض له الناس في خصوصيتهم، وبالذات الفنانون، حيث تحمل كلمات الأغنية تساؤلاً عميقاً وصارخاً عن السبب الذي يجعلهم يتعرضون لهذا النوع من الابتزاز، ابتزاز مخطط له ومعد يسميه "إي دي روك" المغني الرئيسي بالفرقة باسم "ووترجيت" جديدة، لأن كرة الكريستال ليست كريستالاً صافياً كما يقول، القرن المغروز في جانبه يذكره بأنه ليس حراً، وهو يخبر الجميع بأن هذا تخريب متعمد. "أي دي" يؤكد بأن لا أحد لديه القدرة على إسكاته، إنه ليس راغباً بالبقاء هنا على أي حال، وعليه فإنه سيستمر بالحديث عن هذا الأمر مرة تلو الأخرى. في نسخة الفيديو المصورة عن الأغنية والتي أخرجها المخرج الأمريكي المعروف سبايك جونز، الذي أعجبته فكرة محاكاة الشرطة الأمريكية التي اقترحتها عليه الفرقة لتنفيذها، لكن الفيديو ذهب أبعد من ذلك، ليكون عبارة عن محاكاة ساخرة لمحققين من الشرطة على نمط مسلسلات السبعينات مثل "هاواي فايف أو"، "تشبز"، "سوات"، "باريتا"، "شوارع سان فرانسيسكو" وعلى رأسها كلها مسلسل "ستارسكي وهتش" الشهير. الفيديو يعرض الأعضاء الثلاثة من فرقة بيستي بويز، وهم بشوارب كثيفة ونظارات سوداء، يجرون فوق المباني ويقفزون فوق السيارات ويطاردون المجرمين ويلقون القبض عليهم بأسلوب رعاة البقر الذين لا يهابون شيئاً. تم عرض الفيديو بشكل مكثف في قنوات الأغاني وعلى رأسها إم تي في التي منحته جوائز عام 1994م، لكن الفيديو تعرض للرقابة في العرض التلفزيوني لأن هناك مشاهد دفع مجرمين من السيارة وهي تسير، وكذلك مشهد لمحاولة طعن، ورمي من فوق جسر وضرب للمتهمين في غرف التحقيق، كما أن هناك نسخة يتم فيها إضافة مقطع في البداية والنهاية، نرى فيه المحققين يتحدثون في مقابلة شخصية عن أنفسهم، مع مذيعة نعرف لاحقاً أنها صوفيا كوبولا التي ستصبح زوجة سبايك جونز فيما بعد حتى عام 2003م. تم إعادة توزيع الأغنية وتسجيلها من قبل العديد مثل فرقة الروك البديل "لينكن بارك" والذين دمجوها في عمل آخر لهم، كما عرضت في أعمال تلفزيونية مثل المسلسل الرسومي "فيوتشراما" والفيلم الحادي عشر من سلسلة أفلام "ستار ترك"، الذي قام بإخراجه الأمريكي جي. جي. أبرامز عام 2009م، بعد مرور خمسة عشر عاماً منذ صدورها الصاخب وقتها.