تكثر القصص التي نعيشها من حولنا عن من يبقون إخوة متكاتفين أيام العزاء، وفي لحظات ينقلب ودهم وتكاتفهم إلى صراعات وعداء، تمتد مشاكلهم المزمنة لتظهر للعامة، وقد تصل إلى المحاكم، فلا شفاعة لمسكن ولا زاد، خصوصاً وأنّ كل ذلك قد يكون بسبب أمور حياتية ومالية محسومة، لا تدعوهم للاختلاف والتفرقة، فكيف بجعلها سبباً للقطيعة وللضغينة وتوريثها لأبنائهم؟، غافلين عن حاجة بعضهم لبعض في ظروف الحياة المتقلبة ومشكلاتها المتعددة. هناك من يرى أنّ الأخوة رباط عميق وكبير ليس من الواجب أن ينقطع لأي سبب، بل إنّه الرابط المتين الذي يربط الأسر ببعضها، فالأخوة لا بد أن تحمل معنى السند الحقيقي في الحياة، وأنها حينما تخرج من ذلك المفهوم، فإنها تصبح شيء آخر، في حين يجزم الكثيرون أنّ الإخوة قد ينقطعوا ويتباغضوا إذا دخل بينهم "سوء النيّات"، وحينما يتصرف بعضهم بأنانية. شكليات ورسميات وبيّن "خالد العبودي" أنّه أحياناً حتى الحب والتعاون الذي يظهره الإخوة في وقت العزاء يكون شكلياً ورسمياً، وكأنّه "بروتوكول" خاص مفروض على الجميع وعليهم التقيد به، أو تقاليد وأعراف لا يجوز انتهاكها، وبانتهائه ينتهي الواجب، ليلتفت كلٌ منهم إلى نفسه، ويبدأ في الأسئلة عن حاله وموقعه من الإعراب: ما نصيبه؟، وعن ماله وما عليه، ماذا سيباع من إرث المتوفى؟ وماذا سيشتري؟، وغير ذلك من الأمور المالية. قطيعة رحم وذكرت "عهود الهبدان" أنّ البعض يعجبك ترابطهم أيام المحنة ووقت العزاء، ويتملكك العجب حين تسمع عن تشتتهم ما بعد العزاء، وكثرة خلافاتهم، موضحةً أنّ بعض الأباء قد يقترف ذنباً عندما يفرق بين أبنائه في حياته، وهو الذي يولّد الحقد أو الكراهية، وكل واحد منهم قد خبأ هذه المشاعر، وبمجرد وفاة الوالدين أو أحدهما تطفو وتظهر آثار هذه التفرقة، بعد أن تمكن منهم الحقد، والغيرة، وحب الذات والتملك، فيسهل عليهم التفرقة والقطيعة، فلا يحب كل واحد منهم لإخوته ما يحب لنفسه. فيما أوضح "أبو وليد" أنّ بعض الإخوة وبعد أن ينتهي العزاء بأيام قلائل وتهدأ مواساة المعزين تظهر الصراعات فيما بينهم، من أجل الحصول على أكبر قدر من المال أو الأملاك، فيكون الميراث هو محور تفكيرهم وتخيلاتهم، لتكون نهاية هذه الخلافات هي قطيعة الرحم. محاكم وقضاة وأكّد "خالد السليم" على أنّه لا بد من ورود المشكلات بين الإخوة، ولكن المشاكل البسيطة التي تخلق لها الحلول في حينها ولا تتعدى سويعات أو أيام قلائل، أما ما يحدث من شقاق واختلاف يودي إلى فرقة مؤقتة أو دائمة فتلك مصيبة وذنب، متسائلاً: لماذا ينسى الأشقاء طفولتهم البريئة وصباهم وقربهم من بعضهم في تلك الفترة وأياماً قضوها معاً حلوة أو مرة؟، وذلك قبل أن يفكر أي واحد منهم بأذية أخيه، ويتسبب له بمشاكل منتهية بالمحاكم والجلوس أمام القضاة. ما أن ينتهي العزاء حتى يجر الإخوة بعضهم للمحاكم لم الشمل وتمنى" أحمد الداود" أنّه لو فكر الإخوة كيف سيتم اجتماعهم الأسبوعي أو الشهري مثلاً إن كانوا في مناطق بعيدة، وكان جل اهتمامهم كيف سيلتم شملهم بعد وفاة والديهم؟، وكيف سيلتقي أبناؤهم؟، وحرصوا على ذلك وهو الشيء المهم، لما وجدوا ثغرات توصلهم إلى مشاكل جمة قد يختلقونها من لا شيء. أيدي خفية ورأت "منوه الغنام" أن يكون لكل عائلة كبير، يعمل على التقارب وحل الخلافات، يكون منصفاً، متديناً، حليماً، ومحبوباً، وذو رأي سديد، كالجد أو الخال وغيرهم، حيث يجب أن يحاول كل منهم حل النزاع بهدوء تام؛ كي لا تتصعد المشكلات. واعتبر "عبدالله السالم" أنّه يبقى هناك أيدٍ خفية لها دوراً كبير في دس السم بين الإخوة أو أحدهم، ونقل الأفكار الشيطانية إليهم، والبعض يقدم مشورته، من أجل تقديم المنفعة وبنوايا حسنة، ولكنه يغفل عن النتائج وما ستؤول إليه من دمار للرابطة التي تجمع الأسرة لتخف أو تنقطع. اعتقاد الحرية ونصحت "منال الخلف" -أخصائية اجتماعية- الأسرة بعدم نقل ما يدور بينهم من مواقف أو مشاكل عابرة أو ضخمة متفرعة لأبنائهم، وخاصةً الأطفال، لضمان بقاء الأسرة على قلب واحد، وتوفير التربة الصالحة لجميع الأبناء والتي تنمو فيها أجمل المشاعر، ولا يمكن لصديق أو قريب أو زوج أو مال أن يكون له يد في إفسادها، وأن يلتمس كلاً منهم العذر لأخوته، ويكون سباقاً لكل بذرة خير يزرعها بينهم، متمنيةً أن لا يدع الزوج لزوجته مجالاً في التدخل بينه وبين إخوته، إلاّ إذا كان يثق برجاحة فكرها ومقاصدها الخيرة، فبعض الزوجات أو الأخوات تدفع زوجها أو أخاها إلى ارتكاب أفعال يكرهها أو يرفضها إخوته أو قد تثير مشاكل هم في غنى عنها وخاصة في النواحي المالية بقصد أو بدون قصد، فستكون المسؤولة عن تفكك الأسرة، إلى جانب الذنب الذي ستحاسب عليه وقد تحمله وتبعاته طوال حياتها. وأضافت أنّه بعض الأخوة ما إن تنتهي مراسم العزاء وتخف وطأة الحزن حتى يبدأ الاختلاف والخلاف بينهم، ويدخلوا أنفسهم بمشاكل لا تعد ولا تحصى، وأكثر ما يرد إليه الخصام "مسألة الإرث"، والتي حسمها الدين، لافتةً إلى أنّ مبدأ الشراكة قد يسهم في الكثير من الأحيان إلى خسارة العلاقات، وتنتهي بالمشاكل والفرقة والمحاكم بشكل سريع جداً، فحين المحاسبة فيما بينهم، تتولد أمور لم يحسبوا لها حساباً، فتنشرخ العلاقة بينهم، وتنشأ العداوة، ولا أحد يستطيع رأب الصدع، وتتطور إلى ماهو أبعد من ذلك، فتتسع دائرة العداء، ويرثه الأبناء، مبيّنةً أنّه أحياناً يسهل على الإخوة "الزعل" والاختلاف؛ لأنّهم قد وضعوا في حسبانهم أن الأب قد مات، أو أن والديهم وهم من يحسبون لهم حساباً قد فارقوا الحياة، ويظنون أنّ هذا باباً من أبواب الحرية؛ لذا على الأبناء اتباع خطوات أبائهم الحسنة، وعلى الأخ الأكبر احتواء المشكلات والمحافظة على الأسرة من التصدعات، وأن يسعى إلى أن يكون لهم أباً يجمعهم ويتفقد أحوالهم. تبادل الاتهامات ولفتت "نجود اليحيى" -معلمة تربية إسلامية- إلى أنّ العزاء هو فترة لتقارب الأرواح قبل الأجساد، تتحد فيه مشاعر القريب والبعيد مع الأخوة وبقية الأسرة، يكثر فيها حضور كبار السن، وغيرهم ممن يمتلك رجاحة العقل والحكمة، موضحةً أنّه رغم ما يدور في تلك المجالس من مواعظ ونصائح خير للإخوة تحث على التقارب والتلاحم فيما بينهم، إلاّ أنّ البعض بمجرد انتهاء العزاء يسعون إلى الخلاف، ويتصيدون أخطاء إخوتهم، إلى جانب تبادل الاتهامات، غافلين عن حاجة بعضهم لبعض، وأن أحوال الدنيا متقلبة، مشددةً على حتمية حاجة أحدهم إلى الآخر، فظروف الحياة لا يعلمها سوى الله، وعندها قد لا يجد من إخوته من يمد إليه يد العون.