من المؤكد أن حركة التضامن الواسعة والمتعددة، التي عبر عنها الشعب السعودي بكل فئاته وأطيافه وشرائحه، مع ضحايا الجريمة الإرهابية التي حدثت في قرية الدالوة بمنطقة الأحساء، عكست حجم وقدرة السعوديين جميعاً على التسامي على الاختلافات والتباينات والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب بكل صوره وأشكاله. وعكست حركة التضامن الواسعة، مدى حرص الكثير من أبناء الشعب السعودي، على تجاوز كل التباينات والحفاظ على عيشهم المشترك وسلمهم الأهلي. لأن الجميع يدرك أن نقل الفوضى وحالة الاحتراب المذهبي التي تجري في أكثر من دولة عربية، يعد كارثة وطنية. لذلك فإن التضامن الواسع، شكل موقفاً أخلاقياً ووطنياً ضد أية محاولة لنقل الفوضى الإقليمية إلى وطننا العزيز. لا شك أن جريمة الدالوة، أبانت عن الكثير من الحقائق، وان الإيجابية التي عبرت عنها أطياف المجتمع في التعامل مع هذه الحادثة، تحملنا مسؤولية مواصلة طريق حماية وطننا من مخاطر الإرهاب، وبناء حقائق الوحدة الوطنية المرفودة دائماً من روافد حقائق التنوع الذي يحفل بها ويحتضنها المجتمع السعودي كما أن التضامن الواسع الذي عبرت عنه فعاليات المجتمع السعودي، تؤكد أن الإرهاب لا دين له، ولا مذهب له. وإن الفعل الإرهابي لا يتحمل مسؤوليته المباشرة إلا الفاعل والمحرض على الممارسة الإرهابية. لذلك تمكن السعوديون بهذا الخطاب المتسامي على الجراح والصعوبات البينية من عدم ربط الفعل الإرهابي، بأية جهة اجتماعية أو دينية في المملكة. لأن جميع الشعب السعودي تضرر من العمليات الإرهابية. وإن الإرهابي الذي ينتمي إلى وطننا ومجتمعنا، لا يمثل إلا نفسه ولا يتحمل وزره إلا المحرض والمغذي إليه. وفي تقديرنا ووفق المعطيات القائمة أن الشعب السعودي بكل فئاته ومن خلال حركة التضامن الواسعة التي قام بها مع ضحايا الإرهاب في الأحساء أفشل مخططات وأهداف العملية الإرهابية التي كانت تستهدف إدخال وطننا في شكل من أشكال الفوضى والاحتراب الطائفي. وقدم الجميع في هذا الإطار صورة إيجابية، لا يمتلك الإنسان الواعي والمحب إلى وطنه إلا الإشادة بها، والتعبير عن آيات الشكر والتقدير لكل من ساهم بتجنيب وطننا احتمالات السقوط في مستنقع العنف والإرهاب. فصورة الوطن من الجهات الرسمية إلى الجهات الأهلية، وهي تتضامن وتعبر عن رفضها للإرهاب الذي استهدف الأبرياء في الأحساء، كانت رائعة ونتطلع إلى أن تستمر هذه الصورة ويتجاوز مجتمعنا السعودي بكل فئاته وشرائحه كل المشاكل والأزمات والمخططات التي تستهدف إدامة الفرقة والتشظي بين أبناء المجتمع والوطن الواحد. وإننا كسعوديين تمكنا من البلاء الحسن في مرحلة الجهاد الأصغر، حيث التضامن والتعبير عن أقصى آيات الرفض للمجموعات الإرهابية وأفعالها الشنيعة. وإن المهمة الملقاة على عاتقنا كسعوديين بعد الجريمة النكراء، أكثر أهمية وصعوبة في آن واحد. لأننا مطالبون للانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، الذي يتجلى في تحسين نظام العيش المشترك وتطوير حقائق الوحدة والتسامح في وطننا. وذلك لأننا نعتقد وبعمق أن نجاحنا في مرحلة الجهاد الأكبر، هي التي ستجنب وطننا احتمالات تكرار للعمليات الإرهابية التي استهدفت منطقة الأحساء. من هنا ومن أجل حماية مجتمعنا ووطنا وننجح كسعوديين في مرحلة الجهاد الأكبر أن نؤكد على النقاط التالية: 1 ضرورة تنقية فضائنا الوطني والاجتماعي من كل عمليات التحريض والتعبئة الطائفية. ونحن كأبناء وطن واحد، نعيش في ظل أوضاع إقليمية صعبة، ومليئة بكل ظواهر التعبئة الطائفية والاحتراب المذهبي. وإننا نتطلع إلى أن تخلو كل الساحات العربية والإسلامية من كل أشكال التحريض والتعبئة المذهبية، ولكننا اليوم لا نمتلك القدرة الفعلية لتنقية كل أجواء المسلمين من عمليات التحريض والتعبئة. ولكننا كأبناء وطن واحد، نمتلك القدرة إذا أردنا أن نجنب وطننا كل عمليات التحريض والتعبئة. وإن مهمتنا الأساسية اليوم والتي تتطلب من الجميع أن يقوم بدوره على هذا الصعيد، هي طرد كل عناصر التحريض الطائفي من بيئتنا، وذلك حتى لا نسمح في محيطنا الوطني أن تنمو جراثيم العنف والإرهاب. وإن عملية تنقية محيطنا الوطني من كل أشكال التحريض والتعبئة الطائفية، تتطلب الالتفات إلى العناصر التالية: ضرورة الإسراع في سن منظومة قانونية متكاملة، تجرم أية ممارسة تفرق بين المواطنين على أساس طائفي أو قبلي أو مناطقي، رفض كل أشكال بث الكراهية المذهبية والمناطقية والقبلية والمذهبية بين المواطنين، تحييد العقائد المذهبية من أي خلاف سياسي يحدث في الساحات العربية والإسلامية؛ لأن استدعاء العقائد المذهبية حين الصراعات السياسية، هو الذي يفتح الباب واسعاً أمام عمليات التحريض والتعبئة الطائفية والمذهبية، بناء مؤسسة وطنية متكاملة، تعنى بمكافحة كل أشكال التفرقة بين المواطنين. أحسب أن هذه العناصر تساهم بشكل فعلي في تنقية أجوائنا الوطنية من كل أشكال التحريض الطائفي والتعبئة المذهبية. 2 العمل على خطاب ديني جديد ذي خصائص وطنية، يأخذ على عاتقه تطوير الوعي والفهم الديني تجاه حقائق الاختلاف والتنوع السائدة في المجتمعات الإنسانية. لأن الخطابات الدينية التي لا ترى إلا فهمها وتفسيرها لقيم الدين، ليست قادرة على حماية مجتمعنا من نزعات العنف والإرهاب. لأن التفسير الأحادي والذي يرفض ما عداه من أفهام وتفسيرات، لا يسمح للسعوديين جميعا من الاستفادة من خيرات وبركات التنوع والتعدد في فهم القيم والمبادئ الدينية. وما أحوجنا اليوم كمجتمع سعودي، إلى خطاب ديني متجدد، لا يتجاوز الجذور ويعمل على إثراء الواقع الاجتماعي بتفسيرات ومعطيات دينية جديدة، قادرة على مواكبة مستجدات وتحولات المجتمع السعودي. وكليات الدين وثوابته الكبرى، قادرة، إذا استنطقناها بشكل صحيح، أن تقدم أفهاماً وتفسيرات جديدة، نتمكن من خلالها من الاستجابة الواعية للكثير من التحديات التي تواجه المجتمع السعودي اليوم. ويبدو أن تجديد الخطاب الديني، واقترابه منهجياً وفكرياً من أسئلة التعدد والتنوع، والعمل على تقديم إجابات عميقة على هذه الأسئلة، سيساهم في معالجة بعض الالتباسات والإشكاليات التي تشغل بال السعوديين وبالذات فيما يتعلق بقضايا التنوع المذهبي والاجتماعي. وجماع القول : لا شك أن جريمة الدالوة، أبانت عن الكثير من الحقائق، وإن الإيجابية التي عبرت عنها أطياف المجتمع في التعامل مع هذه الحادثة، تحملنا مسؤولية مواصلة طريق حماية وطننا من مخاطر الإرهاب، وبناء حقائق الوحدة الوطنية المرفودة دائماً من روافد حقائق التنوع الذي يحفل بها ويحتضنها المجتمع السعودي. وإنه كلما تقدمنا خطوات في مشروع الاندماج الوطني، ساهمنا بشكل فعال في وأد كل أفكار التطرف ونزعات الإرهاب. لمراسلة الكاتب: [email protected]