مِن أوضح الشعر في توضيح اختلاج مشاعر المرأة ماأبدعته (جليلة رضا) حين التقت بحبيبٍ هاجر دخل مكاناً عاماً وهي موجودة فلم يُسلِّم عليها ولم تسلم عليه، رغم أنها لا زالت تحبه أعنف الحب، ولكنها غاضبة منه أشد الغضب،فصورت مسرح اللقاء ومسرى العواصف العاطفية في داخلها وهي في هذا الموقف الصعب : أيُّ المشاعرِ في الدماء تدفَّقتْ حين التقينا بعدَ هَجْرٍ مُؤْلم وَأَبى السلامَ.. أبيتُهُ من قَبْل أنْ يدنو يَمُرُّ عليَّ غيرَ مُسَلِّمِ وكذا تَشَابَهَ في الخصام شُعورُنا كالأمسِ في وَصْلٍ وحبّ مُفعَمِ أعطيتُهُ ظهري وكم مَلَكَ الذي في الصدرِ من قلبٍ توهَّجَ بالدمِ ووقفتُ صامتةً أُحَرِّكُ في يدي مفتاحَ بيتي أو أَساورَ مِعْصَمي وخَشِيتُ أن أَرنو إليه.. وطالما أغرقتُ عيني في سناه المُظْلِمِ ورجعتُ حتى لو تلمَّس إصبعي لَهَويْتُ فوقَ الأرض كالمتُحطِّمِ كم أُمنياتٍ ردَّدتْ في خاطري لو أنَّني حقَّقْتُها لم أَسْلَمِ فلو استطعتُ على الخدودِ صَفَعْتهُ ثم انثنيتُ بُقبلتينِ على الفمِ ولو استطعتُ سخرتُ منه شتمتُهُ وبكيتُ فوقَ خَطَاهُ كالمُتَندِّمِ يا أنت لا تغترَّ لستُ ملومةً أَهواكَ حُبَّ الأمِ لابنٍ مجرم! ويصور لنا الشاعر المبدع (صالح جلال) اختلاج المشاعر بين عاشق يضحي ويفدي ويعاني وحبيبه لا تهتم ولا تقدر ولا تبالي ..يصور ذلك باللهجة الحجازية الحلوة : روح احمد الله وبس .. زيي انا ماتلاقي سهران كأني العسس .. واشكي عليك مالاقي وذي مدامع عيوني .. وذا سهادي وظنوني يشكي بغيرتي وشجوني .. ذا حبي نحوك شعور .. اعمق بعمق البحور اطول بمد البرور .. وانتَ عليَّا تجور روح احمد الله وبس روح احمد الله عليّه .. تلقاني وقت الاسيّه حولك معك كل لحظة .. صارت حياتي شقيّه والجو جوك هناك .. ولا كنّ واحد معاك وانا قلبي طالب رضاك .. *** صابر عليك بالسنين .. اقضي الامل كل حين اشوف بعيني فعالك .. اسهر لوحدي حزين .. وان كنت تبغى الحنان .. بس افتكرني زمان واصبر عليّا كمان .. ذا حبي نحوك شعور .. اعمق بعمق البحور اطول بمد البرور .. وانت عليّا تجور روح احمد الله وبس واختلاج المشاعر يأتي في مختلف المواقف الصعبة والمتناقضة، ومنها عقوق الولد مقابل تفاني الأم أو الأب في سبيل ذلك الولد، وقد صوّر لنا شاعر ذلك الاختلاج العنيف في شعر يؤلم القلب .. تقول أم ثواب في ابنها العاق : رَبَّيتهُ وهوَ مثلُ الفرخِ أَعْظَمُهُ أُمُّ الطعامِ ترى في جلدِه زَغَبا حتى إذا آضَ كالفحَّالِ شَذّبهُ أبّارُه ونفى عن متنهِ الكَرَبا أنشا يُمَزِّقُ أثوابي يُؤَدِّبُني أبعد شيبي عندي يبتغي الأدبا؟! إني لأبصرُ في ترجيلِ لمّتهِ وخطِّ لحيتِه في خَدِّه عَجَبا قالتْ له عِرْسُهُ يوماً لِتُسْمِعَني مهلاً .. فإِنّ لنا في أُمنَّا أرَبا ولو رأتني في نارٍ مُسَعَّرةٍ ثم استطاعَتْ لزادَتْ فوقَها حَطَبا! والابن العاق أشد من لدغة الأفعى، ولكنه يظل ابنا .. هنا تكبر (الشرهة) ويكثر اختلاج المشاعر .. يقول أمية بن الصلت في ابنه العاق: (غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً تُعَلُّ بِما أَحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ إِذا لَيلَةٌ نابَتكَ بِالشَكو لَم أَبِت لِشَكواكَ إِلّا ساهِراً أَتَمَلمَلُ كَأَني أَنا المَطروقُ دونَكَ بِالَذي طُرِقَت بِهِ دوني فَعَينايَ تَهمُلُ تَخافُ الرَدى نَفسي عَلَيكَ وَإِنَني لَأَعلَمُ أَنَ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ فَلَمّا بَلَغَت السِّنَ وَالغايَةَ الَّتي إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ فَلَيتَكَ إِذ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي فَعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ زَعَمتَ بِأَنّي قَد كَبِرتُ وَعِبتَني لَم يَمضِ لي في السِنُ سِتونَ كُمَّلُ وَسَمَيتَني باِسِمِ المُفَنَّدِ رَأيُهُ وَفي رَأيِكَ التَفنيدُ لَو كُنتَ تَعقِلُ تُراقِبُ مِني عَثرَةَ أَو تَنالَها هَبِلتَ وَهذا مِنكَ رَأيٌ مُضَلَلُ ومن أروع وأصدق القصائد في تصوير اختلاج المشاعر في أصعب المواقف قول نورة الحوشان في زوجها الذي طلقها ولازالت تحبه : ياعين هِلِّي صافيَ الدمعْ هلِّيهْ واذا انتهى صافيه هاتي سرِيبِهْ ياعينْ شوفي زرعْ خِلَّك وراعيه هذي معاويده وهذي قليبهْ يمرني بالدرب ما اقدر احاكيه مصيبةِ ياوَي والله مصيبه اللي يبينا عيَّت النفس تبغيه واللي نبي عيَّا البخَتْ لايجيبهْ جليلة رضا صالح جلال