يشكل مرضى إصابات العمود الفقري في المملكة نحو 3.5% من إجمالي عدد السكان. ووفقاً لإحصاءات رسمية تشكل حوادث الطرق المسبب الرئيس لتلك الإصابات بنسبة 85%، وخلال العقدين الماضيين بلغ عدد الحوادث المرورية نحو 4 ملايين حادث، أدت إلى 86 ألف وفاة و611 ألف إصابة، 7% منها كانت إعاقة مستديمة. ولايخفى للفاحص العادي الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي تتكبده الدولة والمواطنون جراء تلك الحوادث لاسيما وأن معظمها يتركز في فئة الشباب، حيث تنفق المملكة 6 مليارات دولار لتكلفة إصلاح حوادث الطرق وتأهيلها و250 مليون دولار لعلاج الإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية سنوياً، وتنشغل نحو 20% من الأسر السعودية بمصابي الحوادث وتبلغ تكلفة تأهيل إصابات العمود الفقري وفق تقديرات عالمية ما بين مليون إلى 4 ملايين دولار سنويا للمصاب الواحد تبعا لنوع وحجم الإصابة. ماهو العمود الفقري؟: يتألف العمود الفقري من سلسلة من العظام تسمى الفقرات مرتبطة ببعضها البعض بمفاصل أمامية كبيرة تدعى الغضاريف (الديسك) وخلفية مزدوجة (فاسيت)، ويتكون العمود الفقري من سبع فقرات في الرقبة (الفقرات الرقبية)، 12 في الظهر (الظهرية)، وخمسة أسفل الظهر (القطنية)، إضافة إلى العجز والعصعص وهما أسفل الظهر عند مستوى الحوض، ويقع في مركز الفقرة قناة تدعى القناة الفقرية تحتوي على الحبل الشوكي والأعصاب. يمتد الحبل الشوكي في قاعدة الجمجمة كامتداد لجذع المخ إلى مستوى الفقرة القطنية الأولى حيث يحل محلها في القناة الشوكية مجموعة الأعصاب القطنية التي تعصب الأطراف السفلية والمثانة والمستقيم والأعضاء التناسلية. كما يخرج من الحبل الشوكي وعلى مستوى كل فقرة عصب من كل جانب من الفقرة لتعصب مناطق معينة في الجسم. وكما أشرت اعلاه فإنه كثيراً ما يصاحب إصابات العمود الفقري إصابات مختلفة الشدة في النخاع الشوكي والأعصاب الطرفية. وقد تكون هذه الإصابات على شكل شلل جزئي أو ضعف في أحد الأطراف أو قد تكون على شكل شلل كامل وهو ما يعرف بالشلل الرباعي الذي يؤدي إلى ضعف وفقدان في الحركة والإحساس في كلتا اليدين والساقين أو من الناحية الأخرى حدوث الشلل النصفي الذي يؤدي إلى فقدان القدرة على الحركة والإحساس في الطرفين السفليين. وعادة ما يحدث الشلل الرباعي بعد كسور الفقرات في الرقبة أما الشلل النصفي فيحدث بعد كسور الفقرات في منطقة الصدر أو أسفل الظهر. السيطرة العصبية على المثانة: التحكم بعملية التبول من الناحية العصبية معقد جداً لكن يمكن تبسيط هذه العملية بالحقائق التالية: فعندما تمتلئ المثانة بالبول تتمدد الأعصاب الحسية ضمن جدرانها وترسل رسائل للحبل الشوكي الشيء الذي يؤدي الى تحفيز الأعصاب الحركية في الحبل الشوكي المسؤولة عن تحفيز عضلة المثانة (الدافعة) لكي تتقلص طاردةً كل البول الذي بداخلها، وفي نفس الوقت، تحفز خلايا عصبية أخرى في الحبل الشوكي وترسل رسائل إلى العضلة العاصرة (صمام التحكم) لكي ترتخي. ويحدث جميع ذلك تلقائياً دون أي تفكير من الانسان. هذا التفاعلِ بين الأعصابِ الحسّيةِ والحرّكية ضمن الحبل الشوكي المرتبطة بالمثانةِ تُدْعَى انعكاس التبوّلَ – الانعكاس الذي يَسْمح بتخزين وإطلاقِ البولِ عند الحاجة. ماذا يحدث للمثانة بعد إصابة الحبل الشوكي؟: الصدمة العصبية: مباشرة بعد إصابة الحبل الشوكي يتوقف كل الحبل الشوكي عن أداء وظائفه ويفقد النشاط الانعكاسي. ويسمى ذلك بالصدمة الشوكية او العصبية التي يكون لها آثار عديدة. أحد هذه النتائج التعطل أو الخمول الكامل للمثانة. حيث تمتلئ المثانة لمقدار معين من البول الى ان يتسرب الفائض من البول إلى الخارج. وإذا لم يتم علاج اخراج التبول من المثانة في الوقت المناسب قد يؤدي ذلك الى تطورات خطيرة على صحة المصاب ومنها: l- قد يتأثر أداء الكلية بسبب زيادة امتلاء المثانة مما يؤدي لارتداد البول لأعلى عبر الحالبين للكليتين. 2- قد تتلف عضلة المثانة بشكل كامل نتيجة لزيادة تمددها. 3- هناك درجة خطورة عالية في التعرض لعدوى المسالك البولية. وقد تستمر الصدمة الشوكية لوقت متغير يجب خلالها تصريف بول المثانة بواسطة ادخال قسطرة المثانة الدائمة. شفاء المثانة: يتبع المرحلة الأولية للصدمة الشوكية نمط لسلوك المثانة (المثانة العصبية) يعتمد على مستوى إصابة الحبل الشوكي وحالة الحبل الشوكي أسفل مستوى الإصابة. وكما أشرت سابقا فإن الجزء العجزي من الحبل الشوكي هو المسؤول عن تزويد الأعضاء التناسلية وأجزاء من الساقين والقدمين بالإضافة للمثانة بالأعصاب. لذلك يوجد نوعان لأداء المثانة لوظيفتها بعد الإصابة الشوكية: تلك التي يكون فيها انعكاس التبول سليماً، وتلك التي لا يكون فيها كذلك بحسب التفصيل التالي: - المثانة المتشنجة: عندما تكون إصابة الحبل الشوكي بين الدماغ والجزء العلوي من الحبل المسؤول عن المثانة عندها سيشفى نشاط انعكاس المثانة لكن دون أي سيطرة أو إحساس من الدماغ، لذلك ستمتلئ المثانة بشكل عام إلى مستوى معين ومن ثم تتقلص تلقائياً. يسمى هذا النوع من المثانة العصبية ذات الانعكاس الزائد(أو العصب التلقائي) والذي سينشأ عموماً من أي إصابة فوق مستوى الفقرة الظهرية السادسة للحبل الشوكي شرط أن يبقى الحبل الشوكي أسفل مستوى الإصابة سالماً. وبالنسبة للمريض فلن يكون هناك شعور بالامتلاء وستكون التقلصات ومرور البول غير مضبوطة تماماً. ولأن تقلصات المثانة تحدث نتيجة انعكاس، فإنها قد تنطلق نتيجة النقر على البطن أو الحركة المفاجئة كما يحدث عند الانتقال من موضع لآخر. ويمكن علاج هذا النوع من المثانة بأمان بشرط أن يكون تفريغ انعكاسات تقلصات المثانة بانتظام وبشكل كامل وأن يبقى الضغط داخل المثانة منخفضاً. كما يجب ملاحظة ان صمام التحكم بالبول (المصرة) قد لايرتخي بشكل مناسب أثناء انعكاس تقلصات المثانة وقد يؤدي ذلك إلى زيادة خطيرة في ضغط المثانة، كما قد ينتج عن تقلصات المثانة غير المضبوطة سلس البول الاإرادي. - المثانة المترهلة: إذا أثرت إصابة الحبل الشوكي على الجزء المسؤول عن النشاط الانعكاسي (الفقرات العجزية من الثانية الى الرابعة) أو أدت لتلف مباشر للأعصاب التي تصل الحبل الشوكي بالمثانة والتي تقع تقريباً عند الفقرة الثانية عشرة أو الفقرة القطنية الأولى من الحبل الشوكي)، عندها ستفقد المثانة وظيفتها الانعكاسية، لذلك فالإصابات عند مستوى الفقرة الظهرية الثانية عشرة أو أسفلها مسؤولة عن نشوء المثانة المترهلة أو غير المنقبضة. وفي المثانة المترهلة لن يكون هناك شعور بالامتلاء وسترتخي المثانة عندما تمتلئ، ولن يكون هناك أي انعكاس أو تقلصات إرادية لعضلة المثانة وببساطة ستمتلئ المثانة وستطفح وتفيض بتنقيط بولي مستمر. ولا تميل المثانة للتفريغ بشكل كامل، لذلك تكون معرضة للإصابة بعدوى بولية، كما ان الضغط في مثل تلك المثانة لايكون عالياً لكنه يكون كافياً ليسبب الفشل الكلوي على المدى الطويل إذا استمرت المثانة بزيادة الامتلاء بشكل مستمر. وبصفة عامة تكون المثانة المترهلة أو غير المنقبضة آمنة شريطة أن يتم تفريغها كلياً وبانتظام. ويكون التفريغ عموماً بواسطة قسطرة متقطعة بانتظام او من خلال ادخال قسطرات دائمة. - المثانة المختلطة سلوك المثانة لا يمكن التنبؤ به مثل أي شيء آخر يعقب الإصابة للحبل الشوكي، ويعتمد كثيراً على فيما إذا كانت إصابة الحبل الشوكي كاملة أو جزئية بعد الشفاء. والأنماط المذكورة أعلاه تحدث في الإصابة الكاملة للحبل الشوكي، لكن في الإصابة غير الكاملة يكون النمط مزيجاً محيراً من سلوك المثانة المختلطة والمثانة المترهلة مصحوباً أو غير مصحوبٍ بشعور الامتلاء، وقد يعتقد بأن المثانة تقوم بوظيفتها بشكل طبيعي، ولكن بسبب الشعور المتغير قد يكون ذلك مضللاً وتكون الضغوطات في المثانة مرتفعة بشكل خطير كما قد تكون كميات البول المتبقية في المثانة عالية، وبالتالي تضع صحة الفرد في خطر. ونظرا لمحدودية المساحة الصحفية، نكمل إن شاء الله في العيادة القادمة بقية الحديث عن المثانة العصبية ومرتكزات علاجها. ارتجاع البول نتيجة المثانة العصبية المتشنجة علاقة الحبل الشوكي بالجهاز البولي