بعد انتظار طويل من محبي المخرج البريطاني كريستوفر نولان، بدأ منذ نهاية الأسبوع الماضي عرض فيلمه الجديد "Intersteller"، والذي ينتمي إلى فئة أفلام الخيال العلمي، في دور السينما في عدة دول بشكل متزامن. فنولان من المخرجين القلائل الذين يجمعون دائماً في أعمالهم بين الإعجاب النقدي والنجاح الجماهيري؛ وكدليل على نجاحه تبلغ عوائد أفلامه الثمانية 3.5 مليار دولار. ورغم هذا النجاح الجماهيري الكبير، يعد نولان من المخرجين المؤلفين أصحاب الأسلوب الخاص، حيث ينتمي إلى مدرسة ما بعد الحداثة، وله أسلوبه البصري الذي يقترب كثيراً من أفلام الجريمة، من حيث التشويق، ولكنه كذلك يختبر ثيمات عديدة من حيث التقابل والإعادة. فهناك دائماً تكرار مربك في أفلامه، وهناك دائماً شخصيات معقدة ومركبة، مسكونة بالانتقام، ونولان دائماً ما يحاول أن يجعلنا نرى العالم من خلالها. وهو يجيد رواية الحكايات بشكل بصري جميل، حيث الامتزاج الكامل بين الصورة والحكاية. ولذلك فلأفلامه مزاج خاص، فهي قريبة بتجريبها من روح الأفلام المستقلة، لكن وبسبب نجاحها الجماهيري، فهي أفلام ذات إنتاج ضخم. ففيلمه الأخير، على سبيل المثال، بلغت تكلفة إنتاجه 165 مليون دولار أمريكي. ورغم أن الإنتاج الضخم يعني العمل مع استديوهات كبرى، عادة ما تجنح إلى التنميط فيما تنتجه من أفلام، فهو قادر على أن يضع بصمته الخاصة به، دون تدخل الجهات المنتجة في أعماله. ويحتل فيلمه الجديد حالياً المرتبة الثانية في قوائم الأفلام الأعلى مبيعاً في شباك التذاكر في الولاياتالمتحدة. ويقوم بدور البطولة فيه ماثيو ماكونهي وآنا هاثواي وجيسيكا شاستين. وهي ثلاثة أسماء مهمة اثنان منها حصلا على أوسكار أفضل أداء، فماكونهي حصد جائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم "Dallas Buyers Club"، وهاثواي حصلت على أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها الجميل في فيلم "Les Miserables"، فيما شاستين تم ترشيحها مرتين: مرة كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "The Help"، والمرة الثانية كأفضل ممثلة رئيسية عن دورها في فيلم "Zero Dark Thirty". ويروي الفيلم قصة فريق من رواد الفضاء يسافرون من خلال ثقب أسود لممرات كونية أشبه بالجسور تنقل من كوكب إلى آخر، بعد أن تصعب الحياة على الأرض ويصبح البحث عن كوكب آخر للحياة غير الأرض هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار الحياة. وهو بهذا ليس فيلماً عن الفضاء فقط كما هو حال "جاذبية" على سبيل المثال، وإنما هو فيلم يتناول ثيمة نهاية الحياة على هذا الكوكب، والتي كثر تناولها في السنوات القليلة الماضية. ولكن بالرغم من هذا فماكونهي في لقاء له يقول إن الفيلم هو بالأساس عن العائلة، فيما تقول هاثواي إنه عن الحب، أما نولان فيقول إنه عن الروح الإنسانية وعن التحديات التي يمكن أن تواجه البشر. وقد بدأت فكرة الفيلم نتيجة تفكير مشترك بين المنتجة ليندا أوبست والفيزيائي كيب ثورن حول عمل يروي "أكثر الأحداث غرابة في الكون عندما تصبح فجأة قابلة للتداول بين البشر". وكان المخرج الذي تم الاتفاق عليه هو ستيفن سبيلبيرغ. وقد بدأ سبيلبيرغ في العمل على الفيلم عام 2006، وكان الاتفاق أن يعمل كلاً من أوبست وثورن على المعالجة. إلا أنه في عام 2007 تقرر أن يكون جوناثان نولان هو كاتب السيناريو. ثم انسحب سبيلبيرغ عام 2009 من العمل، فاقترح جوناثان أخاه كريستوفر للإخراج، وهو ما حدث في عام 2012. وقد كانت فكرة أن يكون الفضاء هو مكان الأحداث من اقتراح كريستوفر. وكان جوناثان قد تأثر بأفلام نهاية الأرض وكتب السيناريو متصوراً أن المصادر تشح في الأرض تشح وتصعب الحياة، أما الجزء الخاص برحلة الفضاء فقد كان الجزء الذي كتبه كريستوفر من القصة. ورغم ما تبدو عليه أفلام نولان من تعقيد ومؤثرات ولعب بالزمن وبالقصة، فقد ذكر ماكونهي وهاثواي أيضاً في لقاء لهما حول دوريهما في الفيلم وتجربة العمل مع نولان بأنه يصر على أن بناء مواقع حقيقية تدور فيها المشاهد، ولا يحب الاعتماد على المؤثرات. كما ذكرا أنه أيضاً يحب أن يرتجل أثناء التصوير فليس كل ما يخرج إلى الشاشة مخطط له مسبقاً. ورغم أن النقاد لديهم تحفظات على قصة الفيلم، إلا أن هناك شبه اجماع على أنه مذهل بصرياً، وحسب الأرقام، فيبدو أن الفيلم سيكون نجاحاً تجارياً آخر يضاف إلى نجاحات نولان السابقة ويعده بمزيد من الحرية عند العمل مع الاستوديوهات الكبرى لصناعة ما يحلم به من أفلام.