الحاجة لغرض المدح حاجةٌ مشتركة بين الشاعر/المادح وبين الممدوح، ويظن البعض أن انتقاد ظاهر سلبية كظاهرة التكسب بالشعر هو رفض تام لمسألة مدح الشعراء أو استفادتهم من مواهبهم، مع أن المدح غرض من الأغراض الرائعة التي لا يمكن لأي شاعر تجاهلها، ويندر أن نجد من يزهد في المدح ولا يبحث عنه أو يطلبه. وقد لفت نظري الحديث الجميل للشاعر المبدع نايف صقر عن أشكال المدح في أولى حلقات البرنامج الشعري الجديد (قوافي الوطن) الذي يُقدمه الشاعر سعود الفهد، وإشارته إلى انخفاض قيمة الشاعر وقيمة قصيدته بمقدار إكثاره من المدح، وما ذكره من أن أجمل أشكال المديح هو "رد الثناء"، أي ذلك المدح الذي لا يأتي من الشاعر ابتداءً كفعل، بل يبدعه الشاعر كردة فعل تقديرًا لما قدمه الممدوح. بعد أيام سنستقبل موسم المدح السنوي مع استقبال مهرجان جائزة الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل، وستسيل أفواه الشعراء بمئات القصائد المدحية التي يسعى كل شاعر من خلالها لإثبات تفوق ممدوحه ووضعه في مكانة أعلى من مكانة مُنافسيه، ومن الجيد أن اللجنة المنظمة للمهرجان قد تفطّنت لما قد يؤدي إليه هذا التنافس الشرس بين المشاركين من أخطاء وسلبيات كتشجيع الشعراء على تضمين قصائدهم مبالغات في المدح، أو إساءات يتوهم البعض جهلاً بأنها وسيلة ناجعة لزحزحة الخصوم. فقد جاء في نص الإعلان الذي نشرته اللجنة المنظمة بأن " على أصحاب المنقيات المشاركين في المهرجان هذا العام ويرغبون بعمل قصائد أو شيلات لمنقياتهم أن يتم إرسالها إلى اللجنة المخصصة لمراقبة الشيلات والقصائد بالمهرجان لإجازتها قبل بثها في وسائل الإعلام المختلفة أو وسائل التواصل الاجتماعي على أن لا تشتمل القصيدة على التعرض للمنافسين أو لغيرهم بالتصريح أو بالتلميح ولا على ما يدل على العنصرية بأي حال من الأحوال". من الأمور التي أسهمت في تشويه المدح إضافة إلى الإسراف فيه من قِبل الشعراء وتضمينه بالمبالغات والإساءات، هو أن المدح لا يصدر من الشاعر كتعبير عن الإعجاب والتقدير أو طلبًا لحاجة معينة فحسب، بل لأن المدح أصبح لدى بعض الأشخاص سلعة تحت الطلب يستجدونها من الشعراء ظنًا منهم بأنها ستزيد من ضآلة أحجامهم، وقد أحسن الشاعر عادل الحرفة حين رد على أحد طالبي المدح بهذين البيتين اللذين أود أن أختم بهما حديثي: يا طالب المدح مالك بالمدايح رجا الهم يكبر معك، والطيب يكبر عليك اعلومك الناقصه مطلع قصيدة هجا لكن أنا من رداك أستخسر الشعر فيك!