شهدت مرحلة البناء في الأغنية النجدية اعمالاً خالدة لا تحصر, كانت حياة المؤسسين لها مليئة بالبساطة, هو ذاك جيل البداية الذي بزغت منه الاغنية النجدية والتي عرفت قبل ذلك بالموروث والترديد الجماعي كالسامري والعارضي والهجيني وغيرها من الذي نثرته الصحراء على أزقة الحواري في نجد. لم يكن ذاك المأثور الذي تركه الشاعر الراحل سليمان بن حاذور في ابياته الا شاهداً على العصر والبداية .. "منصور أنا من لوعة الحب مسكين .. اللي بلاكم في المحبة بلاني لين شفت ذاك القبو مانامت العين .. راعيه كن واحد من أخواني سليمان كان محباً للفن ومحرضاً للثقافة الغنائية من خلال اشعاره أو ما دونه من تاريخ فني راق, استمده من التراث الباقي بين هضبة نجد وجبال طويق, ليخلده ضمن تاريخها الفني , والتي بقيت منّذ التأسيس الاول للأغنية إلى هذا الوقت شلالا متدفقا يغرف منه الكثير من الفنانين. تلك اللحظات والسمر التي اوردها بن حاذور في قصيدته - 1959م - لصديقهم المضياف في - قبو - خاص يمتلكه منصور إذ يجتمع فيه الفنانون والشعراء . ذاكرة عبدالله السلوم "الباقية" ممن عاصرهم : أن تلك القصيدة التي قالها سليمان بن حاذور لحنها فوراً ابوسعود الحمادي "1357- 1405ه" – غفر الله له - وغناها أيضا في وقتها. تلك الثُلة من الشباب المنهمكين في تقديم الفن وزرع بداياته , عاشوا تلك اللحظة الجميلة في بيت السلوم الكائن في حي العجلية كمدرسة جديدة لعلوم الموسيقى, وفي بعض الأحيان يجتمعون في البيت الطيني الكبير لسليمان بن حاذور – رحمه الله- في حوطة خالد بالظهيرة – وسط الرياض – هؤلاء الذين زرعوا السامري والفلكلور الجماعي في قلب الموسيقى, يعتمدون على التنوع في المجالس, ربما كانوا ينظرون إلى الصورة الجمالية والتغيير المنطقي للعين وتغيير الفكر والتجدد, لذا كان اجتماعهم اليومي مختلفاً، يوماً في بيت آل سلوم وآخر عند سليمان بن حاذور وغيره في "قبو" منصور. ابوسعود الحمادي «1357- 1405ه» سليمان بن حاذور هؤلاء الحاضرون في فنهم وابداع البداية , لا يتركون فرصة لغياب الفكرة , حتى في ايام العطلة يخرجون إلى البر يجتمعون سوياً في " بنبان " التي باتت مجاورة جدا ل"لرياض", كان الشاعر فهد بن جابر هو من يمتلك المركبة التي توصلهم إلى "بنبان" أو إلى مكان بعيد, كان في تلك السنين هو الاقدر مالياً , بسطاء بعضهم لا يمتلك الا بشتاً يتجلى به وقت الخروج والزيارات. منذ البداية ارتبطت الموسيقى بالاعمال الشعبية – الكلاسيكية – سيطرت هذه الاعمال على مسمع الناس ولفوا عليها , كانوا قبل ذلك يسمعونها جماعيا وربما البعض من هذه الاعمال لم تظهر بالشكل الذي قدمه المؤسسون للحركة الفنية في نجد. لكن إذاعة " طامي " وبعد مضي سنين على تلك البداية ظهرت في المسمع نهاية الستينات الميلادية من القرن الماضي, سيطرة السمع أحبها الناس, لم يأت احد ليقدم لهم فكراً جديداً عن اشكاليات العمل الغنائي أو يشوش على حياتهم البسيطة. سالم الحويل»1357-1435ه» يقول أحد المعاصرين للبداية:" الحمد لله ان نتاجنا الفني ظهر قبل أن تغزونا أيدلوجية منفرة للفن , هي من افسدت كل شيء حتى حياتنا العامة ". بينما يتذكر عبدالله السلوم :" أن الناس كانوا بسطاء ليسوا بهذه الشدة والحزم على الفن , المجتمع كان سعيداً جداً مع سماع اعمالنا في إذاعة طامي وشراء الاسطوانات , نحن في جيل البداية مع ابراهيم بن سبعان وابو سعود الحمادي وسعد ابراهيم وفهد بن سعيد, لا نغني إلا الكلام الجميل والأناشيد الدالة على الخير. الخيط الاخر في نسيج مرحلة البداية مازال يتطور بعد افتتاح إذاعة " طامي" التي اسسها عبدالله بن سليمان بن عويد الطامي - 1341-1421ه- كانت وكيلة شرعية على اعمال الجيل الاول وبثها للناس, قال عنها سليمان بن حاذور "ياليت طامي مافتح له إذاعة, ولأشغف بعض المخاليق بغناه، غلب على صوت العرب باستماعه, كلن يدور موجته لين يلقاه" . لم ينس جهبذ الشعر الكلاسيكي ابن حاذور ان يدون نشاط الحركة الفنية خلال قصائده, كان مثالا جيداً لمتابعة ما دار في أواخر منتصف القرن الماضي إلى السبعينات. قبل ان تنفض تلك المجموعة والتي مثلت النموذج الجيد في البناء الثقافي والفني وفرقة السلوم – 1960م – كان اعتمادهم على ثقافة ابو سعود الحمادي لجزالة ما يقدمه من معلومات فنية وادبية ودورها في تأسيس الأغنية ، يعرفون انهم لا يمتلكون شيئاً,يعتمدون على تغذيته على الكتب والاطلاع على الشعر والموسيقى, هناك ظهر سالم الحويل "1357-1435ه" ضمن الثلاثة الاوائل الذين تمكنوا من إجادة العود بعد السمسمية كابراهيم بن سبعان والحمادي وصليح الفرج. هؤلاء مارسوا الفن بألق وقيمة دخلت في عمق إنتاجهم واحتضنت الوجدان. عبدالله السلوم مع ابنه وحيد بداية الثمانينات