انفجار في وسط مدينة كولونيا الألمانية    السفير الحربي: عناية المملكة بكتاب الله تتسق مع رسالتها السامية في خدمة الإسلام    الذهب يسجل أعلى مستوياته على الإطلاق    وزير الخارجية الكويتي نسعى لطرح «الشنغن» بالقمة الخليجية الأوروبية    الدول العربية تتطلع إلى تعزيز التعاون في مجال نقل التكنولوجيا مع الصين    مصر والسعودية.. قلب الأمة النابض    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة مسبوقة برياح نشطة تحد من مدى الرؤية في المدينة ونجران    زلزال بقوة 6.5 درجات يقع قبالة كولومبيا البريطانية في كندا    تركي آل الشيخ يدعو الكتاب والأدباء إلى تقديم أعمالهم بدءاً من اليوم    فشل في تحقيق أمانيها.. فأحرقت الضريح !    إجراءات وتدابير وتشريعات تعزز جهود السعودية لمكافحة الاتجار بالأشخاص    المملكة وتنمية اليمن    ميتروفيتش في الصدارة    فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية يعقد اجتماعه السابع في الرياض    وزير الرياضة يوجّه بإطلاق اسم جولة "نحلم ونحقق" على الجولة الرابعة من دوري روشن للمحترفين    التضخم يرتفع.. والإيجارات السكنية تقفز 10.8 % في عام    قتل زوجته وتخلص منها بطحنها في خلاط كهربائي    بمناسبة اليوم الوطني.. أول إجازة مدرسية الأسبوع القادم    فيصل بن مشعل يقلّد قائد قوات أمن المنشآت بالقصيم رتبته الجديدة    الملك يأمر بترقية 32 عضواً في النيابة العامة    إيقاف ثلاثة من منسوبي «الجمارك» لتسهيلهم تهريب «مشتقات بترولية»    تعزيز تعاون الأمن الغذائي بين السعودية وأوروغواي    المزاريع.. قبيلة عمانية استوطنت ممباسا وحكمتها    هل سقطت مبادئ الحياد الإعلامي ؟ في لقاء سويدان مع «بودي مارلي»    لمتابعة إنجاز المشاريع.. نائب أمير مكة يطلق وحدة المتابعة التنموية    الوقود الصحي لأدائك الرياضي.. ما تأكله قبل وبعد التمرين    وقف إطلاق النار في غزة يحظى بإجماع دولي    غطاء نباتي كثيف.. «وادي العرين».. جمال الطبيعة البكر    معرض لرواد الأعمال في جدة    محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية تختتم مشاركتها الناجحة في معرض كتارا الدولي للصيد والصقور 2024    الشباب يتغلّب على القادسية بهدف في دوري روشن للمحترفين    استمرار المساعدات الإنسانية للشعوب الشقيقة    خادم الحرمين يأمر بترقية 32 عضواً بالنيابة العامة    الصدمة    في انطلاق دوري أبطال آسيا للنخبة..الأهلي يستقبل بيرسبوليس.. والنصر ضيفا على الشرطة    في الجولة الرابعة من دوري يلو.. العربي يلتقي الجبلين.. وأبها يواجه البكيرية    ثنائيات الحقيقة والوهم    صالحة التي حطّمت قيود الألوان    المنتدى السعودي للإعلام يشارك في معرض هولندا    صفية بن زقر في ذمة الله !    نادي المداخيل    وتين    أصحوة «من جديد»؟!    إطلاق أول دبلوم لاحتراف الذكاء الاصطناعي    المشي روشتة لآلام أسفل الظهر    «عين الثور» في الزهور خارطة طريق للنحل    وتين ..وقفة مع الأهل والمدرسة والتعليم    مسرحية «الروع» ثراء ثقافي عماني أصيل    الغموض الاستراتيجي تجاه الشرق الأوسط في مناظرة ترمب وهاريس    أمير نجران يطلع على تقرير المرور    رئيس الشورى يستقبل السفراء المعينين حديثًا    الصيادون والرعاة يتسابقون على الدب الهملائي    سفراء الكويت والأردن وليبيا: دور عالمي للمملكة في خدمة الإسلام ونشر قيم التسامح    قطاع ومستشفى النماص يُفعّل "اليوم العالمي للعلاج الطبيعي"    من أعلام جازان.. الشيخ القاضي علي بن شيبان حسن العامري    استثمار المحميات الطبيعية    رئيس المجلس الإسلامي في إثيوبيا: السعودية رائدة في خدمة الإسلام والمسلمين    طائرة السعادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليت الحبيب كان بيننا
نشر في الرياض يوم 26 - 10 - 2014

إني وأنا أنظر إلى تلك الجموع، ليشرق في قلبي الأمل، وأشعر بموجة من التفاؤل بالمستقبل، فهذه الأمة لا تموت، وإن أنهك المرض جسدها، ستشفى من سقمها، وتبرأ جراحها، وستعود إلى مكانها الذي هو مكانها، في قيادة العالم، وهدايته، وإخراجه من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن الظلم والكبت إلى فضاء العدل والحرية
أكتب هذه الأسطر في جاكرتا، العاصمة الأندونيسية، بعد أن زرت بعض مناشطها القرآنية، وزرت أحد معاهد القرآن فيها، وبينا أنا في مجلس من مجالس تحفيظ القرآن بين الطلاب الصغار، وأنا أسمع ترديدهم للآيات، وترتيلهم العذب لها، وأصواتهم الندية تتلو وتتغنى، مع أعجمية ألسنتهم، وبعد مكانهم، وقلة حيلتهم، وهوانهم على الناس، ذهب بي الخيال إلى هناك، حيث شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلقى تلك الكلمات، باكورة القرآن العظيم ثم ينزل بها، يرجف فؤاده، ويخشى على نفسه، ثم ما يلبث أن تتوالى آيات التنزيل تلقى على قلب سيد المرسلين، وهو يخافت بها ويتلوها سرا على من يثق به، ثم ما لبثت أصوات التالين تقرع مسامع الأعداء، والحاقدين، والحاسدين، فتنهض سواعدهم لتهدم هذا الصرح الجديد، ويسعون بكل قوة لمنع توغل هذه الآيات إلى الأفئدة الراغبة في معرفة حقيقة وجودها، وتأثيرها في القلوب، وتغييرها للأنفس حتى استقامت، وثبتت، وصبرت على البلاء، وشدة الأذية، ولم تزل تطمع وترجو هداية معذبيها ومعاندي هديها، ولكن يجلجل صوت الكفر (لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه لعلكم تغلبون) تغلبون جريان نهره العذب في قلوب المتبعين، وتأثير تلاوته الغناء على ألسن التالين.
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسعى بين الناس يبحث عمن يناصره ليبلغ دين ربه، فقط ليتلو هذه الآيات بأمان، فقط ليفسح الكافرون من قومه الطريق للنهر الجديد أن يشق أخدوده إلى القلوب، يغسل أدرانها، ويروي ظمأها، ويملأ بالهدى صدورها، ويبصر أعينها بعد الضلال، ويفتح أفق سمعها لتسمع الحق وتنطق به، وتعتقده وتدعو إليه.
كأني به صلوات الله وسلامه عليه وهو يبذل كل جهده لتصل هذه الكلمات إلى الأسماع، وتنفذ منها إلى القلوب، وصناديد قريش يسعون جاهدين لمنعها، وتشويه أثرها، وصد الناس عنها.
ثم ما لبثت تلك الآيات أن شقت أخدودا في أرض الزمن، وجرى واديها يحمل الغيث، وينبت في القلوب من روائع الإيمان من كل زوج بهيج. لم يستطع مقاومة جمالها الأخاذ قلب عمر القاسي، فاستسلم وأناخ، وتغير قبله قلب صياد الأسود حمزة، فاستسلم أيضا لها وأناخ. وهكذا فعل أبو ذر، والطفيل، وغيرهم كثيرون، حين بدأت هذه الآيات تنساب إلى عقولهم وقلوبهم وتغير أفكارهم، وتفتح أذهانهم إلى الحق وقد كانوا عنه عمين .
ذهب بي الخيال بعيدا فكأني أسمع صوت الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر أصحابه بفضل الله عليه بهذه المعجزة الخالدة، ويرجو أن يكون بها أكثر الأنبياء تابعا يوم القيامة.
تخيلت شخصه الكريم يقف بيننا ويسمع ويرى هذه الجموع الكثيرة تترنم بما جاء به، وتتسابق في حفظه وتلاوته وتجويده، في كل بقعة من الأرض، الصغار والكبار، الرجال والنساء، العرب والأعاجم، ملأت أصواتهم عموم الأرض .
تخيلته يضحك حتى تبدو نواجذه، كما هي عادته، ويسر حتى يستنير وجهه كأنه فلقة قمر، كما هي عادته، فرحا بما يراه، سعيدا بما يسمعه، وكأني به يقول لأبي جهل مرة أخرى كما قال له ولمن معه وهم في جوف القليب بعد بدر : لقد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟
أين المحاربون للقرآن الصادون عن سماعه، الذين بذلوا الجهد كله ليصرفوا الناس عنه، وأين ورثتهم عبر التاريخ، حتى زماننا هذا، الذين نثروا في الطريق كل أنواع المغريات، وكل الملهيات، حتى ظنوا أنهم قد أغلقوا القلوب عن سماعه، أو تدبره، أو حفظه، لكن القرآن يثبت لهم العكس بواقع نراه جميعا، ورأيته يشخص بكل ثقله أمام ناظري، في أطفال، وغلمان، وفتية، وشباب، وشيوخ، وكهول، وعجائز، بعضهم ربما أدرك الصد عنه بالحديد والنار، فكم قتل الاستعمار السوفياتي من أبناء المسلمين، وعلمائهم، وكم كان عسيرا على المسلم أن يحظى بنظرة على مصحف، بله أن يقرأ فيه، أو أن يحفظه، أو أن يستطيع أن يتلوه فيما بينه وبين نفسه، ناهيك أن يقرأه على ملأ !
ذهب كل المحاربين، وأسدل الستار على المعاندين، ومحيت آثار الصادين، وبقي القرآن، آيات تتلى على المسامع، وتنفذ إلى القلوب، في نفس الأماكن التي حرمت منه سنين عددا ! وكأني بذلك الشاعر يقف بيننا وهو يرص قوافيه :
زعموا الحضارة أن يبيد طغاتهم
دين الحياة وملة العمران
ماذا يروع الظالمين وبيننا
أمن المروع ونجدة اللهفان
إنا بنو القرآن والدين الذي
صرع الشكوك وجاء بالتبيان
ضاعت حقوق العالمين فردّها
وأقامها بالقسط والميزان
يا لله كم هو عزيز هذا الكتاب، وكم هي قوية تلك الآثار التي علقت بقلوب ربما لم تفهمه حق الفهم، لعجمتها، ومع ذلك لم تستطع آلات الهدم أن تسد طريق مسيره إليها، أو وقف إقبالها عليه، أو تهدم ما بناه في تلك القلوب ! ألم يقل هرقل لأبي سفيان وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، لا يسخطه أحد!
أليس القرآن هو الإيمان، وهو الموعظة والفرقان، وهو الشفاء والهدى والروح والاطمئنان ؟
إني وأنا أنظر إلى تلك الجموع، ليشرق في قلبي الأمل، وأشعر بموجة من التفاؤل بالمستقبل، فهذه الأمة لا تموت، وإن أنهك المرض جسدها، ستشفى من سقمها، وتبرأ جراحها، وستعود إلى مكانها الذي هو مكانها، في قيادة العالم، وهدايته، وإخراجه من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن الظلم والكبت إلى فضاء العدل والحرية .
وإن غداً لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.