أكَّد مختصون على أنَّ جميع المحاولات التي بُذلت لتحجيم دور الجماعات الإرهابية، لا تتعدى كونها إجراءات احترازية تتمثل في تبادل المعلومات الأمنية بين الدول وفرض عقوبات لمن يثبت تورطه في أعمال الجماعات الإرهابية، مُشيرين إلى أنَّه لا يوجد لدى المجتمع الدولي –على ما يبدو- حتى الآن استراتيجية لمواجهة عناصر الجماعات الإرهابية، وأنَّ كل ما هنالك هو تشجيع الدول على تبني قوانين بحق الأشخاص الذين يسافرون أو يخططون للسفر إلى بلدان ما بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو التخطيط أو المشاركة فيها. ودعوا الجهات المعنية إلى إيجاد خطة أو استراتيجية لمنع التغرير بشبابنا والزج بهم في مواقع الفتن، مُشددين على ضرورة تضافر جهود جميع المؤسسات الحكومية المعنية في هذا الشأن، على أن تكون هذه الاستراتيجية متكاملة من جميع الجوانب، وتُنفَّذ خلال ثلاث مراحل هي: قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. أين مراكز الدراسات والأبحاث لتقييم الجهود السابقة والخروج بتوصيات تناسب متغيرات المرحلة؟ نجاح نسبي وأشار "د. عبدالعزيز بن صقر" -رئيس مركز الخليج للأبحاث- إلى أنَّ الحكم على نجاح الاستراتيجية الوقائيَّة والمناصحة للحد من التغرير بشبابنا من قبل معتنقي فكر الإرهاب يأتي من منظور نسبي، موضحاً أنَّه تمَّ طرح هذه الاستراتيجية للتداول قبل ما يقرب من (7) سنوات، لافتاً إلى أنَّه عمر قصير نسبياً للحكم على أيّ فكرة أو مشروع بالنجاح من عدمه، خصوصاً عندما تطرح الاستراتيجية أفكاراً ومشروعات جديدة لم يتم تداولها من قبل. وأضاف أنَّ قوى الدفع تتجاوز قوى الجذب، موضحاً أنَّ ما يدفع بالشباب للالتحاق بما يسمى الساحات الجهادية هو قوة كبيرة من الإعلام المؤثر والزخم العاطفي والإيمان بالأفكار الخاطئة، وبالتالي لا توجد استراتيجية قادرة على إغلاق أبواب تسرُّب الشباب للساحات الجهادية، مُبيِّناً أنَّ الظروف قائمة ولا يمكن للمملكة تغيير الظروف الإقليمية والدولية، مؤكداً على أنَّ كل ما تستطيع هذه الاستراتيجية تحقيقه هو الحد من اندفاع الشباب إلى الانخراط في هذه النشاطات. د. عبدالعزيز بن صقر د. أنور عشقي د. نايف الشريف عبدالله الأحمري وحول ما إذا كانت هناك أسباب تقف وراء سهولة التغرير بشبابنا، لفت إلى أنَّ وجود الظلم وانعدام العدالة في بعض الدول يجعل تعاطف جيل الشباب أمرا حتميّا، إلى جانب تدخّل الأطراف الخارجية الأخرى في هذه الصراعات، مؤكداً على أنَّ تدخُّل "إيران" أو "حزب الله" أو "المليشيات الشيعية العراقية" في الصراع السوري أعطى الأمر هنا جانباً من الشرعية من وجهة نظر هؤلاء الشباب، وبالتالي قرروا التدخّل في الصراع السوري أو غيره من الصراعات، مُشيراً إلى أنَّ الفتاوى والدروس الدينية لن تردع فئة المصممين على الذهاب إلى ساحات القتال الخارجي. تضافر الجهود ودعا "د.أنور عشقي" -رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية- إلى إيجاد خطة أو استراتيجية لمنع التغرير بشبابنا والزج بهم في مواقع الفتن، مُشدداً على ضرورة تضافر جهود جميع المؤسسات الحكومية المعنية في هذا الشأن، على أن تكون هذه الاستراتيجية متكاملة من جميع الجوانب، وأن تُنفَّذ خلال ثلاث مراحل هي: قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. وشدَّد على أهمية تناغم هذه الخطة مع معطيات وظروف المرحلة، على أن تكون جهود كل جهة معنية متناغمة مع الجهات الأخرى، وأن تعطى لكل جهة معنية الفرصة لترسم خطتها التي توصلها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مُبيِّناً أنَّ مدة المرحلة قصيرة الأجل لابد أن تكون سنه واحدة –على الأقل- تركز فيها الدولة على المنابر التعليمية والثقافية والدينية والإعلامية بجميع أشكالها، على أن يكون لهذه المنابر الأربعة خطة محددة الأهداف والبرامج للوصول للهدف الإستراتيجي، وهو حماية أبنائنا من الانخراط في الجماعات الإرهابية. عواقب التطرّف وأضاف "د. عشقي" أنَّه لابُدَّ أن تكون هناك متابعة جادة وتقييم للأداء خلال هذه الفترة، مُشيراً إلى أنَّه من الضروري أن تتم مناصحة من يفكر في الذهاب لهذه الجماعات بأسلوب أكثر تأثيراً، بحيث تتم توعيته بعواقب التطرف، على أن يكون هناك مركز لإعداد هذه الخطة ومتابعة أدائها، مُوضحاً أنَّ يجب أن يتكوَّن هذا المركز من خبراء تابعين للأجهزة الأمنية والتعليم والشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة والإعلام. وأكَّد أنَّه يجب على المركز فيما يتعلَّق بالمرحلتين متوسطة الأجل وطويلة الأجل أن يُجري الدراسات اللازمة، إلى جانب متابعة كل ما يستجد في الساحة من حولنا والوقوف على تأثيرها على نفوس الشباب، وكذلك يعمل المركز على تحليل جميع الأخبار التي تأتي في هذا الإطار والإفادة من نتائج المناصحة ونتائج التوعية، إضافة إلى العمل على تطوير الأداء بما يتفق مع المستجدات والأحداث. إجراءات احترازية وأوضح "د. نايف بن سلطان الشريف" -أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة- أنَّ جميع المحاولات التي بذلت لتحجيم دور الجماعات الإرهابية لا تتعدى كونها إجراءات احترازية تتمثل في تبادل المعلومات الأمنية بين الدول وفرض عقوبات لمن يثبت تورطه في أعمال الجماعات الإرهابية، مُضيفاً أنَّه يبدو أنَّ المجتمع الدولي لا يوجد لديه حتى الآن استراتيجية لمواجهة عناصر الجماعات الإرهابية، وأنَّ كل ما هنالك هو تشجيع الدول على تبني قوانين بحق الأشخاص الذين يسافرون أو يخططون للسفر إلى بلدان ما بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو التخطيط أو المشاركة فيها. ولفت إلى أهميَّة وجود دراسة مستفيضة لمعرفة دوافع العناصر المتسللة إلى بؤر التوتر السياسي، مُوضحاً أنَّها قد تكون دوافع سياسية أو اقتصادية أو دينية، وبالتالي فإنَّه من المهم أن يتم إجراء دراسات على عينات من تلك العناصر، لتشخيص المشكلة؛ تمهيداً للقضاء عليها، مُبيِّناً أنَّ هذا بدوره يتطلب إجراء دراسات علمية متعمقة ودعم هذه الدراسات من خلال إنشاء كراسي بحثية في الجامعات السعودية، مؤكداً على أنَّ تبني استراتيجية وطنية للقضاء على مشكلة تسلل المقاتلين إلى المناطق الحربية أصبح ضرورة ملحة حالياً. شروط الجهاد وأضاف "د. الشريف" أنَّ الدّعاة وطلبة العلم الشرعي مطالبون برفع مستوى الوعي الديني لدى فئة الشباب وبيان الوجه الشرعي والعقوبات الدنيوية والأخروية التي تنتظر من ينضم للجماعات المتطرفة والإرهابية والتسلل للقتال في الخارج، مُشيراً إلى أنَّ الحل لاحتواء الفكر المتطرف يكمن في توضيح شروط الجهاد الصحيحة والمواجهة الفكرية مع المتطرفين وتصحيح فكرهم الملوث ومقارعتهم بالحجج الدينية الصحيحة. وبيَّن أنَّه من الضروري أن يتم الدخول في اتفاقيات أمنية مع دول الجوار، إلى جانب فتح مجالات الدراسة والعمل والتجنيد الإجباري للشباب، وكذلك القضاء على البطالة، إضافةً إلى دعم مركز الإرهاب الدولي، الذي تبنته ودعمته حكومة خادم الحرمين الشريفين –أيَّده الله-، مؤكداً على أنَّ ذلك سوف يحد من دور الجماعات المتطرفة، ويقضي على ظاهرة التسلل إلى مناطق التوتر والصراعات الإقليمية. مُنظمات إرهابية وقال "عبدالله بن سعد الأحمري" -رجل أعمال- :"لابُدَّ أولاً من بحث الدوافع والأسباب التي دفعت الشباب المُغرَّر بهم للالتحاق بالمنظمات الإرهابية، وذلك للقضاء على مشكلة التطرف والتغرير بشبابنا"، مُضيفاً أنَّه لابُدَّ من البحث أيضاً عن هل الإغراءات التي دفعتهم مادية أم أنَّها غير ذلك؟، وعن أين يكمن الخلل؟، وهل المُغرَّر بهم من الشباب العاطلين الذين ليس لهم عمل ولا سكن، وبالتالي أصبح يشعر أنَّه لا مكان له في مجتمعه بسبب عدم وجود الإمكانات التي تؤهله أن يعيش مثل ما يعيش الآخرون من أبناء جيله ومجتمعه المحيط به؟ وأشار إلى أنَّ الفراغ الذي يعيشه هؤلاء يجعلهم يتتبعون المواقع الالكترونية ويجدون من يغريهم بالتطرف، سواء من النواحي العاطفية التي يوجهها بعض دعاة التطرف والإرهاب عبر هذه المواقع ونشر سمومهم وإغراءاتهم المالية والاجتماعية والعزف على وتر نصرة أخوة مسلمين لهم هنا وهناك، مُشدداً على ضرورة معالجة هذه الظواهر، واحتواء أبنائنا، لافتاً إلى أنَّ ذلك لابُدَّ أن يبدأ بالأسرة وينتهي بالدولة، إلى جانب العمل على التوجيه المبكر والمتابعة التي تحمي شبابنا من الانزلاق في هذا المستنقع. خطاب معتدل وشدَّد "الأحمري" على أهمية إيجاد استراتيجية تلامس الأسباب الحقيقية لهذه المشكلة، مُشيراً إلى أنَّ لكل مواطن حقا على دولته وحكومة بلده، مُبيِّناً أنَّ هذه الاستراتيجية لابُدَّ أن تهتم ببحث كل المسببات التي قادت بعض شبابنا إلى التطرف، داعياً إلى الاهتمام بالنوادي الرياضية والثقافية والاجتماعية التي ترتقي بفكر الشباب وتنميّ عقولهم وتحميهم من الأفكار المُضللة، لافتاً إلى أنَّ الخطاب الديني يجب أن يكون معتدلاً ومدركاً لخطورة التغرير بأبنائنا والزج بهم في أتون حروب تغذيها جماعات الإرهاب والتطرف. ودعا الدّعاة ورجال الدين وطلبة العلم الشرعي إلى المساهمة في القضاء على الفكر الضال عبر تبيين شروط الجهاد الشرعية التي أمر بها الدين، إلى جانب إرشاد وتوجيه الشباب إلى ما أمر به الله -عز وجل- من الحفاظ على الحياة وعدم الإلقاء بالنفس إلى المهالك، داعياً الشباب إلى أن يكونوا عناصر بناء في مجتمعهم ووطنهم، وألاَّ ينساقوا وراء الأفكار الهدامة التي تستغل النزعة الدينية في الشباب لتُلقي بهم بعيداً عن جادة الصواب وتجعلهم حطباً لأهداف منظمات وجماعات إرهابية فاسدة. وأكَّد على أنَّ المرحلة الحالية وما يحدث من حولنا من أحداث تتطلب وجود خطاب ديني يعمل على تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة عند البعض عن الجهاد، وأن يواجه ما يُبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي من سموم، وأن يلامس هذا الخطاب الديني عقول الشباب، مُشدداً على أهمية أن تكون المنابر الدينية مواقع للتوعية وزرع المحبة واللحمة بين أفراد المجتمع، وأن تعمل على تعزيز قيمة الحياة والحفاظ عليها عند الشباب، وألاَّ تكون هذه المنابر في الجوامع والمساجد مجرد أماكن لرفع الصوت عبر مكبرات الصوت والخوض في أمور لا علاقة لها بما نعيشه اليوم وما يجري من أحداث في محيطنا العربي والدولي تتطلب تضافر جميع الجهود للقضاء عليها وعلاجها.