أحياناً تصفعنا الأسئلة المتوالية، وكلما أجبنا عن سؤال هطل آخر باحثاً عن إجابة وكأن تلك الأسئلة المترادفة لاتبحث عن إجابات فقط ولكن لا تكتمل إجاباتها إلا بطرح أسئلة أخرى، وكأن الجواب يفتح معه نوافذ الأسئلة المتجددة! كل منا قد يمر بذلك، تشعر وأنت تخلق الأسئلة وتجيب عنها لنفسك أنك أمام محكمة ذاتية أنت المتهم والقاضي والجلاد، أرتأيت أن لاتدافع عن المتهم بل تنزل عليه أشد العقوبات، رفضت المحامي هل لأنه.. قد يلتمس العذر للمتهم ويحاول تبرير أفعاله؟ والبحث عن أسباب ارتكابها حتى وإن كانت غير صحيحة فقط لتخفيف العقوبة!! في المحاكمة التي أطرافها الأربعة أنت المتهم والمحامي والقاضي والجلاد كان الصوت الأعلى للمتهم الذي أراد أن يعترف بكل شيء، واختار ساعة الاعتراف شارحاً بالتفصيل تهمته، ومصمماً على أن ماحصل ليس صدفة، ولكنه مرتّب ومتعمد، لم ترتبك ولم تتوتر، ولم تحاول تغيير وجه الصورة التي ربما لو تركت المحامي يشرحها لاحتملت وجوها عدة غير ذلك الوجه الذي تُصرُّ عليه!! تحاول أن تدين نفسك.. بصوتك وبإحساسك، وتعرف أن القاضي سريع الاستجابة حيال ذلك.. هل تنتقم من نفسك؟ هل تحاول جاهداً إثبات التهمة عليك؟ هل ستصل إلى ما تريده من التخفف مما تشعربه عندما تنجز تطبيق النظام بقسوة؟ تؤمن بالعدل وتهتم كثيراً بتطبيقه.. ولكن هل تستطيع أن تطبقه على نفسك حرفياً دون أن تفكر في مدى استحقاقك للعقوبة؟ في الأصل وقبل الوقوف على التهمة يظل هناك ما هو أهم ولاتتحفظ من شرحه، وهو "أنك تحترم ذاتك جداً وتقدرها".. ولذلك أنت الأولى بمحاسبتها.. وتفنيد أخطائها.لك حق الكلام، ولك حق الحساب، تعرف ذلك وتعرف جيداً أنك ستحتمي بأوجاعها ولن تهرب خارج الحدود حدود نفسك، ولديك ما تقوله لقاضي ولديك قراءتك للصورة التي وإن أسهبت في شرحها إلا أنك تفعل ذلك متعمداً من أجل تفكيك تفاصيل تهمتك التي تراها الآن وأنت تفك حصارك منها دون أن ترتعد من الخوف، أو تفكر في الملاذ القادم.. بعد الخلاص منها. إنها تهمة بشرية، متوقعة من آخرين يرتكبها الأكثر شجاعة ومعرفة. ليست شراً ربما وليست كلها ربحا، أو كلها خسارة، وليس لها تعريف مفصل وواضح في كتب"علم النفس" المكتوب.. عشت في عصرها وكانت تبدو لك في الظلام أكثر رؤية وعمقاً، لم تتفاوض على خيارات معها ولم تفكر في أمكنة إشارات الحماية لتلجأ لها، ولم تسأل عن حسابات الاخر هل تتفق وتتقاطع مع حساباتك؟! بعض المواقف في الحياة تسبقنا وكأنها ضربات استباقية..لانفشل في احتوائها ولكن لانحاول الاحتواء، نستقبلها كأسهم طائشة دون أن نحتاط لكيفية الإيقاع بها، أو تجنبها..!! أنت تقيم في الضفة الأخرى..لستَ منتظراً ولست مودعاً ولست مستعداً لحرب تخوضها تتكئ فيها على أخلاقك ومبادئك وقيمك، وتاريخك الذي صغته من العذاب والجهد والإجتهاد ومع ذلك كنتَ ضحية فرض حقائق على الأرض ربما تكون مزورة وغير حقيقية، ولم تتمكن من تحرير مفردات كافية لإغلاق السطور ومن ثم وضع نقطة في آخر السطر ولكن هذا لايعفيك من التهمة.. بعدم الوقوف هناك في الظل العالي.. حيثما كنت، أو إغلاق السجل والتعميم بأن صفحاته ليست متاحة للجميع.. أو ملامسة الصمت الذي نخترع من خلاله للآخر الضوء في العتمة! تشعر أنك أنهكت من المحاكمة ومحاميك الذي هو أنت وقد تراه صديقك الذي يختلف معك في نوعية العقاب يحتج عليك وعلى هذا الجلد للذات لأنه تناوب بين العذاب، والتعذيب وأن الأمر لايستحق ماتقوم به! في صديقي هذا ربمايحاول أن يقوم بدور إنقاذي لكن لو كنتُ مكانه لفكرت كما يفكر المشكلة بأن زوايا الرؤية دائماً نسبية ومتحركة حسب موقع الشخص.. إن كان متهماً أو شاهداً أو ضحية أو قاضياً.. أو مذنباً.!! حكمك ربما تكون قد أصدرته ومفرداته اخترعتها بقسوتها ومرارتها لم تعد تريد التناوب بين أحاسيسك كمتهم وقاض ومحام ترافعت، وثبّتَ التهمة عليك وحكمت بأقسى ماتستحقه من عقوبة. يقول صديقك..عليك بروح القانون..تقول له..النصوص هي الحقيقة وهي التي تصدر الألم ولاتستورده.. !! لاتريد مساحة للتعويض، ولكن تريد مواجهة خيار العقوبة بالتنفيذ.. وكما يقرأها الجلاد في صفحته الأولى !! أخيراً هل تريد تحديد قامتك.؟؟ وهل تريد الاسترخاء داخل ذاتك الهادئة وليست الجانحة دون حصارها بأسئلة تغلي دون ضمانات إجابة، ولتهمة ليست بالضرورة صحيحة إلا من وجهة نظرك الحادة والتي ترى الصورة نقية كما تعودت عليها؟ طبق قانونك عليك نصه،وليس روحه وخسارة ورقة ليست خسارة لكل الأوراق..حكمك على نفسك ليس كحكم الناس عليك.لأنه الأقسى وإن غلفته وخبأته تحت عباءة الحكاية!