مكثت في الولاياتالمتحدةالأمريكية مدة زمنية، حيث كنت ملتحقاً في أحد المعاهد هناك، ومن حسن الحظ أن المعهد متعدد الجنسيات، يمنح الطالب فرصة التعرف على ثقافات الأمم، وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم، والحق أنني كنت أحاول رصد تصرفات، وطريقة تعامل كل من ألتقي بهم في قاعات الدرس، وأناقش الزملاء في جوانب شتى، تتعلق بثقافة وبيئة كل شخص، وما فيها من إيجابيات وسلبيات من وجهة نظره الخاصة، بما في ذلك المستوى المعيشي، والعادات والتقاليد السائدة التي يمتاز بها المجتمع، ولأن البشر مختلفون في سلوكياتهم ورغباتهم؛ وجدت من يستهويه الأخذ والرد في شأن ثقافات الشعوب، وعلى النقيض صادفت من لا يأبه بهذا الأمر، على أي حال سوف أسرد للقارئ الكريم شيئا من مشاهداتي وملاحظاتي عن المجتمع الأمريكي، وما نقله إلي بعض من عاشرتهم من دول أوربا وآسيا وغيرهم، ولتكن البداية مع أحد الطلاب من الجنسية اليابانية، والذي تجاوز الستين عاماً، وقد أتى لأمريكا لتعلم اللغة الإنجليزية، وأخبرني لاحقاً، أنه متقاعد، ويرغب في تعلم ما يتيسر له من الانجليزية؛ كي يقوم برحلات تشمل كثيراً من بلدان العالم، ورغم أن التعلم بالنسبة له ليس يسيراً؛ نظراً لتقدمه في العمر، واقتصار تعليمه على اللغة اليابانية دون غيرها، إلا انه مستمتع ومتفاعل مع ما يتلقاه من معلومات، وإن لزم الأمر يتواصل مع غيره من خلال قاموس إلكتروني، يكتب فيه بلغته ما أراد، وبدوره يترجم القاموس ذلك إلى اللغة الانجليزية، وأذكر أنه زود أصدقاءه ببعض مفردات لغته الأم إلى جانب طريقة نطقها الانجليزية إضافة لمعناها، حكى لي أن زوجته قد فارقت الحياة، وأحياناً يشعر بالأسى والحزن لفراقها، غير أنه يريد إكمال حياته بشكل طبيعي، وله ابنة تعمل بعيداً عنه، وهو يعيش وحيداً في منزله الخاص في اليابان. وفي أحد الأيام كان النقاش حول الهوايات الشخصية، فأخبر المحاضرة أن لديه هواية العزف على آلة عزف يابانية شعبية قديمة، فطلبت منه أن يحضرها في اليوم اللاحق إن كان قد جلبها معه، وبالفعل أتى في صبيحة الغد وهو يحملها داخل جراب خاص، وفي الحقيقة هي تشبه المزمار إلى حد كبير، فأسمعنا مقطوعة من التراث الياباني الجميل، ولاحظ الطلاب وجود كتابة على الآلة، سألوه عنها، فأخبرهم أنه اسم زوجته الراحلة منذ ستة أعوام !