في مثل هذا اليوم - 5 اكتوبر - من كل عام، يحتفل العالم بيوم المعلم العالمي، وهو بمثابة إحياء لذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة من منظمتي العمل الدولية والأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 1966، والمتعلقة بأوضاع المعلمين بمختلف مستوياتهم في هذه المهنة التي تُعد الأهم في تاريخ الحضارة البشرية. ومنذ عام 1994، بدأ الاحتفال الفعلي باليوم العالمي للمعلم في أنحاء العالم، حيث تركزت المبادرات والجهود حول سبل توفير التعليم الجيد الذي يُحدث تنمية شاملة ومستدامة في بنية الأمم والشعوب والمجتمعات، وهذا لن يحدث إلا بوجود معلمين أكفاء ومؤهلين ومخلصين. وكما هو معلوم، فان المعلم، هو أحد المرتكزات الأساسية لنجاح العملية التعليمية التي تتكون من العديد من التفاصيل، أهمها الطالب والمنهج والإدارة والتقويم والمبنى الدراسي والأسرة والبيئة. وتأتي هذه الذكرى السنوية للمعلم، متزامنة هذا العام مع عيد الأضحى المبارك، وفي منتصف إجازة تمتد لأسبوعين، وهذه مفارقة مثيرة، ولكنها تتكرر كثيراً في موسمنا الدراسي الذي تكثر فيه الإجازات والمفارقات والتناقضات. إذاً، لن يحتفل أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة وأكثر من نصف مليون معلم ومعلمة باليوم العالمي للمعلم، لأن العودة لأكثر من 30 ألف مدرسة، ستكون بعد أسبوع، وهي فترة زمنية كفيلة بعدم تذكر هذه المناسبة المهمة التي لا يُلتفت إليها عادة، وإذا حدث وأن أقيمت بعض الاحتفالات، فهي غالباً ما تكون شكلية، بل ومضحكة في كثير من الأحيان. ومهنة التعليم، ليست مجرد مهنة اعتيادية أو خدماتية أو تخصصية، ولكنها أكبر بكثير جداً من كل ذلك، لأنها من أقدم المهن على مر العصور. التعليم، مهنة مقدسة، لأنها مهمة الرسل والأنبياء، وقد احتكر هذه المهنة الخالدة في الحضارات الأولى، الكهنة والرهبان والعلماء والمفكرون، لأنها تتطلب توفر طبقة إنسانية أقرب إلى المثالية. ولكن، يبدو أن بقاء الحال من المحال، كما يُقال، إذ لم يعد المعلم في عصرنا الراهن، يحظى بتلك الامتيازات والإمكانات والمقومات، وتحولت هذه المهنة المقدسة إلى مجرد وظيفة مفرغة من رسالتها السامية، وفقدت كل منظومتها المهنية المهمة والتي تتضمن الكثير من القيم والارشادات والسلوكيات، إضافة إلى العلوم والمعارف والآداب والفنون. مهنة التعليم، أصبحت بكل أسف وحزن، مهنة كسائر المهن، ولم تعد البوصلة الملهمة التي تُحدد تطور وتقدم الوطن، ولم تعد المهنة التي ينشدها المخلصون من شباب وشابات الوطن. ولكن، من المسؤول عن تراجع قيمة المعلم وتراجع مكانة وأهمية التعليم في وطننا؟ سؤال كبير ومعقد كهذا، لا يمكن الإجابة عليه في مساحة محدودة كهذه، ولكن ثمة حقيقة غائبة كما يبدو في أذهان الكثير، وهي أن التعليم الحقيقي هو السلاح القوي الذي تملكه الأمم والشعوب والمجتمعات. ولكن، هل هناك من يؤمن بذلك؟ الأمير خالد الفيصل، وبعد 300 يوم، من تعيينه وزيراً للتربية والتعليم، يعرف جيداً كل مكامن الخلل والقصور والترهل في حقيبة التعليم، تلك الحقيبة الثقيلة جداً، والتي تحتاج إلى الكثير من الترتيب والتنظيم والتعديل والإصلاح والتغيير، وهو قادر على القيام بكل ذلك، بما يملكه من رغبة وجرأة وحنكة وخبرة. فالملفات الشائكة والساخنة في وزارة التربية والتعليم، كثيرة وكبيرة جداً، كتطوير المناهج وتحسين المخرجات وأزمة المدارس المستأجرة والتعليم الأهلي وتعديل المستويات والنقل الداخل والخارجي وتعيين المعلمات القديمات والقضاء على المركزية، وقبل كل ذلك إعادة هيبة المعلم والمعلمة في المدرسة. نعم، تعليمنا يُعاني من الاختطاف والإهمال والتراجع، وخالد الفيصل ماض في معالجة مكامن هذا الخلل.