يرعى صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض في الثامنة والنصف من مساء اليوم الثلاثاء احتفال كلية المعلمين بالرياض بتخريج الدفعة الرابعة عشرة من طلابها للعام الدراسي 1425 - 1426ه. وتحتفل وزارة التربية والتعليم اليوم «الثلاثاء» بمرور ثمانين عاما على مسيرة اعداد المعلمين السعوديين وتكريم رواد كليات المعلمين على مستوى المملكة حيث سيكرم أوائل مديري المعاهد وأوئل عمداء الكليات كما سيشهد الاحتفال تكريم أول مدير للمعهد العلمي السعودي الذي أنشئ عام 1346ه وذلك بمدينة الرياض. وقد استطلعت (الرياض) آراء عدد من المسؤولين والتربويين حول بعض الموضوعات الفكرية المتعلقة بالدور المتوقع من المعلم والتحديات التي تقابله في عصر العولمة والدور المأمول لمؤسسات إعداد المعلم حتى يمكن إعداد المعلم القادر على التأقلم مع هذا الواقع.. وتحدث في البداية معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله بن صالح العبيد الذي أكّد بأن المعلم يقف الآن وسط ساحة حديثة ومغايرة لما ألفه في عقود مضت، ساحة من التنافس التكنولوجي والمعرفي المتسارع، ولكي يكسب الجولة لا بد من أن يحمل الأدوات المعينة المناسبة لمواجهة هذا التحول العالمي غير المسبوق في عالم الاتصالات والمعلومات، وتقع المسؤولية هنا على الوزارة من جهة بتوفير الفرص الممكنة للتدريب والتأهيل والدعم، ومن جهة أخرى على المعلم نفسه بأن يكون مبادراً وفعّالاً وحريصاً على تطوير نفسه وتنمية قدراته. وأضاف معاليه: إن المعارف البشرية في العصر الحديث تتضاعف بشكل يفوق عشرات المرات ما كانت عليه العقود التي سبقته مجتمعة، لذا فإن أهمية محتوى المناهج ستتناقص حتماً من عام إلى آخر، وبالتالي فإن النتيجة الأكيدة لذلك زيادة التركيز على تعلم (أدوات التفكير والابتكار) التي أعدها شخصياً مطلباً ملحاً وهدفاً مهماً للتربية، نتعلمها ونعلّمها لأبنائنا وبناتنا، ونوجد من خلالها طرقاً وأساليب حديثة مشوقة تثري التحصيل والفهم الابتكاري في «مدارسنا»، ولا قيمة لتنظير فكري، أو رؤية جديدة، أو نظرية في تنمية المجتمع وتطويره لا تصاحبها تربية تنقل ذلك من عالم الفكر والتنظير إلى عالم الفعل والممارسة، ومستوى السلوك اليومي والعادات الإيجابية، عن طريق القدوة الحسنة، والبحث في العلاقات السببية، التي تساعد على التوصل إلى استنتاجات ومعارف قيّمة.. وهذه هي المسؤولية الكبرى التي تقابل المؤسسات التربوية وعلى الأخص كليات إعداد المعلمين والمعلمات. وديننا الإسلامي الحنيف يحث على التفكير، فالمؤمن مطالب بالتدبر وتوظيف العلم. وأضاف معاليه: من هنا يبرز الدور التربوي للمعلم بأن يُعرِّف طلابه على العلاقات السببية والارتباطية بين الفعل ونتيجته؛ لتجنيبهم تكرار المعاناة من الخبرات غير المرغوبة، ويوجههم نحو الخبرات السارة واكتشاف أسرار القواعد والقوانين الكونية لفهم الغاية من هذه الحياة التي ذكرها الله تعالى في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وأن العبادات التي شرعت في الإسلام إنما هي تمارين تعود لمن يحيا بأخلاق سليمة؛ وقد حدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المنهاج المنير في بعثته، بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها، فقال: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، والزكاة المفروضة ليست عبثاً، بل الغاية منها كما قال الخالق تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، والخلق الحسن صدقة (تبسمك في وجه أخيك صدقة). والصدق منجاة في الدنيا والآخرة: (كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً، هو لك مصدق، وأنت له كاذب)، والمسلم إذا أبرم عقداً فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهداً فيجب أن يلتزم به، وإذا تحدث تأدب، وإذا قال فعل، وإذا عمل أتقن.. وشدّد معاليه على أهمية استشعار المعلمين لمسؤوليتهم تجاه الجيل الذي يواجه سيلاً من التحديات بالغة الخطورة على أخلاقهم، وعلينا أن نسعى جاهدين لنوضح لهم بأن الأخلاق والعادات الحميدة هي طريق حياتنا بأمان ومنعة وأن أي خلل فيها يعني انهيار المجتمع بأكمله: العفّة، التأدب في الحديث، والإخلاص في القول والعمل، الحماسة في العمل، سلامة الصدر من الأحقاد، الحلم والصفح، الجود والكرم، الصبر، النظافة، حسن اختيار الأصدقاء، الرحمة، والحرص على طلب العلم، الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، احترام الغير وتوقير الكبير، وطاعة الوالدين وأولي الأمر. من جانبه قال معالي نائب الوزير لتعليم البنين الدكتور سعيد بن محمد المليص: إن عدداً من خبراء التربية يرون بأننا في الوطن العربي نخرج أعداداً من الطلبة والطالبات الذين تتجسد خبراتهم في تذكر واستدعاء المعلومة بصورة أساسية، وبالمقابل فإنهم يفتقرون إلى القدرة على استخدام ما تعلموه في التوصل إلى خيارات أو بدائل أو حتى خطوات عملية جريئة ومستنيرة للتعامل مع الواقع كاتخاذ القرارات الصحيحة أو حل المشكلات.. وهم نتيجة لذلك يقفون مشدوهين عاجزين أمام بعض المواقف مما قد يولّد الشكوى غير المبررة والتنصّل من المسؤوليات والكسل.. فإن صحت هذه الرؤية فما دورنا لتغييرها؟! وما دور مؤسساتنا التربوية لاقتلاع هذه الترسبات في أعماق المجتمع لنحقق النجاح وندعو الأجيال إليه؟! وأضاف معاليه: يبدو أن علينا إجراء تحولات في فلسفتنا ومفاهيمنا حول أساليب التدريس في مدارسنا، ونبدأ من الأساس للتأكد من سلامة إعداد المعلم وتطوير قدراته ومهاراته الذاتية، وأعتقد أن علينا لبدء التحسين: أن نهتم أولاً بمراقبة السلوك التربوي؛ ذلك أن السؤال الحاذق المبني على فهم للواقع، المتطلع لإيجاد الحلول والذي يبرز عند التعامل مع أي معضلة - مهما كانت درجة حدتها - أكثر أهمية من الاجابة الفورية او الحكم المتعجل وهناك مقولة جميلة تقول: « ان تعمل هو اكثر اهمية من أن يكون عملك متقناً للغاية.. فالكمال لله وحده، ولسنا مطالبين بالضرورة أن يكون كل ما نحاول صنعه خارقاً للعادة، ومن المعتاد جداً أن يكون الأداء مناسباً لمرحلة معينة ومثرياً لها، لكن العالم يتطور باستمرار وليس أمامنا خيارات أخرى بخلاف فهم ما يدور حولنا والتأقلم معه بما يناسب مجتمعنا وبيئتنا التربوية، وليس عيباً أن نخطئ لأن الإنسان يتعلم بالمحاولة والخطأ، ولهذا يحدث الخطأ تلو الآخر، وطوال حياتنا كنا نصارع المهام التي كانت تبدو لنا عسيرة لكنها تبدو الآن في غاية اليسر؛ لم يكن المشي يسيراً على الطفل وتعثّر مرات ومرات، وتعلم الكلام بعد محاولات من التلعثم، فلننظر إلى النجاح على أنه تحسين مستمر فيما نحاول إنجازه. وشدد على أن آمال الوطن معقودة بما تخرجه لنا المدرسة، ففي كل يوم يخرج ما يقرب من خمسة ملايين طالب وطالبة إلى المدرسة، ويقضون فيها ثلث يومهم، ويعلمهم ما يقرب من خمسمائة ألف معلم ومعلمة، وهذا يعني أننا مسؤولون عن النسبة الأكبر من حجم المجتمع الذين هم إما يتعلّمون أو يعلّمون.. وأن نسبة قليلة من البقية الباقية من المجتمع هم الذين يقومون بالدور التنموي المباشر من خلال العمل الإنتاجي.. وفي ذلك إشارة بالغة الأهمية إلى ضرورة التأكد من سلامة ما يقدّمه المعلمون داخل أسوار المدرسة وأنه يسير في الاتجاه الصحيح، وهذا هو الدور الذي نرجوه من كليات إعداد المعلمين والمعلمات التي يجب أن تراجع سياساتها وتطمئننا على ما سيكون عليه المستقبل. واوضح وكيل وزارة التربية والتعليم لكليات المعلمين الدكتور محمد الصايغ في لقاء صحفي عقده امس بوزارة التربية والتعليم أن المناسبة تتزامن مع احتفال كليات المعلمين في مناطق المملكة بتخريج دفعات جديدة من المعلمين. وعد فترة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مهام وزارة المعارف آنذاك «1373 - 1380ه» مرحلة انتقالية في مسيرة اعداد المعلمين في المملكة مشيرا الى التطوير والتحديث في خطط وبرامج كليات المعلمين حيث شهدت وخلال فترات متعاقبة تحويل معاهد اعداد المعلمين الابتدائية الى معاهد اعداد ثانوية ثم كليات متوسطة في عام 1396ه و في عام 1407ه تم تحويلها الى كليات معلمين شملت مختلف مناطق المملكة وبما يتماشى مع الخطط الوطنية التنموية الطموحة في مجال التربية والتعليم.واستعرض الدكتور الصايغ مسيرة اعداد المعلم السعودي عندما أمر جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في عام 1346ه بانشاء أول معهد لاعداد المعلمين في مكةالمكرمة وما تلاه من انشاء معاهد اخرى. وأبان الدكتور محمد الصايغ أن عدد كليات المعلمين الآن «18» كلية في انحاء المملكة يدرس بها نحو «40» ألف طالب وتخرج منها حتى هذا العام قرابة «75» الف معلم منهم «55» الفا بدرجة البكالوريوس و«120» الفا بدرجة الدبلوم لافتا الى أن دور كليات المعلمين لا يقتصر على اعداد المعلم بل التدريب المستمر على رأس العمل. وأفاد أن منهج كليات المعلمين يتواكب مع التقدم والتطوير في مجال المناهج العلمية حيث استحدثت أقسام في السنوات الاخيرة أقسام للغة الانجليزية والحاسب الآلي كما تم تقليص عدد من الاقسام حسب آلية العرض والطلب وحسب ما تراه وزارة التربية والتعليم. وقال عميد كلية المعلمين بالرياض الدكتور عبدالعزيز بن سعود العمر إن كلية المعلمين بالرياض سوف تخرج «580» طالبا ودارسا في عدد من التخصصات العلمية والأدبية التي تحويها الكلية وهي: الدراسات القرآنية، واللغة العربية، والتربية البدنية، والتربية الفنية، والاجتماعيات، والعلوم، والرياضيات، والحاسب الآلي، واللغة الإنجليزية، كذلك سيكون ضمن الخريجين دفعات جديدة من أقسام المسارات التي تحويها الكلية وهي: مسار العلوم بتخصصاته الثلاثة «الكيمياء والفيزياء والأحياء» ومسار الرياضيات، ومسار القراءات، ودفعة جديدة من الدبلوم العالي للقراءات، وبرنامج محضري المختبرات. وأضاف الدكتور العمر: ان هؤلاء الخريجين سيتولون التدريس في التعليم العام بمختلف مراحله «الابتدائي والمتوسط والثانوي» حيث باتت الكلية تخرج في أقسام المسارات المشار إليها معلمين لسد حاجة التعليم العام في الرياضيات والعلوم والقراءات واللغة الانجليزية والحاسب الآلي، وهم مؤهلون علمياً وتربوياً للتعليم فيما فوق المرحلة الابتدائية، كذلك سوف يكون من ضمن المتخرجين هذا العام من الكلية الدفعة الأولى من طلاب الجمهورية اليمنية الشقيقة ضمن برنامج المنهج الذي تقدمه الوزارة للأشقاء اليمنيين. كما أشار الدكتور العمر إلى ان احتفال الكلية هذا العام بتخريج هذه الدفعة من طلابها سوف يصاحبه احتفالها بمناسبة مرور ثمانين عاما على بداية مسيرة إعداد المعلم في المملكة التي بدأت بالمعهد العلمي السعودي، وتطورت عبر عقودها الثمانية حتى وصلت إلى مؤسسات كليات المعلمين التربوية الجامعية، وان الوزارة سوف تكرم في هذا الاحتفال رواد مسيرة إعداد المعلمين في مدينة الرياض بجانب أول مدير للمعهد العلمي السعودي الذي أنشأ في مكةالمكرمة عام 1346ه وسيكون من المكرمين أول مدير معهد معلمين ابتدائي في الرياض، وأول عميد لمركز العلوم والرياضيات الذي أنشىء في الرياض عام 1394ه وأول عميد للكلية المتوسطة لإعداد المعلمين، وأول مدير لمعهد التربية البدنية في الرياض، وأول مدير لمعهد التربية الفنية في الرياض. وأضاف الدكتور العمر قائلاً: بأن هذا التكريم من الوزارة اعتراف منها وتقدير لدور هؤلاء الرواد في مسيرة إعداد المعلم في بلادنا، وانها لفتة كريمة وفقت لها الوزارة، ووكالة كليات المعلمين. وفي ختام تصريحه شكر الدكتور العمر صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز على رعايته لهذا الاحتفال بأبنائه الخريجين، ودعا لهم بالتوفيق والسداد في مستقبل حياتهم العلمية، كما ذكرهم بتقوى الله في السر والعلن وهم يمارسون مهنتهم العظيمة مهنة التربية والتعليم، وحثهم على تربية أبناء الوطن تربية صالحة سوية، وان يكونوا حراساً أمناء عليهم، وأن يأخذوا بأيديهم إلى جادة الوسطية والاعتدال، وأن يغرسوا فيهم كل ما يجعلهم جديرين بأن يكونوا بناة حضارة، تحمل الخير للوطن والأمة والإنسانية جميعاً.. مذكراً بأن الأمة التي تقدر معلمها لا خوف عليها.