كان فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية "شلاط تونس" من ضمن الأفلام العربية التي عرضت في عدة مهرجانات سينمائية واتخذت شكلاً تجريبياً مختلفاً يستحق الإشادة. فهو فيلم مصنف كفيلم روائي لكنه كان نوعاً من أنواع الدوكيودراما وأقرب إلى روح الفيلم الوثائقي. وهو مخاتل ليس في أسلوبه الذي تأرجح بين الوثائقي والدراما فقط ولكنه مخاتل أيضاً في موضوعه؛ فهو يبدأ في الاستفسار عن حادثة يبدو أنها هي المحور الرئيسي للفيلم، لكن المخرجة تستخدمها كمدخل ليس إلا للكشف عن نظرة الرجل التونسي للمرأة وطريقة تعامله معها، وطريقة تعامل المرأة مع هذه النظرة. تبدأ المخرجة بالذهاب للتحقيق في واقعة حقيقية حدثت في تونس عام 2003 تدعى "شلاط تونس". حيث شاع خبر رجل يركب دراجة هوائية وبشكل سريع يجرح النساء بموس حاد أو سكين، وكان تقدير الضحايا من النساء 11 ضحية. وقد سبب هذا فزعاً بين النساء. ثم فجأة توقف الإعلام عن الحديث عن هذا الموضوع وبدا أن هذا "الشلاط" قد قبض عليه لكن دون أن يعرف أحد هويته أو ماذا حدث له بعد ذلك. تقرر المخرجة بعد الثورة التونسية البحث عن الشلاط بأن تذهب إلى أحد السجون في تونس لتسأل الحارس: هل يوجد الشلاط في هذا السجن؟ يرفض الحارس الدخول ويطلب من المصور أن يوقف التصوير. تحاول المخرجة أن تقنعه بأن يتجاوب معها وأن معها تصريحاً للتصوير دون فائدة. ثم ننتقل إلى امرأة جميلة تتحدث عن تجربتها مع الشلاط كونها إحدى الضحايا المعتدى عليهن. بعدها تقوم المخرجة بوضع إعلانات للشلاط في المقاهي للتواصل معه، وهنا ترصد كاميرا المخرجة نظرة الرجال للنساء في المقاهي والشوارع. يقول بعض الرجال الذين التقت بهم كوثر بن هنية أنه من حق الشلاط الاعتداء على النساء طالما أنهن غير محتشمات. فتسألهم وتستفسر أكثر عن مفهوم الحشمة بالنسبة لهم. كوثر بن هنية تمضي المخرجة في محاولاتها لمعرفة من هو الشلاط؛ فتطلب من مجموعة من الرجال ممن يبدو أن لهم سوابق أن يحضروا للمسرح لتحدد من منهم يستطيع أن يؤدي شخصية الشلاط. وأثناء اختبارهم في الأداء يحضر شخص يدعى جلال ويطلب منها التوقف بحجة أنه هو الشلاط وأنه ليس من حقها أن تدع أحداً غيره يؤدي دوره، فهو من سجن بهذه التهمة وهو الشخص الذي يجب أن تقابله. تذهب المخرجة إلى المنطقة التي يسكن فيها جلال، ويدلها أحدهم على بيته وتقابل أمه، وتسألها إن كان جلال هو الشلاط فعلاً ولماذا فعل ما فعله. فيما كوثر تتابع جلال وغيره من الرجال المحيطين به لتعرف ماذا يمثل لهم الشلاط، تتكشف قصص غريبة حيث يتم استغلال شهرة جلال كشلاط لعمل لعبة إلكترونية يضرب فيها اللاعبون النساء غير المحتشمات ويتركن المحتشمات منهن. يبدو جلال العازب خائفاً من الزواج لأنه لا يثق بالنساء وبمدى إخلاصهن. في هذه الأثناء تتواصل كوثر مع محامي لأنها تحاول الوصول إلى ملفات قضية الشلاط ومعرفة مجريات القضية كما دونت في سجلات الشرطة والقضاء. تحدث مفاجآت بعد ذلك لنرى من خلال الفيلم أن هناك كثيرا من الأخبار المتعلقة بالقضية هي أخبار مختلقة وأن الإعلام قد يصنع أبطالاً وهميين. ولكن الأعمق من هذا ومن خلال لقاء كوثر مع الضحايا ومع الرجال تتكشف نظرة دونية للمرأة لا ترى إشكالية في الاعتداء عليها. كان هناك كثير من الاستعارات البصرية التي استخدمتها المخرجة للتعبير عن التفكير الذكوري في المجتمع التونسي. وقد ذكرت في آخر الفيلم أن الشلاط ظاهرة متكررة في الوطن العربي وهو ما أيده بعض الحاضرين من الجمهور في النقاش مع المخرجة بعد عرض الفيلم. يأخذ الفيلم المشاهد في رحلة من البحث، وعلى الرغم من جدية البحث، وطرح قضايا اجتماعية مهمة لم يتوان عن خلق مشاهد ذات مسحة كوميدية. وقد كان أسلوب المخرجة في المشاهد التمثيلية ينحو نحو الطبيعية والتلقائية في الكلام وفي مواقع التصوير، ولذلك فمن الصعب التمييز بشكل كبير بين التمثيلي والطبيعي. وقد نجحت في أن تجعل الواقع والخيال يتداخلان بظرافة وعمق في آن واحد.