فازت رواية العراقي (أحمد السعداوي) بجائزة البوكر العربية لهذا العام.. في العام الماضي فاز بها الكاتب الكويتي (سعود السنعوسي) عن روايته ساق البامبو، أتذكر وقتها كتبت عنها فقد أعجبت بها أيّما إعجاب. وكانت ممتعة جداً. رواية(فرانكشتاين في بغداد) تتطرق لرعب الحروب وما تولده من إفرازات وما تضعه من سموم، بحيث يكاد يتفتت المجتمع العراقي. وكيف يتخلق الشر بالنفوس. أضع تعريفاً بسيطاً حول شخصية (فرانكشتاين) التي اخترعتها البريطانية (ماري شيلي) ونشرتها عام (1818)، حول عالم وطبيب يدعى فرانكشتاين، قام بصنع إنسان مسخ، وكان هذا المخلوق، طيباً ولطيفاً ومحباً للخير، لا يؤذي أحداً. ذلك لتخدم رأيها أن الانسان خيّر عند ولادته ونقي ولكنه يتحول إلى الشر بفعل تأثير المجتمع عليه لأن الناس يكثر فيهم النفاق والكذب والرياء، وكذا الإجرام.. هذه العوامل تؤثر على أخلاق الإنسان وتدفعه للتحول من شخص خيّر إلى شرير، بل وإلى وحش كاسر كما في رواية فرانكشتاين، إذ صنع العالم إنساناً كاملاً يمتاز بصفات القوة والذكاء، لكنه مسخ وقبيح. وعندما نجح في تلك التجرية المثيرة وتمكن من جعل ذلك الإنسان يتحرك ويخرج للناس، ونتيجة لذلك تخوّف الناس منه كثيراً كما شعروا بالاشمئزاز لمجرد رؤيته بالرغم من أنه كان طيباً ولم يؤذ أحداً، وبدا الناس بمعاملته بفظاظة قاسية، وحتى الأطفال كانوا يرمونه بالحجارة لا لشيء إلا لأنه قبيح، وحتى العالم الطبيب فرانكشتاين الذي صنعه بدأ هو الآخر الشعور بالاشمئزاز والنفور منه بل وكان قد تخلى عنه ولم يعترف به، ونتيجة لكل ذلك تحول ذلك الطيب إلى شرير.. إلى مخلوق يكره الجنس البشري الذي اضطهده وسعى الى الانتقام وبدأ بالعالم فرانكشتاين الذي صنعه وتخلى عنه، وحاول المسخ الانتقام أيضاً من عائلة فرانكشتاين ومن كل أصدقائه وأحبائه. فرانكشتاين بغداد (احمد السعداوي) ولد إنساناً قذراً بمعنى القذارة، يسكن في خرابة تدعى خرابة اليهود، يبيع ويشتري الأشياء القديمة التي يجدد فيها ثم يبيعها. يساعده شاب لطيف كان يشاطره السكن لكنه استقل بعد زواجه.. يسوقان حصانهما بعربتهما مع بعض، وأحياناً منفردين، يموت هذا الشباب بانفجار، عندما يذهب/ هادي العتاك/ هذا اسمه إلى المشرحة لاستلام جثة صديقه، يفاجأ بأنه لا جثة، إنما هناك أشلاء لايعرف من هم أصحابها، يقول له الحارس بلا مبالاة، (اجمع وكوّن لك جثة).. فيما بعد يبدأ يكوّن جثة في بيته.. يبقى للجثة أنف لتكمل، لذا في أول انفجار يتصيّد (هادي العتاك) أنفاً ويعود به للبيت ليخيطه في وجه الجثة التي لم يجد لها اسماً فسماها(الشسمه). يصادف أن يحدث انفجار قرب فندق أثناء مرور العتاك الذي لفت انتباه حارس الفندق والذي خشي أنه يحمل متفجرة في جعبته، في هذه الأثناء تصدم البوابة سيارة محملة بالمتفجرات ويحدث انفجار يطير بالعتاك لوسط الساحة بينما حارس الفندق يتقطع إرباً، تجمع له جثة ويدفن في النجف، ولكن الروح تبقى هائمة حتى تجد الجثة تدخلها، هكذا يتخلق (الشسمه) وتتشابك الرواية أحداثاً حيث العجوز المسيحية التي هاجرت أبنتاها وقتل ابنها فلا تؤمن أنه مات وتنتظر عودته فلا تغادر بيتها. ويطوف بنا السعداوي عبر شخصيات عديدة. الرجل المسخ الذي تخلّق ينتقم لكل مقتول مما تتكون منه جثته الأصلية، ولكن كلما انتقم كلما سقط جزء من الجثة، فلكي يستمر وينتقم، كان يعوضه بغيره، وأصبح يحمل فيما يحمل أعضاء مجرمين، فأصبح مجرماً قاتلاً متمرساً يسير ويقتل. المفاجأة أن (العتاك) يصاب بانفجار وتتغير ملامحه فيصبح مسخاً، وهو ما يدعي الحكومة للقبض عليه ونشر صوره في كل مكان على اعتبار أنه(الشسمه). تقام الاحتفالات بذلك. وهنا يغلق أحمد السعداوي رسالته الرواية، وكل يمكن أن يفسر الرواية بمختلف التفسيرات. ولا يحتمل الحيز لأقوم ببعض التعليقات عليها. ولكنها تنقل أحداث الشارع العراقي للمتلقي ببعض التفاصيل، والحقيقة الكبرى أن من يُقتل ويتقطّع أشلاء هم العراقيون لا المحتل الأمريكي.