الذي يجعل الأدب عامة، والشعر خاصة، يبقى على الزمان، وتردده الأجيال، هو (الجمال).. الجمال الفني الذي يجعل النص ممتعاً.. الامتاع هو الجناح الذي يحمل النص في فضاء الزمن. والامتاع في النصوص الأدبية ليس هو الطرائف والاضحاك، بل هو التصوير الفني المعبر عن المشاعر بجمال يتذوقه القادرون على فهم أسرار الجمال الأدبي.. أما الجاهل تماماً فإنه هنا يشبه الكفيف يمر بأجمل المناظر فلا يطرب لها ولا تحرك فيه ساكناً ولا يتذوقها أصلاً. بل إن الكفيف يشم روائح المنظر الجميل، وفوح الزهور، ويسمع حفيف النسيم، وترانيم الطيور، أما الجاهل المطبق في جهله فإنه لا يفرق بين روعة شعر المتنبي والعي في كلام باقل.. فاقد الشيء لا يعطيه ولا يستطيع الاستفادة منه فضلاً عن الاستمتاع به؛ لأنه فاقده أصلاً، وفاقد (التذوق الأدبي) لن يجد في أي نصّ أدبي جمالاً أو متعة، لأنه يفتقد - طبيعة وجبلة - تذوق الأدب وفنونه، فلا يميز بين الكلام المملول المبذول وبين نصوص الأدب المبهرة المتلالئة بالصور الفنية المعبرة عن مشاعر إنسانية تصور نفس الإنسان في كل زمان ومكان. والذي لا يعرف اللهجة الشعبية التي قيل بها الشعر الشعبي لن يتذوقه لأنه لن يفهمه، وبالتالي فهو لا يحس بأي جمالٍ فيه لأنه لا يعرف مفرداته وتراكيبه فضلاً عن أن يحيط بأمثاله وحكمه وبيئته. كما أن (الذوق التاريخي) عامل أساسي في الاستمتاع بالنص الأدبي القديم، وإدراك أسرار جماله، والقدرة على التحليق مع صوره الفنية. فالذي لا يملك ذوقا تاريخيا لن يستمتع لا بشعر الأطلال ولا بالشعر الذي قيل في الناقة ونحو ذلك من أغراض الشعر الغالبة في (الشعر الجاهلي) وكثير من الشعر الإسلامي.. فالحكم على الشيء فرع من تصوره.. والاستمتاع بالنص فرع من فهمه. وشعرنا الفصيح والشعبي زاخر بالصور الفنية التي تمتع المنشد والقارئ، كما تُمتع الجواهر والألماسات اللامس والرائي، لكن فاقد التذوق الأدبي يشبه هنا فاقد البصر مهما تتزين له زوجته فلن يرى ذلك، (زوجة الأعمى) كما يقول مثلنا الشعبي. ونقدم الآن ما تيسر من النصوص التي فيها صور فنية جميلة: على نوض برق ساري في سحايبه هجرت الكرى أرعي من الغيث صايبه هجرت الكري والحرّ ما يالف الكري إلى شاب قلبه من لظي الهم شايبه لي الله من قلبٍ جزوع ومن هوى نزوع ومن دهرٍ كثير عجايبه ونفسٍ إذا شديت بالعزم حبلها جرت تطلب العليا ولو عزّ جانبه) (محمد بن عيسى آل خليفة) أخي كفّ عن لومي فإنك لا تدري بما فعل الحب المبرِّحُ في صدري أخي أنت تلحاني وقلبك فارغٌ وقلبي مشغول الجوانح والفكر دوائي ودائي عند من لو رأيته يقلّب عينيه لأقتصرت عن زجري فأقسم لو أصبحت في لوعة الهوى لأقصرت عن لومي وأطنبت في عذري ولكن بلائي منك أنك ناصح وأنك لا تدري بأنك لا تدري (حمَّاد عجرد) لعل مال ما يمارى به العدى ولا ينفع المضيوم.. لاهب النار رجل بلا مال له الموت راحه ومال بلا فضل غناته عار فلا تنطح القالات لا صرت معسر ترى الفقر يرث بالعظام فتار مجالستك لمن ياجد ولا انت بتاجر تزيدك عند الموجبات حقار (الشريف جبارة) ناصر الراجح (ما سّدَّ مطلعٌ يخشى الهلاك به إلا وجدت بظهر الغيب مطلعا لا يملأ الحصول قلبي قبل موقعه ولا يضيق له صدري إذا وقعا (عبدالعزيز بن زرارة الكلابي - شاعر أموي شجاع مجاهد سماه معاوية (فتى العرب). الشوق يوم انه بغاني بغيته ما طمّحوني عنه كثر العشاشيق واليوم يوم انه رماني رميته رمية (وضيحى) رموع التفافيق (شاعرة) ويجري على من مات دمعي وماله بكيت ولكني بكيت على نفسي (الشريف الرضي) بالحكي واهل الحكي ماني بمكلوف كل حصيله له، وانا لي حصيلي في حضرتي يعجم لسانه من الخوف وان غبت جاله في قفاي تهليلي (عبدالله بن رمضان) لي الله من قلب جزوع ومن هوى نزوع ومن دهرٍ كثير عجايبه أدعو عليك وعينُ الله لم تَنَم واستجير به في حالك الظلمِ أدعو عليك وعين الله لم تنم واستجير به في حالك الظلم وأسأل القادر القهار بعطشك في شل اليمين التي تغتال بالقلم وان يشل من التفكير صائبه حتى يعالج كبد البغي بالوهم ويرتمي بائساً يشكو صنائعه مثل الجريح الذي بين الكلاب رمي هذي نهاية من أزرى الزمان به وسام غدراً وتسويفاً بكل ظمي أين البراءة في أسمى توهجها أين الصلاة وتقوى الله في الحرم؟! أدعو عليك وعين الله لم تنم حتى تعود إلى الإنصاف والقمم (عبدالله بن سالم الحميد - من أكثر الشعراء وفاء) المذيع ناصر الراجح من أفضل الأصوات التي تقدم تراثنا الشعبي، في صوته أصالة عريقة، ولديه ثقافة واسعة بتراثنا شعراً ونثراً، وفي الحكم والأمثال والقصص، والكلمات الشعبية التي أصلها فصيح.. شخصياً لا أعرف أبا سلطان، ناصر الراجح، ولكنني من هواة الاستماع إلى الإذاعة عامة، وإلى برامجنا الشعبية خاصة، وبجانبي قبل النوم رادو، هو سميري من عشرات السنين، قبل النوم وبعد اليقظة وفي السيارة، أسعد كلما سمعت المذيع المتألق ناصر الراجح يقدم لنا برامجه الشعبية بلهجتنا الأصيلة وبصوت شامخ ومخارج حروف سليمة وقوية.. حتى في برامجه الأخرى وفي قراءة الأخبار يمتاز هذا المذيع بفصاحة واضحة وقوة محببة في الصوت. تحية صادقة له ولإذاعة المملكة من الرياض التي فيها زملاء أعزاء تعاونت معهم أكثر من ربع قرن، منذ كنت طالباً في الثانوية أكتب (يا أخي المسلم) ويلقيه الأستاذ الكبير زهير الأيوبي الذي كان مدير الإذاعة آنذاك، ونعم الرجل هو خلقاً وعلماً وصوتاً ومهنية.