عنوان الموضوع هو عنوان كتاب مخطوط للأديب المؤرخ الجغرافي الراحل سعد بن عبدالله الجنيدل رحمه الله (ت 1427ه) أعدّه بمناسبة الاحتفال بمئوية التأسيس حيث كان فراغه منه في يوم السبت الموافق لليوم الخامس من شهر صفر سنة 1419ه للهجرة، وكان قد تحدث عن هذا الكتاب في كثير من لقاءاته ومجالسه لكنه لا يزال مخطوطاً، وهو اليوم من محفوظات دارة الملك عبدالعزيز التي شرفتني بالاطلاع عليه مشكورة، ولا شك أن في خزائن الدارة من الكنوز التاريخية جواهر ولآلئ كثيرة العدد وغالية الثمن من الوثائق والمخطوطات التي تنتظر الباحثين الجادين الذين ترحب بهم الدارة للاستفادة منها خدمة للتاريخ والوطن ونجد الفرصة مواتية بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثمانين للتنويه عن دورها الذي تضطلع به كمركز علمي مهم لكل الباحثين. كما أن ذكرى اليوم الوطني هي أجمل توقيت للتعريف بكتاب الجنيدل التاريخي الوطني ولفت النظر إليه ، حفظاً لريادته في التعامل مع الشعر الشعبي كمصدر من مصادر التاريخ السعودي الحديث، وتأكيداً على أهمية الاستعانة بالشعر الشعبي في دراسة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من تاريخ بلادنا . ويمكن اعتبار هذا الكتاب من أوائل الكتب إن لم يكن أولها التي اعتمدت بشكل كامل على الشعر الشعبي في توثيق تاريخ الملك عبدالعزيز في جوانبه العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد جمع الجنيدل في كتابه الذي جاء في 220 صفحة نصوصاً شعرية لواحد وخمسين شاعراً وشاعرة تتعلق بالملك عبدالعزيز وصنّفها في أربعة أبواب: حيث تضمن الباب الأول قصائد المعارك والانتصارات التي رتبها ترتيباً زمنياً بتاريخ الوقائع مع تدوين تعريف موجز بكل معركة معتمداً على بعض المراجع وبعض الروايات التي نقلها عن المعايشين للأحداث وقد تناول في هذا الفصل أحداث 25 وقعة تاريخية ، أما الباب الثاني خصصه لقصائد المديح بشكل عام ، في حين خصص الباب الثالث لقصائد العرضة بشكل خاص، أما الباب الرابع فحوى قصائد الرثاء والتعازي، وقد رتب النصوص في الأبواب الثلاثة ترتيباً هجائياً حسب أسماء شعرائها وهو في جميعها يعرّف بالشاعر ويعلق على القصيدة شرحاً وتوضيحاً. وقد صدّر الكتاب بمقدمة وتمهيد وألحق به خاتمة وقائمة بالمصادر وفهارس للشعراء والمعارك والأعلام والقبائل والأمكنة وفهرساً للموضوعات مضمناً عناوين القصائد. والحقيقة أن هذا الكتاب بمادته الثرية يكتسب أهمية خاصة من شخصية مؤلفه فمن المعروف أنه من جمّاع الشعر الشعبي المهتمين به ومن دارسيه المتمكنين منه والذين بذلوا جهدهم في وقت مبكر في تتبع الرواة وتسجيل مروياتهم واستفادوا منها ووظفوها توظيفاً علمياً في مؤلفاتهم التاريخية والجغرافية والتراثية، ولذا فلا غرابة أن يتضمن الكتاب بعض المعلومات عن بعض الحوادث التاريخية التي توصل إليها عن طريق الرواية الشفوية ولم ترد في المصادر المكتوبة، كما أن من مزايا الكتاب أن جلّ القصائد الواردة فيه هي لشعراء عاشوا في عهد الملك عبدالعزيز وعايشوا أحداثه وربما شاركوا في بعضها ومن هنا فهي أشبه بشهادات لحظية للأحداث قيدت في أبيات من الشعر، وقد انفرد الكتاب بتوثيق بعض المعلومات والقصائد التي لم ترد عند غيره حسب اطلاعي ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: قصيدة لمحمد بن عبدالله العريفي (ت 1395ه) وثقت حادثة تاريخية وقعت في عام 1333ه ومطلعها: ياليتني بالعين ما شفت سوّاد ولا خذت يا غازي حمايض علومه قصيدة لسعود بن خزيم السبيعي (ت1400ه) في معركة شار التي شارك فيها سنة 1351ه ومنها: سندا وكنا حادرين من طويل هبوا وهب لنا النصر مثل الولام هم فوق وأنّا ساندين بتهليل يبرى لنا حظ الملك ولد الإمام قصيدة حمد بن عبدالله بن فواز السبيعي بمناسبة إنشاء القنصلية السعودية في البصرة ومطلعها: يالله ياراعي الثنا والجميلِ يا والي الدنيا ويا مدير الأفلاك قصيدة لسليمان بن قماع مطلعها: يالله يا والي تصرّف ليالها يا والي الدنيا عليك اعتدالها أورد المؤلف معلومة عن زواج الملك عبدالعزيز من دليّل بنت سيف العريفي وحدد تاريخ زواجه بها في عام 1333ه موثقاً لأبياتها التي قالتها في الملك عبدالعزيز ومطلعها: البارحة ما أمسيت نومي تكدر والعين عيّت تهتني بالرقادي أبيات لعبدالله بن علي بن ماضي منها: شيخٍ على الناس عالية مواكيره وإلى شهر راحت الشيخان وبرانِ هو نصرة الدين دايم ما نبي غيره الله يعزه ويخزي كل شيطانِ قصيدة ناصر بن رازن (1360ه) مطلعها: ردّوا سلامي لأخو نورة كحيلان عبدالعزيز اللي حكم نجد كلّه وقل له ترانا في الطلب وين ما كان وأموالنا وأرواحنا فدوةٍ له قصيدة عبدالعزيز بن محمد العريفي ومنها: الله يعزّ الدين وجنود الإمام عبدالعزيز اللي زكت فعايله وعياله اللي كنّهم دولة نظام هم درعه الضافي وهم سلايله والمؤلف لم يقتصر في كتابه على القصائد المختصة بمناسبات المعارك والانتصارات بل أورد قصائد في مناسبات تاريخية أخرى حيث أورد على سبيل المثال قصيدة هويشل بمناسبة محاولة اغتيال الملك في الحرم المكي عام 1353ه وقصيدة لابن خزيم في نفس المناسبة ، كما أورد قصيدة العقيلي بمناسبة لقاء رضوى بين الملك السعودي والملك المصري عام 1364ه ، وكذلك قصائد العقيلي وابن خزيم ولويحان وأبوماجد بمناسبة سفر الملك عبدالعزيز إلى مصر عام 1365ه . وقد عمل المؤلف بشكل عام على توثيق القصائد بالإشارة إلى مصادرها الذي نقل عنها ولكن جاء عدد منها دون توثيق فإذا علمنا أنه من جمّاع الشعر الشعبي ومدونيه المعروفين وأنه أشار في المقدمة إلى استفادته من الرواة كما شكر في الخاتمة شخصيات محددة بأسمائها زودته بشيء من النصوص مثل عبدالرحمن السويداء ومحمد الحمدان ومعيض البخيتان ومهنا السبيعي إضافة إلى تضمينه الكتاب قائمة بالمصادر والمراجع التي أفاد منها فإن ذلك لا يقلل من شأن الكتاب فكرة ومنهجاً ومضموناً. وأخيراً فإن الجنيدل يؤكد في نهاية كتابه بأن كتابه لا يضم كل ما قيل في الملك عبدالعزيز من الشعر ولكنه يمثّل نموذجاً حياً من سيرة الملك عبدالعزيز وأمجاده في وقت أصبح الإلمام بكل ما قيل في الملك عبدالعزيز من الشعر صعباً للغاية وذلك أن شعراءه قد فارقوا الحياة والرواة الذين أخذوا عنهم كذلك قد تخرمتهم المنية ولكنه ،رحمه الله، بذل جهداً مشكوراً ومتواصلاً في جمع نصوص هذا الكتاب والتعليق عليه وترتيبه حتى أخرجه بهذه الصورة في زمن لم يلتفت كثير من الباحثين والمؤرخين إلى أهمية الشعر الشعبي في التأريخ الوطني فكان سباقاً إلى ذلك في فكرة كتابه ومنهجه ومضمونه. ولكي نكون أقرب إلى الموضوعية ولأن كل عمل بشري لا يخلو من ملاحظات فإن بعض معلومات هذا الكتاب بحاجة إلى مراجعة وتوثيق كما أن إعادة النظر في ترتيبه سيقدمه بشكل أفضل، إضافة إلى أن تضمنه قصيدة لا تتوافق مع المنهج الذي حدده المؤلف وكان الأولى عدم إدراجها، كما أن هناك أبياتاً وألفاظاً محدودة ربما ينظر إليها بنوع من الحساسية في حين أنها قد تعكس صورة واقعية ماضية تمثل مرحلتها التاريخية فلا يجب أن ينظر إليها خارج الإطار الوطني.