بلغ الفائض التجاري الصيني مستوى قياسياً في شهر أغسطس الماضي وذلك للشهر الثاني على التوالي، حيث كان 49.8 مليار دولار في أغسطس و47.3 مليار دولار في يوليو، بزيادة نسبتها 30% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. ودعم هذه الزيادة في الفائض كل من الزيادة في حجم الصادرات واستقرار مستوى الواردات، الأمر الذي قد يدفع الولاياتالمتحدة لطلب رفع قيمة اليوان. في أغسطس، تقلّصت الواردات بنسبة 2.4% على أساس سنوي للشهر الثاني على التوالي، بعدما كانت النسبة 1.6% في يوليو. يعكس هذا التقلص ضعفاً في الاقتصاد المحلي، إذ قاده انخفاض في الواردات العادية التي تستخدم للاستهلاك والتي انخفضت بنسبة 3.2% على أساس سنوي في يوليو الماضي، وبنسبة 6.9% على أساس سنوي في أغسطس. وإن تم استبعاد السلع، تصبح نسبة التقلّص أكبر لتصل نسبة 11.8% على أساس سنوي في أغسطس. وعلى عكس ذلك، شهدت واردات المنتجات التي تستخدم للتجميع أو التي يتم تحويلها لإعادة تصدير المنتج، نمواً وعلى وجه الخصوص في الأشهر الستة الأخيرة، إذ بلغ النمو في أغسطس نسبة 3.5% على أساس سنوي. إجمالاً، كان حجم الواردات ضعيفاً طوال العام. كان الانخفاض الذي شهدته الصين على مستوى الطلب الاستهلاكي المحلي، وليس في الطلبات القادمة من الدول الأخرى. لم يتعاف الطلب المحلي على الرغم من البرامج التحفيزية الصغيرة التي وضعتها الهيئات هذا العام لدعم الصرف المالي على السكك الحديدية والإسكان وقطاع الطاقة ولتخفيف السياسة النقدية المستهدفة. مع أن نمو الصادرات قد انخفض نسبياً إلى معدل 9.4% على أساس سنوي في أغسطس بعد أن كان النمو بمعدل 14.5% في يوليو، لا يزال هذا القطاع يتقدم منذ بداية العام. ومن الواضح أن الاقتصاد العالمي قد أصبح أقوى هذا العام وهو ما تظهره بيانات التبادل التجارية العالمية. لم تبلغ معدلات النمو مستواها ما قبل الأزمة المالية، ولكن متانة الاقتصاد الأمريكي والتعافي التدريجي في منطقة اليورو يدعمان الصادرات العالمية. وبالفعل، ساهمت القفزة في الطلب القادم من منطقة اليورو بالحصة الأكبر في نمو الصادرات الصينية، وتلاها الطلب من الولاياتالمتحدة، حيث شحنت الصين في أغسطس منتجات أكثر بنسبة 12.5% إلى منطقة اليورو، وأكثر بنسبة 11.4% إلى الولاياتالمتحدة، مقارنة بالعام الماضي. كان حجم الصادرات الصينية إلى هاتين المنطقتين قوياً وأيضاً بمستويات مستقرة طوال العام، بالرغم من التباطؤ الخفيف في أغسطس. أما دول آسيان (اتحاد دول جنوب شرق آسيا)، فقد شهدت التوجه ذاته للعلاقة بين الصينوالولاياتالمتحدة. في محاولة الصين للتحول من اقتصاد يعتمد على الاستثمار إلى اقتصاد يدفعه الاستهلاك المحلي، قبلت الصين بمستوى أقل في النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي. عندما نقارن الفترة ما بين 2004 و 2008 بالفترة ما بين 2009 و2013، يتضح أن الصادرات والاستثمارات قد انخفضت بشكل ملحوظ من نسبة 36.6% إلى نسبة 27.6% من الناتج المحلي الإجمالي للصادرات، ومن 42.8% إلى 23% للاستثمارات، في حين نمت حصة الاستهلاك المحلي منه. لكن قفزة الصادرات هذا العام وتباطؤ الواردات العادية تعكسان عزوف الصين للتضحية بمزيد من النمو من أجل الإصلاحات. من المتوقع أن تستمر الحكومة في الصرف، وأصبح للبنك المركزي الصيني مبادرات أكبر لتخفيف السياسة هذا العام، بما في ذلك نسبة الاحتياطي النقدي أو انخفاض أسعار الفائدة، بسبب التضخم. لم يظهر سوق العقار بعد علامات انتعاش على الرغم من التحفيز، والأمر ينطبق على الاستهلاك والقطاع الصناعي. ما زال طريق الانتقال الاقتصادي طويلاً، وما قد يكون مهماً على المدى القصير يعكس فعلياً توجهاً على المدى الطويل. كيف يؤثر ذلك على دول مجلس التعاون الخليجي على المدى القصير؟ قفزت واردات الصين من نسبة انخفاض بنسبة 9% على أساس سنوي في يوليو إلى نمو بنسبة 17.5% على أساس سنوي في أغسطس؛ لكن واردات النفط الخام غير مستقرة. منذ بداية العام الجاري ولغاية أغسطس، نمت واردات الصين من النفط الخام في الحجم بمعدل متوسط بلغ 8.5% على أساس سنوي، مقارنة بنمو للفترة ذاتها من عام 2013 بلغ متوسط 3.6% على أساس سنوي. أما في قيمة الواردات، نمت الواردات بمتوسط 9.5% على أساس سنوي في 2014، مقارنة بنمو سلبي بلغ -0.8% على أساس سنوي في2013. إن عودة الصين موقتاً إلى نمو تقليدي بعتمد على الاستثمار والصادرات سيدعم طلبها على المنتجات النفطية من دول الخليج. * من شركة آسيا للاستثمار