قد يتساءل بعضنا من هو "الحاضر المغيب" ولمن لا يعرفه هنا؛ أقول بكل أسف شديد؛ إنه "الأخصائي الاجتماعي"؛ فهو الحاضر بعلمه وتأهيله، وهو الشخص المؤهل والمعد نظريا وتطبيقيا للعمل على تقديم المساعدة وحل المشكلات والوقاية من الوقوع في بعضها وتخفيف الضغوط للمجتمع وأفراده؛ فخلال أربع سنوات قضاها ذلك المختص؛ اشتملت على دراسة لنظريات وطرق ومجالات عمل ومبادئ ومهارات وأساليب للممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية والالتزام بميثاق أخلاقي لتلك المهنة الإنسانية التي تعنى وتستهدف خدمة حاجات المجتمع وأفراده وحل مشكلاته وتنمية روح الولاء والانتماء لديهم. ولابد هنا من تقديم لمحة خاطفة وموجزة عن طبيعة المهمة الفاعلة والشمولية لعمل الأخصائي الاجتماعي؛ فلمهنة الخدمة الاجتماعية مبادئ يلتزم الأخصائي الاجتماعي بها؛ كمبدأ التقبل وتكوين العلاقة المهنية والسرية وحق تقرير المصير وغيرها من المبادئ التي لا يسعني هنا ذكرها وتفصيل الحديث عنها، كما يشتمل عمله في عمليات التدخل المهني القائمة على الدراسة والتشخيص والعلاج؛ فالدراسة تكون وافية للحالة والمشكلة بكافة أبعادها وجوانبها ومن ثم تشخيصها للوصول إلى طريقة العلاج المناسبة؛ فالأساليب العلاجية عديدة ومتشعبة وكما أن عمله مرتبط بنظريات مفسرة للمشكلات التي تمت دراستها، وهذه النظريات عديدة فمنها على سبيل المثال: نظرية التعلم الاجتماعي والنظرية الوظيفية ونظرية الصراع ومدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية ونظرية التغير الاجتماعي وغيرها من النظريات التي يلم بها الأخصائي الاجتماعي ويستعين بها في تفسيره للمشكلات وتمكنه من حلها. وإضافة لأدوار الأخصائي الاجتماعي المتعددة؛ فهو الممكن والمدافع والمستثير والخبير والملاحظ والباحث والمحلل السياسي الاجتماعي والمخطط الاجتماعي وغيرها من الأدوار التي تخوله المشاركة في صنع السياسة الاجتماعية لمواجهة المشكلات التي يعاني منها المجتمع وأفراده؛ فهو يعمل على تحقيق الأمن الاجتماعي. والقصد من هذه اللمحة هو الاستجابة لما يمليه الإحساس بالمسؤولية والأمانة تجاه إيضاح دور الأخصائي الاجتماعي المهني والحيوي والحساس والذي تعرفنا فيه على ذلك "الحاضر المغيب" عن مواقع كثيرة وحساسة؛ وفي طليعتها المؤسسة التعليمية التي هي واحدة من أهم الميادين وأكثرها حساسية والتي هي في أمس الحاجة لوجود الأخصائي الاجتماعي فيها، ونحن نعلم ونرى على أرض الواقع ما يحدث من تجاوز للتخصص واستباحة لدوره الحساس في التعامل مع المستفيد "الطالب" وحل مشكلاته وهو الذي يعد أهم ثروة وذخر للوطن والأمة؛ وذلك بإناطة هذا الدور لغير المختص. وها نحن نرى ونسمع عبر وسائل الأعلام المقروءة والمرئية والمسموعة عن بعض التجاوزات الصادرة من الطلاب وحوادث التعدي على المعلمين، وعن كثرة المشكلات السلوكية والنفسية والاجتماعية والفكرية وهذا انعكاس لعدة عوامل يأتي في طليعتها غياب ذلك "الحاضر المغيب" وهو "الأخصائي الاجتماعي" المؤهل كما أنه ليس بغائب عن العيان ما يمر به المجتمع وما نسمع فيه عن ظهور فئات وجماعات تحريضية تعمل على إفساد وتضليل يستهدف شباب الوطن وإشاعة الأفكار الضالة، فالمشكلات الفكرية خطيرة وتحتاج لعلاج ومواجهة ووقاية لحفظ أمن المجتمع وسلامته وذلك جزء من مسؤولية الأخصائي الاجتماعي وعمله النابع من أدواره الوقائية والتنموية والعلاجية؛ فتلك المشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية والفكرية تؤدي وتفرز بالتالي مشكلات أمنية وهذا يمثل عبئا على الوطن وأجهزته المختلفة من جهة، ويهدد أمن الوطن واستقراه من جهة أخرى، وإذا لم ينظر للموضوع بشيء من التعمق والجدية، ووضع الحلول الفاعلة لمواجهة هذه المخاطر فإن تلك المشكلات سوف تتفاقم خصوصا ونحن في عصر الانفتاح الإعلامي وتعدد وسائطه وتلقي المؤثرات السلبية من جهات متعددة، وما ينشأ عن ذلك من ضلالات وفتن، مما يتطلب منا عناية ووقاية بطرق علمية منهجية وحلول مناسبة؛ ونجد أنه من أهم هذه الحلول الوقائية والعلاجية تمكين "الأخصائي الاجتماعي" من القيام بدوره المطلوب في المؤسسة التعليمية وغيرها، وإتاحة الفرصة له للقيام بعمله المنوط به وهو المعد في الأساس من قبل المؤسسة التعليمية الحكومية التي خرجته لتحقيق هذه الأهداف، ولا شك في أن هذا التمكين للأخصائي الاجتماعي سيعود بنتائج إيجابية وملموسة بإذن الله تعالى. ولذلك فأملنا وثقتنا برؤية مقام وزير التربية والتعليم الذي لا نشك في رغبته في الإصلاح وحرصه على تمكين المؤسسة التربوية والتعليمية من تحقيق أهدافها الأساسية في تربية الإنسان وتنميته وتحقيق الأمن الاجتماعي الذي يشمل الأمن التعليمي والتربوي والفكري والنفسي. لذلك نتطلع ونأمل من مقام سمو الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم النظر إلى الموضوع بعناية والعمل على إعادة الأخصائي الاجتماعي إلى المؤسسة التعليمية وتفعيل دوره وتمكينه وإعادة مسماه إلى أصله في السابق "الأخصائي الاجتماعي" والمساهمة في التصنيف بشكل يصف ويحدد بدقة وظيفة "الأخصائي الاجتماعي" خريج الخدمة الاجتماعية لدى وزارة الخدمة المدنية؛ التي لا نشك في أن المسؤولين فيها يشاركوننا الإحساس بأهمية تمكين الأخصائي الاجتماعي من أداء دوره المهني والوطني، والمساعدة في تحقيق توظيفه وتمكينه من أداء مهمته التي أمضى سنوات تعليمه من أجل تحقيقها؛ حيث لا يوجد تصنيف دقيق في وزارة الخدمة المدنية للأخصائي الاجتماعي خريج الخدمة الاجتماعية؛ فهناك لبس في التصنيف ويجب التفريق بين "الباحث الاجتماعي" وهو خريج علم الاجتماع و"الأخصائي الاجتماعي" وهو خريج الخدمة الاجتماعية فكلاهما تخصص يختلف عن الآخر في طبيعة العمل. وبعد تعرفنا على ذلك "الحاضر المغيب" وعلى واقعه نتطلع وننتظر بكل أمل وتفاؤل لقرار منصف صائب حكيم مسؤول يضع الأمور في نصابها الصحيح.