الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فإن الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة بمعالي وزيرها الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ في تفعيل المسجد في المجتمع لهو أمر واضح للعيان، وما الملتقى الذي ينظمه فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة الرياض حول دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية إلا برهان ساطع على نشاط الوزارة في إبراز دور المساجد (بيوت الله) في تحقيق الأمن الفكري وتعزيز القيم الوطنية لدى الشباب. فمعلوم أن كثيراً من الخير والهدى والصلاح إنما يكون في هذه المساجد التي هي بيوت الله عز وجل، فلا غرابة إن كانت هي أول ما اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته للمدينة حيث بدأ أول ما بدأ بتحديد مكان المسجد وبنائه وفي ذلك رسالة للمسلمين جميعاً أن يهتموا بالمساجد ويولونها العناية فهي منطلق النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكان جلوسه ولقائه بأصحابه وجل التكاليف الشرعية والتعليمات الدينية كانت تصدر منه فحري بنا ان نسلط الضوء على هذه المساجد والمنابر ودورها في تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب ونرى بعض المعالم في الانتفاع بها. وفي البداية أود أن أبين كمقدمة بسيطة مكانة المساجد في الإسلام وبعض فضائلها: أولاً: فضيلة ان المساجد بيوت الله: أضاف الله عز وجل المساجد إليه إضافة تشريف وتكريم، وفي ذلك إشارة إلى أهميتها وعظمتها، وأهمية دورها في الصلة بمنهج الله، وفي التعرف على الله عز وجل وفي الحث على السير إلى رضوان الله سبحانه وتعالى وسلوك طريقه جل وعلا فالله سبحانه وتعالى يقول: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا). فهي مساجد الله تضاف إليه سبحانه وتعالى لأن فيها تقام العبادات التي يخضع بها العباد له سبحانه وتعالى وفيها تتلى آياته وفيها يذكر الناس بمنهج الله والطريق الموصلة إليه. ثانياً: فضيلة عمران المساجد بالحضور والمداومة: كما في قوله عز وجل: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى أولئك ان يكونوا من المهتدين). ثالثاً: فضيلة البناء والتشييد: وردت أحاديث كثيرة في فضل بناء المساجد، كما في حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله به مثله بيتاً في الجنة) رواه الخمسة إلا أبو داود. رابعاً: فضيلة السعي إلى المساجد: ورد في فضل السعي إلى المساجد ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح) متفق عليه. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم كما في حديث مسلم أنه: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة إنه كلما خطا خطوة إحداهما تحط عنه خطيئة والأخرى ترفع له درجة)، وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أيضاً وأبي داود: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً)، وبنو سلمة لما أرادوا ان ينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)، أي الزموا دياركم وسوف تكتب آثار سيركم إلى هذه المساجد. خامساً: المساجد أحب المواطن إلى الله: في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) أخرجه مسلم في صحيحه. سادساً: ان الرجل الذي يعلق قلبه بالمساجد يظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلاّ ظله، في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ورجل قلبه معلق بالمساجد). في الحديث عن صلى الله عليه وسلم انه قال: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه). ثامناً: فضل تنظيف وتطييب المسجد: في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رجلاً أو امرأة كان يقم المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يقم المسجد - يعني يزيل الأذى وينظف المسجد - فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقالوا: مات، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا آذنتموني! دلوني على قبره، فلما دلوه قام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه). تاسعاً: من فضائل المسجد ان الإسلام جعل للمسجد تحية تصلى فيه ركعتان تعظيماً له. عاشراً: من فضائل المسجد ان الله تعالى توعد من منع مساجد الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه، وحارب عمارتها وحارب أهلها، قال الله عز وجل: (ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) من اظلم من هؤلاء؟ والجواب ليس هناك أظلم منهم وهذا تقدير الجواب، وهذا سؤال على سبيل التعظيم والتهويل لهذا المعنى، أي ليس هناك أعظم جرماً وظلماً ممن منع مساجد الله ان ترفع وان تشاد، وان تبنى وان تعمر بذكره سبحانه وتعالى. من خلال ما سبق وغيره يمكن استثمار هذه الفضائل في تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب، إذ يراد من المسجد ان يكون الواحة التي يستظل بها الناس من هجير الدنيا وتعبها ونصبها وهو الزاد الإيماني الذي يستقي منه أهل الإيمان ليستطيعوا مواجهة الباطل، ومواجهة بهرج الدنيا وتنازع النفس ووساوس الشيطان وينبغي ان يقي من الأفكار الهدامة والمضللة ويمنح الأمن للفرد والمجتمع. كما ان تعلق قلب المسلم بالمساجد وارتياده لها وعبادة الله تعالى فيها يجعل المسلم متعلقاً بربه، ملتزماً بأحكام دينه مطمئن القلب وسطي الفكر والتوجه محباً للخير والعمل الصالح، بعيداً عن وساوس الشيطان واضلاله بتوفيق ربه، كل ذلك يكون لدى الشاب المسلم أمناً فكرياً وراحة نفسية واعتدالاً في المنهج والعمل وبعداً عن الغلو والتطرف. إن المسجد أيها القارئ الكريم أحد الدوائر التربوية المؤثرة والضرورية في توعية الشباب وتعديل سلوكياتهم وتصحيح أفكارهم وتثبيت عقيدتهم ووقايتهم من الغزو الفكري. ولكي يعزز دور المسجد في العصر الحالي لابد من تفعيل نشاطاته بما يتوافق مع القضايا المعاصرة وتقديم الحلول الشرعية المناسبة لها وعلى رأسها قضية الأمن الفكري، ولكي يتم ذلك التعزيز لابد من حسن اختيار أئمة المساجد وان يكونوا ممن يشهد لهم بالفضل والعلم والفكر المتزن. ولابد من تطوير خطب المساجد في مناقشة مشاكل المجتمع وتقديم الحلول الشرعية الصحيحة لها، من خلال شرح آيات القرآن والحاديث النبوية التي تحث على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار، كما ان للمسجد دوره الفعال في جمع شمل أفراد المجتمع واشاعة المحبة والألفة والسلام بين أفراده، ونبذ العنف والفرقة والتناحر والتنابذ بين المسلمين، بما يحقق مفهوم الأمن الفكري وينبذ التطرف بكل معانيه جانباً. كما لا يخفى ان ربط الشباب بولاة أمورهم وعلمائهم، من خلال الخطب والدروس والكلمات في المساجد والحث الدائم على لم الشمل وعدم الوقوع في الفرقة التي يبغضها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يعزز الأمن الفكري لدى الشباب، قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) (آل عمران: 103). اسأل الله تعالى ان تكلل جهود القائمين على هذا الملتقى، وان يجعل الله ما قدموه في موازين حسناتهم، وان يحفظ علينا ديننا وبلادنا وولاة أمرنا، وان يقينا شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.