دشنت وزارة العدل مؤخراً منظومة المحاكم المتخصصة التي بدأت بانطلاق محاكم الأحوال الشخصية في إطار الدعم الكبير الذي يلقاه جهاز العدالة من مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، حيث ستسهم هذه المنظومة الجديدة في تخفيف الأعباء القضائية على المحاكم العامة وهي الخطوة الأولى نحو الطريق الصحيح. ويعد بدء العمل في هذه المحاكم بمثابة نقطة تحول كبيرة في تفعيل النظام القضائي الحديث، إثر صدور نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية، ومن ثمَّ استكمال الاستعدادات البشرية والإجرائية والإدارية، حيث ستسهم هذه الانطلاقة في تخفيف الأعباء القضائية على المحاكم العامة، من خلال نقل كثير من اختصاصاتها، وهذا التحول النوعي سينعكس على قرب مواعيد الجلسات، وسرعة إنهاء القضايا، إضافة إلى تركيز القضاء في تخصص واحد. وفي ظل التطور النوعي الذي يشهده مرفق القضاء يستوجب النظر إلى ثلاثة محاور جديرة بالاهتمام في كيفية توعية المجتمع بشكل عام، وتحديداً المرأة تجاه المطالبة بحقوقها، وذلك فيما يتعلق بالقضايا التي تعنيها، كالحضانة، والإرث، والخلع، والطلاق، في الوقت الذي تبلغ فيها نسبة القضايا الأسرية المنظورة في المحاكم (60%) من إجمالي القضايا، ودور مكاتب الصلح في إنهاء القضايا أو في الإجراءات المرتبطة، خاصة في ظل قلة الوعي للزوجين بتقديم الأسباب المقنعة للانفصال. ثقافة حقوقية وكشف "ماجد قاروب" - محام - عن وجود مشكلة عامة في المجتمع السعودي تتمثل في ضعف الثقافة الحقوقية والشرعية، من ناحية الحقوق والواجبات، مبيّناً أنّ هذا الضعف يزداد حجمه إذا ما تحدثنا عن الشق المتعلق بالمرأة التي هي أبعد ما يكون عن معرفة أبسط حقوقها الشرعية في مثل هذه الأمور المتعلقة بالأموال، والتركات، إضافة إلى الحضانة، والولاية، والنفقة، موضحاً أنّ ما يزيد هذا الضعف والجهل في المقام الأول هو تحكم العادات والتقاليد وثقافة العيب والمجتمع الذكوري في كل ما يتعلق بشأن المرأة، الذي أدى إلى هدر فكرة أنّ هناك حقوقا من الأساس للمرأة، لافتاً إلى أنّه من العيوب ضعف المؤسسات الاجتماعية والخيرية الخاصة بالمرأة؛ لأنّها تعاني أصلاً من ضعف الثقافة الحقوقية، وغياب الفكر القانوني والحقوقي لديها، وحداثة وجود متخصصات في الحقوق لدى المجتمع، ولا يزالون تحت إطار التعلّم والتجربة، ويعانون من صعوبات تغلب العادات والتقاليد، وصعوبة العمل والالتحاق بالوظائف الحقوقية، والقيام بمهامهم كمحاميات أو حقوقيات. وقال إنّ هذا انعكس على عدم وجود أي اثر لبعض الجهود المشكورة والمقدرة لبعض الجمعيات الخيرية المتميزة أو البرامج، على اعتبار غلبت السائد من العادات والتقاليد على محاولات نشر وتعميم ثقافة الحقوق، التي فشلت فيها هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان للأسباب نفسها، لافتاً إلى أنّ الواقع الذي تعيشه المحاكم بوضعها الحالي لا يمكّن فكرة الصلح ومكاتب الصلح من تنفيذ الأجندة الإصلاحية؛ لأنّها تحتاج إلى فكر وثقافة ومعرفة وإلمام بالحقوق والواجبات المتساوية للطرفين، إضافة لمناخ عام لممارسة هذا العمل، من حيث المكان وتجهيزاته، وبيئة العمل، وطبيعة العاملين فيه، ولذلك لم تتمكن في الحقيقة من أداء رسالتها، بل أصبحت جزءا من عقبات حصول المرأة على حقوقها المشروعة أمام القضاة، ما يعني أنّ المحصلة النهائية لمكاتب الصلح على مستوى المحاكم بالمملكة أنّها لم تنجح فيما هو مطلوب منها في إصلاح الشأن والتوفيق في قضايا الأحوال الشخصية بين الزوجين، التي يتجسد فيها لدة الخصومة بينهما وأسرهم، ما ينعكس سلباً على الأطفال داخل الأسرة، فهم الضحية الأولى والأكبر من سوء التعامل. وأضاف أنّ إنشاء محاكم الأحوال الشخصية في مناطق المملكة ومحافظاتها مع توفير العدد المناسب من القضاة لكل محكمة أهمية عاجلة لسرعة الفصل في قضايا الأسرة التي هي نواة المجتمع السعودي واستقراره، وهو من أهم متطلباته التي تحرص الدولة على توثيق أواصرها، خاصة أنّ (60%) من القضايا المنظورة في المحاكم العامة هي قضايا أسرية وأحوال شخصية، موضحاً أنّ محاكم الأحوال الشخصية تحتاج إلى عناية كبيرة في تصميمها العام من الخارج والداخل، وكذلك قاعات الانتظار والتقاضي؛ لمراعاة وجود الأطفال، والقصر، والحالة النفسية السيئة التي يكون فيها المتخاصمون في قضايا خلع، أو طلاق، أو نفقة، أو نزع ولاية، أو عقوق والدين، مع ضرورة توظيف كوادر نسائية متخصصة في القانون، والشريعة، وعلم النفس، والاجتماع؛ للمشورة والإرشاد والإصلاح، وتوفير عددٍ كافٍ من قضاة التنفيذ، حتى يتم تنفيذ أحكام محاكم الأحوال الشخصية بشكل فوري وعاجل. وأشار إلى أنّ الضعف الذي نتحدث عنه فيما يخص قضايا الأحوال الشخصية من أسبابه الأساسية التعامل القضائي مع تلك القضايا، التي لا تمارس الضبط والردع القضائي ضد المتلاعبين ومن يتقدم بدعاوى كيدية أو وهمية لإطالة أمد التقاضي، وزيادة تعقيده للإضرار بالطرف الآخر، ولذلك كل ما يتم إحداثه من إدعاءات غير صحيحة وباطلة حيال النسب، والأمانة، والشرف، والنزاهة، لم تلق الردع المنصوص عليه بالنظام بمعاقبة أصحاب القضايا الكيدية، وهذا أدى إلى تعطيل المصالح المبتغاة من اللجوء للقضاء، وأدى إلى اثر سلبي على قضايا الأحوال الشخصية بشكل أكبر. مؤسسات إصلاح ورأى "د. يوسف الجبر" - محامي وقانوني عضو اللجنة الوطنية للمحامين - أنّ الجهات القضائية بشكلها الجديد أصبحت متطورة بشكل يدعو إلى التفاؤل وبالجودة العالية والقوانين الواضحة، واختصرت مسافة الزمن والجهد على المراجعين، وبالتالي عندما يكون القانون واضحا والمكان مهيأ للنظر في المشكلات وسماع دعاوى المتخاصمين، وعندما يكون هناك تخصص وتركيز في الموضوعات لها وحدة واحدة، معتبراً أنّ هذه الأجواء تدفع المجتمع بمختلف أفراده للإفادة واستثمار هذا المناخ، حيث المطالبة ستجد آذانا صاغية، وسيستمع لها خبير مختص، ولن يكون هناك ازدحام لموضوعات أخرى أو تصنيف لأوليات في هذه القضايا، بل ستكون جميع موضوعات الأسرة محل اهتمام كبير في هذه المحاكم المتخصصة، ومن الأشياء المشجعة أنّ هناك أقساما ستسند أصحاب الفضيلة القضاة في هذه المحاكم، وستكون هناك أقسام لخبرات متنوعة، وسيستفاد من الأخصائيين النفسيين والاجتماعين في هذه المحاكم، وسنجد اقتراب من الأجواء العلمية العادلة التي تكشف الحقائق، وتحلل المشكلات، وتقدم الحلول المناسبة، وستكون الأجواء مناسبة للصلح وتسوية الخلافات في الأجواء الودية، وسيكون هناك مجال لاستثمار طاقة كل المتخصصين من التربويين والتربويات، الذين يمكنهم أن يحلوا المشكلات الاجتماعية. وقال إنّ محاكم الأحوال الشخصية ستكون مؤسسات إصلاح اجتماعية كبيرة وسوف تضيق الدائرة على مشكلاتنا الاجتماعية، وستسمح لأنفاسنا الاجتماعية بالامتداد، وسوف نسعد بأحكام عصرية مناسبة، ولن نسمع عن اجتهادات تذهب لليمين والشمال، أو تغرق في الإفراط والتفريط، بل سنجد أحكامنا مقننة تتفق مع مصالح الناس وبما يتفق مع ثقافة العصر، موضحاً أنّه يبقي دور المجتمع نساء ورجالاً أن يقرأوا عن هذه المحاكم، وأن يتناولوا القوانين التي سوف تخرج تباعاً، وكل يوم سنجد مفاجآت سارة من وزارة العدل، وكما نعطي للاستجمام ومتابعة وسائل الإعلام والترفية وبرامج التواصل الاجتماعي حقها، فلابد أن نخصص جزءًا من اليوم لقراءة قوانين الأسرة والسوابق القضائية، ومدونة الأحوال الشخصية التي ستخرج خلال هذه الأيام في حوالي (30) مجلداً، تحوي كثيرا من الاجتهادات الرائعة للقضاة. وأضاف أننا بحاجة للياقة عالية لكي نقرأ ونستفيد ونعقد الورش لتوعية الجميع عبر الجمعيات الخيرية ومؤسسات التعليم، مشدداً على ضرورة الإفادة من كل منبر تربوي تعليمي لنشر الثقافة الحقوقية، في ظل هذا الوضوح والمناخ الهادئ والقوانين المناسبة، مستدركاً: "حتماً سنتجه إلى مرحلة جديدة من الوئام والسلم الاجتماعي، ولن نجد هذه الثقوب التي تعبث بنسيجنا الاجتماعي، والمجتمع مقبل على مرحلة حقوقية مزدهرة، لكنها تحتاج للتكاتف وأن نغض الطرف عن أخطاء البدايات؛ لأنّ النهايات تحمل أجمل النتائج"، لافتاً إلى أنّ مكاتب الصلح ربما لم تؤد دورها بالشكل المتوقع منها؛ لأنّ تجربتها حديثة، إلى جانب قلة عدد موظفيها، فمكاتب الصلح تعالج موضوعات كثيرة ومختلفة، فتتداخل في عموم القضايا الجنائية والحقوقية، ولم يكن هناك تركيز لإنضاج تجربة الموظفين والمستشارين في المكاتب، بعكس الحالة إن وجدت مكاتب متخصصة، حيث يمكن لمكاتب الصلح أن تؤدي دوراً أفضل وبمراحل. وأشار إلى أنّه ليس من الوفاء أن ننهي الحياة الزوجية بنشر الغسيل، وهتك الستر، وهدم البناء الذي ظل عامراً لسنوات، ونعرض مستقبل الأولاد - إن وجدوا - إلى الحرج أمام أفراد المجتمع، موضحاً أنّ الخلق والوفاء يدفعنا لأن نكون أمناء على أسرار الحياة الزوجية وألا نتعامل بتهور، بل نتذكر المواقف الطيبة، ونحرص على سمعة الأسرة؛ لأنّه في النهاية لا يمكن أن ننهي الارتباط بشكل سيئ مع وجود الأبناء، منوهاً بأنّ أي اندفاع سيضر الجميع، لافتاً إلى أنّه على القضاة في محاكم الحوال الشخصية عليهم مسؤولية تهدئة الطرفين أثناء النقاش وتوجيه النصائح والتركيز في القضية والطلبات التي يريدها كل طرف، من دون الخوض في تفاصيل غير منتجة الدعوة، وفي حال تعرض أحد الزوجين إلى الإساءة الشديدة، فالقاضي لديه في النظام أنّ يعاقب من تجاوز حدوده؛ لأنّ الأمر خرج من حدود الترافع في أروقة المحاكم إلى الإساءة للعرض، والتشهير أمام جهة رسمية، مبيّناً أنّه ينبغي لكل من يذهب للمحكمة ألا يصرح بواقعة تمس الطرف الآخر إلاّ ولديه برهان أو دليل مادي، حتى لا تنعكس عليه القضية، ويجب على الجهات القضائية تحمل مسؤوليتها في الحفاظ على سمعة الأسرة، واختصار الترافع الشفهي، بحيث لا يكتب إلاّ الخلاصة لترشيد الكلام، وحفظ ما لا يليق ويسيئ لسمعة الأسرة. أشخاص مؤهلون وذكر "ياسين خياط" - مستشار قانوني ورئيس لجنة المحامين بجدة - أنّ المرأة اليوم مشكلتها تنحصر في قضايا الأحوال الشخصية على الصعيد الشخصي، ولكن المرأة كمواطنة هي وريثة، وتاجرة، وشريكة، وعندها قضايا تعرض أمام القضاء وتعامل مثلها مثل الرجل تماماً، من حيث مواعيد الجلسات، والحضور أمام القضاء، لافتاً إلى أنّ مكاتب الصلح لم تساهم في تحقيق الغاية من الصلح؛ بسبب تحديد مواعيد اللقاءات والاجتماعات فيما يتعلق بموضوع الصلح، وإجراءات الإحالة من مكتب القاضي إلى مكتب الصلح، ومن ثم تعود إلى القاضي، حيث هذا الأمر يستغرق شهورا طويلة، ومكاتب الصلح وجودها داخل مباني المحاكم غير مهيأة، سواء من ناحية التأسيس أو المظهر العام لها، فالموظفون غير مهيئين لا فكرياً ولا ثقافياً ولا شكلياً، واختيار الأشخاص لا يرقى للمستوى الاجتماعي الذي نعيشه بالمملكة، بل يجب أن يتطور، مفضلاً الاستعانة بسيدات أخصائيات أو رجال مختصين من أهل الخبرة. إجراءات المؤسسة العدلية ساعدت المرأة على الوعي بحقوقها د. ماجد قاروب د. يوسف الجبر ياسين خياط