المسرح ليس مكاناً للتسلية والترفيه والترويح عن النفس فقط، بل هو الحاضن الأول في التاريخ للفن؛ والفنان المسرحي ليس ذلك الشخص الذي امتلك جرأة الوقوف أمام الجمهور فصار ممثلاً وإنما هو الإنسان الخلاق المتفاعل والمثير للأسئلة والمحرض على التفكير. كل هذا لا يعني أن المسرح مكان نكدٍ واجترار حزنٍ كما جسدت كثير من العروض الجادة في المسرح المحلي.. ثمة توليفة، ستتحقق إذا ما دعم الوعي المسرحي، وخاصة في مرحلة عصيبة ووطنية هامة كالتي نعيشها اليوم، من اختراق الفكر المتطرف للشباب واختطافه في حروب عبثية، بينما الوطن اليوم في أمس الحاجة، لساعد كل شاب في دعم الحركة التنموية. من هنا يكون المسرح بوصلة الفن الأولى في مواجهة الإرهاب وخطر التشدد عبر الاعتراف به -أولاً-، إذ لا يوجد أي بناء قائم في البلاد تحت اسم مسرح، وهو أمر مخجل ليس لمجتمع الفن، بل لكل من يدرك أن المسرح هو العلامة الروحية والثقافية الأبرز للمجتمعات الحديثة والمدنية المعاصرة. المسرح، وجه المدينة الآخر ومرآة صادقة لحياة الناس؛ إنه رأس مال ثقافي، نكسب عبر الاستثمار الوطني فيه شبابنا ونعيد رسم وجهنا الحضاري أمام العالم. عباس الحايك مصادرة التطرف الكاتب المسرحي عباس الحايك، يرى أهمية دور المسرح "لو جربنا وأعطيناه فرصة الانخراط في الاستراتيجية الوطنية في مكافحة التشدد والإرهاب". مضيفاً: "لا نبالغ إذا قلنا ان الفن بعمومه، والمسرح أحد هذه الفنون، قادر على ذلك، فالمسرح ملتصق بالحياة الواقعية التي نعيشها، وهو المعني بتشخيص ووضع الحلول للمشكلات الاجتماعية والسلوكية وحتى السياسية التي يواجهها المجتمع، لما يملكه من قدرة على التكيف مع المكان والزمان والطبيعة الاجتماعية، فمن خلال أشكال مسرحية متنوعة يمكن للمسرح أن يعالج القضايا من خلال عرضها على خشبته، ومنها قضية التطرف ومآلتها، كما أن طبيعة المسرح كفن إنساني خالص عابر للتصنيفات الدينية والعرقية والطائفية له القدرة على تحجيم التطرف والإرهاب لو مورس ضمن سياقه الطبيعي والمفترض، وأعطي المساحة الحرة دون قيود ليمارس دوره الحقيقي في مجتمعه". فقط الثقة.. معوقاً ولكن ما المعوقات التي تمنع الفعل المسرحي من أخذ دوره في مواجهة الفكر المتشدد؟ يعلق الحايك: "المسرح لا يمكنه أن يؤدي دوره ويثبت قدرته على المواجهة مع الأفكار المتطرفة التي وللأسف أنتجتها بعض الخطب التكفيرية والتي أنتجت متطرفين وإرهابيين، دون أن يعطى الثقة ويؤسس له كمعادل للمدنية والمعاصرة". مضيفاً: "ففي الغرب وهو الذي نؤمن بتقدمه وتقدميته على شعوب العالم الثالث، لا تخلو مدينة من مسرح، ولا بناء مسرحي يشكل معلماً معمارياً شاهداً على مدنية المكان، مسرحاً يقدم عروضاً يشكل حضورها عادة اجتماعية، وحاجة تربوية من جهة وترفيهية من جهة أخرى، مسرحاً هو حاضنٌ لكل شرائح المجتمع، يلتقون هناك ليتلقوا رسالة المسرح الهادفة، ليشاهدوا ذواتهم تتحرك على الخشبة فيتطهرون من كل سلوكياتهم السلبية، كما يقول أرسطو". اختطاف المسرح ويسأل الكاتب المسرحي السعودي، مناقشاً: "لكن في مجتمعنا، حيث المسرح مهمش ويواجه بالرفض، وحتى لو تمكن المسرح من تجاوز المواجهة، يظل مجتزأ بغياب المرأة رغم حضورها الاجتماعي، فكيف لمسرح تغيب عنه المرأة أداءً ومشاركة وحضوراً كمتفرجة في أحيان كثيرة، أن يكون ممارسة مدنية تقدم رسالتها بمواجهة التطرف؟!". معتقداً أن تهميش المسرح وعدم العناية به هو ما جعل بعض المتطرفين يستغلونه كوسيلة لترويج أفكارهم. مضيفاً: "وقد فُتح الباب واسعاً لمسرحهم الملغم بأفكار بعيدة عن سماحة الدين الإسلامي بينما ضيقت المساحات أمام المسرح الملتزم، المسرح الحقيقي، فأنتج مسرح التطرف -كما أرادوا- متطرفين، وإرهابيين حقيقيين، والخطيئة لا يتحملها المسرح ذاته". مشيراً إلى أن اختطاف المسرح من قبل هؤلاء في التسعينيات الميلادية؛ جرد المسرح من مهمته الإنسانية الشاملة، وحوله إلى أداة دعائية للفكر المتشدد الذي بدأ نشر فكره في بعض المدارس والجامعات تحت قناع المسرح، لينتج لنا في نهاية المطاف انتحارياً هو محمد شظاف الشهري الذي شارك في تفجيرات الرياض عام 2003. إلا أن البديل لهذا المسرح لم يوجد حتى الآن، حيث يرى الكاتب المسرحي السعودي، مشكلة رواج العروض التهريجية "والتي شكلت أيضاً تلك الصورة النمطية التي تجذرت في الذهن، بأنه تلك الأعمال الهزلية الساخرة أو التهريجية التي تنتج في المناسبات، ولا تقدم سوى الضحك دون موضوع يطرح ولا فكر بأنها المسرح، وإنها مسرحيات معلبة تعيد انتاج النكتة المتداولة أو القضايا السائدة دون ارتباط درامي، وهذه الصورة أثرت على المسرح الحقيقي الذي يحمل فكراً وقضية، فيبدو وسط هذه الصورة النمطية مجرد شكل مسرحي غير مستساغ". محمد شظاف الشهري.. من المسرح إلى الإرهاب دعم رسمي ويؤكد عباس الحايك الباحث في تاريخ المسرح والذي انتهى من كتاب حول المسرح السعودي، "أنه لا غنى للمسرح عن الدعم الرسمي الذي هو في أمس الحاجة إليه اليوم، لمكافحة التطرف، إلى جانب دعم القطاع الخاص، ليعيد تأهيل المجتمع لتلقي المسرح الملتزم والاندماج معه وتحويله إلى ممارسة وعادة، فينكفئ مسرح التهريج والسخرية والابتذال ولا يعود له مكان، هكذا يكون للمسرح دوره المفترض". معولاً على أهمية دور المسرحيين أنفسهم في طرح قضايا المجتمع في قالب كوميدي فني وراق بعيداً عن الابتذال، لأن الشريحة الأكبر من الناس يميلون للمرح ويتجنبون الحزن والكآبة، والرسالة ستصل أسرع بالكوميديا، وهذا لا يتعارض والتزام المسرح وطابعه الفكري. معلناً: "المسرح في المملكة سيساهم بالتأكيد في توعية الناس من خطر التطرف والفكر التكفيري، من خلال ما يقدمه، أو من خلال المساحة التي سيتيحها لاستقطاب جيل من الشباب قد لا يجدون متنفساً، وسيجدون في المسرح ضالتهم، سيكفيهم التأثر بأفكار ضالة لما يؤمنه لهم كفعل جمعي من تنوع فكري ومن تسامح مع الآخرين".