من القضايا بالغة الأهمية في شأن الوقف ما يتعلق بتعيين الواقف لناظر وقفه فرداً كان أو مجلساً فنجد أن بعض الواقفين يعمد مثلاً إلى ترشيح أكبر الأبناء على نظارة الوقف بغض النظر عن مدى استقامته وصلاحه وأمانته وحسن تدبيره، وربما كان من بين الأبناء من هو أكفأ وأكثر تأهيلاً وأمانة وتديناً منه. وقد وقفت على العديد من الأوقاف التي عانت من إشكالية نص الواقف على «أن يتولى نظارة وقفه الأكبر من الأبناء» فبعد وفاة الواقف يحصل على مثل هذا الوقف ضعف في إدارته وتصريف شؤونه وتنميته موارده وربما لا تطبق شروط الواقف وفق ما ينفعه ويحقق مراده من الوقف وبما يضمن الا ينقطع عمله بعد وفاته تحقيقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: الصدقة الجارية هي الوقف. فيتعين على الواقف أن ينص على اسم الناظر الصالح للنظارة صراحة في وثيقة وقفه أو وصيته وأن لا يتهاون ولا يغفل عن هذا الجانب الهام وأن يتوخى لنظارة وقفه من يثق بدينه وأمانته وحسن تدبيره من ذريته صغيراً كان أم كبيراً ذكراً أم انثى فالشريعة الاسلامية اجازت للمرأة أن تتولى نظارة الوقف لماثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أوصى بنظارة وقفه إلى ابنته حفصة» كما أن بوسع الواقف إذا اقتضت المصلحة التي يقدرها أن يعين ناظراً لوقفه من غير أولاده وأفراد أسرته ممن يثق بأمانته واستقامته وحسن تدبيره للوقف ويضع آلية واضحة للنظارة جيلاً بعد جيل بما يحقق مصلحة الوقف وديموميته. فلا مجال للمجاملة أو التحسس من النواحي الاجتماعية أو النفسية للأبناء في قضية تعيين الناظر للوقف مطلقاً لأن الواقف إن جامل في هذا الباب فسيخسر كثيراً ويفوت على نفسه مصالح تجر له النفع والثواب وعظيم الأجر الذي هو أحوج ما يكون إليه بعد مفارقته للحياة الدنيا إن كانت اليد التي عينها لإدارة ونظارة الوقف والاشراف عليه ليست أهلاً لتحمل هذه الأمانة والمسؤولية الجسيمة فالله عز وجل قال في محكم التنزيل « إن خير من استأجرت القوي الأمين».