تشكل الواقع الإقليمي الجديد يدفع بالدبلوماسية السعودية نحو الدينامية الدائبة لاسيما وان هناك ضرورة للقيام بذلك، فضلا عن يقينها التام بأن التحديات في المنطقة تتطلب تفاعلاً في ظل الإفرازات السلبية للأحداث الراهنة بسبب صعوبة اتفاق الأطراف المؤثرة إقليميا. وفي هذا السياق نتساءل: كيف يمكن النظر إلى زيارة ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز الحالية الى فرنسا؟ إن التنسيق السعودي- الفرنسي إن أردنا الحقيقة، جاء ليسد فراغ الدور الأميركي الذي لم يعد مهتمًا بمصير المنطقة وأحداثها ولا يعني ذلك أن يحل محله؛ ولذا فتطابق الرؤية ما بين البلدين في ملفات عديدة، كتوحيد الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب والموقف من البرنامج النووي الإيراني والعراق ما بعد المالكي والمخرج السياسي في سوريا، كل ذلك سيصب في تعزيز استقرار المنطقة.. بالتأكيد ليس بمعزل عما يدور في الساحة الدولية فضلا عن تداعيات ما يحدث في المنطقة، والتي تأتي بالفعل في ظروف استثنائية ما يجعلها تكتسب أهمية خاصة في توقيتها وطبيعة الملفات المطروح نقاشها. في تقديري ان الزيارة تعكس ايمان السعودية بأهمية الحوار واللقاءات المباشرة وتحديداً مع الدول المؤثرة على المسرح الدولي، بهدف حلحلة الملفات المتأزمة التي تعاني من التصعيد والتأزيم وتحاول دفعها باتجاه الانفراج السياسي. على أن هناك من يرى أن تواجد هذه الشخصية السعودية البارزة اليوم في باريس هو بمثابة رسائل سياسية تسعى السعودية لإيصالها لبعض الأطراف لتقاعسها من ناحية في التعاطي مع بعض ملفات المنطقة، وتحفيزها للمساهمة في مواجهة المخاطر من ناحية أخرى. وقد يكون هذا صحيحا، انما الأكثر صحة هو ان السعودية دولة لها سيادة وبيدها قراراتها وخياراتها، وتنطلق في علاقاتها مع الآخرين من خلال معيار الندية والاحترام وبما يحقق مصالحها، وهذا حق مشروع لها كما هو لغيرها، بدليل على سبيل المثال طبيعة اتفاقياتها، حيث تجد ان التنوع أحد فلسفات سياستها الدفاعية، وبالتالي فهي لا تضع كل البيض في سلة واحدة. ولعلنا نستحضر هنا زيارة ولي العهد الأمير سلمان الآسيوية قبل أشهر لباكستان واليابان والهند والصين التي تندرج تحت ذلك المفهوم وتلك الرؤية، ما يؤكد قدرة صانع القرار السياسي السعودي في قراءة المتغيرات الراهنة على الساحة الدولية. على ان موقع البلدين الجيوسياسي سواء للرياض في مجلس التعاون الخليجي او باريس في الاتحاد الأوروبي يعطي لكليهما زخما كبيرا للتأثير في المواقف السياسية الدولية. وقد مر التقارب السعودي- الفرنسي تاريخيا بمراحل مفصلية بغض النظر عمن كان في الحكم اشتراكيا ديغوليا او يمينيا، إلا ان أهمها كانت فترة اغتيال رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، وما يدلل على هذا التقارب ما نشرته صحيفة اللوموند عندما زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الرياض قبل بضعة أشهر، حيث أطلقت عليه الحليف الغربي الأفضل للرياض، وكانت علاقات الرياض بواشنطن آنذاك ليست في أحسن حالاتها على خلفية تعاطي الأخيرة مع الملفين السوري والايراني، وهو ما جعل البعض يصف فرنسا بأنها الحليف البديل عن اميركا. طبعا قد يكون هذا فيه شيء من المبالغة إلا ان فيه الكثير من الصحة، ولعلنا نذكر ما قاله هولاند من انه والملك عبدالله وضعا خريطة طريق للعلاقات السعودية-الفرنسية، مشيدا بدور السعودية في استقرار سوق النفط وما تقوم به على صعيد الاقتصاد العالمي كعضو في مجموعة العشرين. ومن المعروف ان فرنسا ترى في دول الخليج منطقة هامة لأنها تؤثر في شرايين اقتصادها فضلا عن أهميتها كمنصة لتفعيل دبلوماسيتها من خلالها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وترى في السعودية تحديدا بثقلها السياسي والاقتصادي وعمقها العربي والإسلامي نقطة انطلاقة رئيسية لعلاقاتها مع دول المنطقة. كما أن التنسيق السعودي- الفرنسي إن أردنا الحقيقة، جاء ليسد فراغ الدور الأميركي الذي لم يعد مهتما بمصير المنطقة واحداثها ولا يعني ذلك ان يحل محله، ولذا فتطابق الرؤية ما بين البلدين في ملفات عديدة، كتوحيد الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب والموقف من البرنامج النووي الايراني والعراق ما بعد المالكي والمخرج السياسي في سوريا، كل ذلك سيصب في تعزيز استقرار المنطقة. على ان الرياضوباريس تجمعهما مصالح متنوعة ساهمت في ترسيخ علاقة وثيقة لاسيما في جوانب عدة ومن أهمها التقنية النووية السلمية بالإضافة الى حجم تبادل تجاري بين البلدين بلغ ثمانية مليارات يورو. وبما ان الضيف الكبير يشغل منصب وزير الدفاع في بلاده فإن ثمة أهمية استثنائية للزيارة لاسيما فيما يطرح من ملفات عسكرية ودفاعية. وان كان الملف اللبناني عادة ما يأتي على رأس القواسم المشتركة، وخاصة في الوقت الراهن وتحديدا فيما يتعلق بتسريع تسليم الجيش اللبناني أسلحة فرنسية، كانت المملكة قد موّلت شراءها، ومن المنتظر ان يحسم الامير سلمان ذلك الملف بتوريدها في أسرع وقت لحماية لبنان من الارهاب. ويتزامن كل ذلك مع تمدد داعش ومطالبة باريس بعقد مؤتمر دولي لمواجهته. ناهيك على ان هذه الزيارة تتزامن مع تعقد ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وبالتالي فجهود البلدين ستركز بالتأكيد على الدفع باتجاه منع الفراغ الدستوري، والالتزام باتفاق الطائف، ونحن نعلم أن السعودية ترى ان الاستحقاق لبناني وبامتياز وبالتالي لا مرشح لها ولا تضع فيتو على أحد، بل تأمل ان يتم الاتفاق على مرشح توافقي. صفوة القول، التقارب السعودي- الفرنسي ليس بالضرورة ضد أحد بقدر ما انه يسعى لحلحلة قضايا المنطقة وخلق توازن في موازين القوى إقليميا ودوليا، فضلا عن ان السعودية ليس لديها حساسية من اتجاهات البوصلة شرقا كانت ام غربا طالما ان هذه الوجهة او تلك تخدم مصالحها العليا وتعزز استقرار المنطقة.