وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هناك فرق بين لغة تقود الرواية أو رواية تقود اللغة
نشر في الرياض يوم 16 - 08 - 2014

الروائي والقاص فهد العتيق في روايته "لملك الجاهلي يتقاعد" والصادرة حديثا عن دار العربية للعلوم والنشر لا يبتعد كثيرا عن عوالمه المفضلة في الكتابة السردية. حيث الانحياز للمثقف وكذلك ملامسة قضايا وهموم المجتمع بلطافة. تلك اللطافة تنتج عن اللغة التي يكتب بها نصه الروائي. والتي لا تمسح بحضور الحالة الصدامية سواء مع المجتمع أو حتى مع أبطال روايته. وفي هذا الحوار ل "ثقافة اليوم" نتعرف على رؤية الروائي فهد العتيق في كتابته لرواية الملك الجاهلي يتقاعد.
* ما بين صدور روايتك الأولى كائن مؤجل وروايتك الملك الجاهلي يتقاعد فترة زمنية طويلة. خلال هذه الفترة الزمنية كيف كنت تتأمل المشهد السردي وكيف كان انعكاس هذا التأمل في كتابتك لرواية الملك الجاهلي يتقاعد.
- هناك أشياء كثيرة تتحكم في عملية الكتابة بما هي فن ابداعي أصيل, ليس المزاج ذاته, لكن أشياء تنعكس على المزاج, مثلا المناخ الاجتماعي والثقافي والفني المحيط بك, هل هو محفز أو محرض على الفن والكتابة أم العكس, هل هو جاد أم شكلي يؤدي واجبا ثقيلا, أنت تعرف أننا نعيش في مجتمع جاف فنيا وثقافيا, غياب السينما والمسرح والأفكار الإبداعية الحرة, غياب المهرجانات الجادة وليس المهرجانات والملاهي الكرتونية, هذا ينعكس سلبا على أرواح الناس وينعكس سلبا على تصالحهم مع ذواتهم ومع المجتمع, كما ينعكس على حال الكتابة الابداعية الجادة, هذا ينعكس على المزاج بشكل عام.
بعد صدور رواية كائن مؤجل عام 2004 م كانت ردود الأفعال مفرحة في الغالب حول النص, وكانت الفرحة مضاعفة بعد معرفتي بحجم الطلب على الكتاب في معارض الكتب وفي المكتبات, ثم كان طلب ادارة النشر في الجامعة الامريكية بالقاهرة حقوق طبع الكتاب باللغة الانجليزية وصدر الكتاب فعلا بعنوان: life on hold. وفي العام 2007 اصدرت كتابين قصصين هما: كمين الجاذبية والمجموعة القصصية السادسة: هي قالت هذا, وفي تلك الفترة كنت أتابع الإصدارات الجديدة, قرأت الروايات وكتبت عن بعضها, أذكر نشرت عددا كبيرا من المقالات عن الكتب الروائية المختلفة التي قرأت, مثلا مقال التخييل الذاتي بين عشق بسيط وقلب الوردة, وعن رواية هذيان للكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي وهي عن الشاعر البرتغالي الكبير فرناندو بيسووا، وعن روايات ابراهيم أصلان وسيد الوكيل وأمل الفاران ويحيى آمقاسم ومحمد المزيني وعبده خال وصلاح القرشي وزوسكيند وكونديرا, وغيرها من الكتب والأعمال السردية التي صدرت تلك الفترة, أيضا تلك الفترة كنت استمتع بين وقت وآخر بزيارة نصين روائيين بدأت في كتابتهما, وهما نص العيش بأرواح كفيفة, قد يصدر العام القادم, والملك الجاهلي يتقاعد, العيش بأرواح كفيفة نص عائلي تحضر فيه المرأة بوضوح ضمن أسرة كبيرة, ثم نص الجاهلية الذي سبق الأول في الصدور, وشخوص هذا الأخير من الطلاب الشباب في الغالب, إذ حاولت الاقتراب من روح تلك الفترة من طريق كيف يفكر الشباب وكيف ينظرون لمستقبلهم لكن على طريقة التخييل الذاتي لأني لا أكتب إلا ما أعايشه من قرب بطريقة يشتغل فيها الحلم بشكل كبير, لأن الأحلام والخيال المصاحب لها, هي جزء أساسي يساهم في تشكيل واقعنا ووعينا ولا يمكن اهماله, والرواية في النهاية محاولة أدبية فنية آمل أن تكون ممتعة للقارئة والقارئ اللذين احترمهما كثيرا.
* في الملك الجاهلي يتقاعد لم تبتعد كثيرا عن أزمتك المفضلة وهي أزمة الكائن المثقف مع المجتمع والحياة. لكن هذا التكرار ألا يجعلك محاصرا في دائرة ضيقة من السرد؟
- هناك فرق كبير بين الحياة المؤجلة, والجاهلية الجديدة, الحياة المؤجلة في كائن مؤجل كانت عن مرحلة انتقالية في المجتمع, اقتصادية ومكانية واجتماعية ونفسية, أما الجاهلية الجديدة في الملك الجاهلي يتقاعد, فكانت عن الحياة المتناقضة والمغلقة والمتشددة التي نعيشها, لهذا يمكن القول ان رواية كائن مؤجل ركزت على موضوع التحول الاجتماعي اثناء الطفرة الاقتصادية في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي وهواجس الشخصيات تجاه ذلك التحول الكبير اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا, بينما ركزت الملك الجاهلي يتقاعد على هواجس الشباب وأحلامهم في مرحلة صعبة من تاريخ الوطن والعالم العربي.
لكن أنت تلاحظ أنه بعد ثورة التواصل الاجتماعي في العالم العربي بالذات, لم يعد هناك انسان مثقف وانسان غير مثقف, الكثير من الناس الان دخلوا تويتر وفيس بوك, وصار لهم رأي في كل شيء, وصاروا يعبرون عن هواجسهم وهمومهم, فهل كل هؤلاء مثقفون, والدليل ثورات الربيع العربي حيث خرج الشباب والشابات العرب بالملايين الى الميادين للتعبير عن الرأي, بغض النظر عن نتائج هذه الثورات أو رأينا فيها, لكن من أهم نتائجها الجميلة اقتراب الحكومات العربية والخليجية من شعوبها ومن قضايا الناس بشكل واضح نرجو أن يستمر بحيث تدخل الشعوب العربية مع الحكومات في شراكة لتطوير الأوطان العربية وتحقيق الطموحات الحقيقية لشعوبها, لهذا على المواطن العربي الذي تربى على الكسل أن يبدل جلده وروحه للدخول في مرحلة جديدة شعارها العمل والمثابرة والابداع.
أيضا أرى أن النص الروائي الذي هو فن سردي, ينطوي على فعل نقدي لواقع أنت تعيشه وتراكم فيه تجارب وخبرات, بمعنى أن هذا الفن كلما اقترب من قضايا الناس الذين تعرفهم, لا يعني أنك ترغب في كتابة هذا, قدر أن هذا الموضوع فرض نفسه لأنه جزء من هموم الناس ومن هموم الفن وبالتالي شخوص النص, لم أبعثها أنا للوجود, لكنها لكائن انساني من لحم ودم يعيش بيننا, ربما كان النص محاولة للاقتراب من الشكل الحديث الذي نلبسه ونحياه, مقابل مضمون تقليدي متخلف نعيشه, الشكل الحديث الذي نعيشه, مقابل الجوهر المتشدد والمغلق الذي داخل هذا الشكل, بمعنى أن النص قريب من حداثة مظهرية نحياها, ومبادئء متخلفة نمارسها, قريب من أحلام داخلية لا نبوح بها في الغالب, لهذا فان الموضوع والجو العام وشخوص رواية الملك الجاهلي يتقاعد هم مثل أغلب شباب المجتمع, تجمعهم هواجس وأحلام مشتركة, في واقع مغلق وغير ومتردد وغير محب للتجديد والتغيير والابداع, هم يحبون الفن والأدب والأفلام والحياة ويمثلون شباب المرحلة, وكان الحلم محركا لبعض فصول النص باعتباره واقعا حقيقيا موازيا, وهم ليسوا مثقفين بالمعنى التقليدي لكلمة ثقافة, لأنه كما قلنا في عصر ثورة التواصل الثقافي والاجتماعي, الكل سوف يكونون مثقفين اذا كانت كلمة مثقف تعني القارئ والمتابع والمهموم بالشأن العام وبتطوير ذاته وتحسين دخله, واذا دخل النص الروائي عالم الشباب وهمومه فإن الواقع الفني للرواية سوف يتسع ودائرة السرد سوف تكون أكثر اتساعا وأكثر حيوية, لسبب بسيط أن الحلم والخيال والأفق الواسع هو وقودها الحقيقي.
عالم الشباب يوسع الواقع الفني للسرد ويهبه الحيوية
* اللغة في الرواية لغة جذابة. فيها ذلك الانسياب العذب والذي يجعل القارئ يكمل النص بغض النظر عن موقفه من الرواية. ماذا تعني لك اللغة في كتابة العمل السردي؟
- هذا ما أراهن عليه دائما وأحاول تعميقه, وقد وصلتني مثل هذه الاراء الجميلة حيال الكتاب القصصي اذعان صغير وأظافر صغيرة ورواية كائن مؤجل, فاللغة السلسة والعذبة والمفكرة والمبدعة هي جوهر عملية الكتابة الادبية, وبدونها يصبح النص عاريا, لأن اللغة تستطيع تحويل الكتابة الى فن رفيع أو الى فن متوسط المستوى أو الى كتابة ضعيفة, هذا يؤكد لنا أن اللغة كائن مفكر وليست مجرد وسيلة لتوصيل صورة أدبية, اللغة تتجاوز هذه المهمة لتكون فنا رفيعا قادرا على ادارة الموضوعات والأفكار والشخوص بروح فيها بساطة وعمق في آن واحد, وهذه اللغة يفترض أنها تقود عملية الكتابة الأدبية وليس العكس, اللغة السلسة المبدعة يفترض أن تقود الرواية, لكن حين يكون الموضوع, أو الحكاية مثلا, بمعنى أن الرواية هي التي تقود اللغة, هنا تكون اللغة منقادة بلا شخصية, يتحول النص الى مجرد حكاية جافة بلا فن وبلا إبداع, وأذكر أنني أشرت الى ذلك في أمسية أقيمت في نادي المنطقة الشرقية قبل سنوات عن الرواية المحلية, أشرت الى أن أغلب تجاربنا الروائية رغم طموحها الواضح كانت بلا شخصية لغوية, كانت اللغة في الغالب إما لغة تقريرية مباشرة وجافة, أو لغة البلاغة الثقيلة, فقد لاحظت أن حكايات وموضوعات أغلب الروايات كانت تقود اللغة وليس العكس, ما حول هذه اللغة في النص إلى وسيلة لتحقيق هدف, ولم تكن كائنا مفكرا ومبدعا, وهذه مسألة فنية جوهرية وفي غاية الأهمية, مع ملاحظة مهمة أن هناك فرقا كبيرا بين لغة واضحة أو لغة تقريرية مباشرة.
* الرواية تطرح فلسفة لأزمة الجاهلية الجديدة لكن تلك الفلسفة تم تناولها في حوار وحيد بين أبطال النص ثم انتهى أمرها. لم يكن هناك حفر لتلك الحالة؟
- كان مقصودا أن يكون مفهوم الجاهلية الجديدة موجودا في الجو العام للنص, وليس في الحوار المباشر فقط, لأن النص الفني يفترض أن يعتمد الفن والإيحاء لحمل أفكار الرواية, على سبيل المثال جار داوود الذي يؤنبه على المعازف الحرام, ونادية التي تحسد وليد لأنه حر في حياته ويقود سيارته بنفسه, وداوود الذي تراقب الهيئة مكتبته وأفلامه وكتبه باسم الدين, ومواقف عديدة في النص, وسعود الذي دمرته الحياة الاستهلاكية الشكلية المادية الزائفة للحياة على حساب الجوهر الحقيقي لهذه الحياة, كلها شواهد تخلف وعي, وليس جاهلية جديدة فقط, لأن الجاهلية في بعض مظاهرها أكثر تحررا وانفتاحا من واقعنا الاجتماعي اليوم, بسبب أفكار اجتماعية وسياسية ودينية متشددة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان, وتحتاج الى الكثير من الاصلاح والمرونة مثل المناهج والوسائل الإعلامية مقروءة ومرئية التي تحتاج الى ثورة حرية تعبير تنقلنا الى واقع متميز وحر ومبدع لا يمس المبادئ الأساسية, إذ من المعروف علميا أنه كلما زاد التشدد الديني المبالغ فيه في أي مجتمع, كلما زاد الانهيار الأخلاقي من الجهة الأخرى, وكلما زاد الفساد والوساطات والمحسوبيات كلما انهارت ثقة الناس في الحكومات, لهذا نطمح في بلادنا وفي عالمنا العربي, الى مرحلة جديدة وحياة جديدة تكشف أحلامها الجميلة في الهواء الطلق, وتبدع في تطبيق طموحاتها على أرض الواقع, من أجل مجتمع مفتوح يستمع لبعضه البعض ويقترب من فرص التحقق والانتاج والابداع والتحديث, من أجل حياة تتحقق فيها الشروط الانسانية العالية وتبتعد عن أفكار التشدد والوصاية.
* بين وليد وشخصية داوود الكثير من التشابه. هل لأن داوود كان يمثل النموذج لوليد وبالتالي حدث هذا التشابه بين الشخصيتين؟
- ما بينهما هو أسئلة وأحلام وطموحات مشتركة وليس تشابها, وهي في الغالب أسئلة معظم الشباب, ما يجمعهم هو أحلام مشتركة اصطدمت بمجتمع وبواقع مغلق يعاني منه الجميع, وعانى منه داوود أكثر, لكن وليد حمل راية داوود من بعده متجها نحو حياة جديدة أكثر طموحا, يدفعها الى الأمام بالتفاؤل والحلم الكبير, ربما لأن وليد أكثر قدرة من داوود على التحمل والتكيف مع واقع الجاهلية الجديدة الذي فيه صفات تخلف كثيرة, بسبب التشدد الديني في المجتمع وتضاؤل فرص العمل, وتضاؤل فرص الانفتاح والتحرر والابداع الحقيقي من أجل مجتمع منتج, وليس مجتمعا مستهلكا فقط.
* وليد لجأ كثيرا للتداعيات والأحلام وهي حيلة سردية مبررة كونه الرجل غير المتصالح مع المجتمع. لكن بعض هذه التداعي جاء في حالات متشابهة. هل تعمدت هذا الأمر؟
- وليد والكثير من الشباب متصالحون مع المجتمع بقوة, يحبونه ومتذمرون منه في آن واحد, لكن طريقة تفكير مجتمع غير مرن يرونها غير متصالحة معهم, لهذا فإن هواجسنا وأحلامنا في اليقظة هي حياتنا الحقيقية, التي في الغالب لا نبوح بها بسبب تربية تقليدية تخجل من هذا, الأحلام جزء من حياتنا مثلما أن الموت جزء من حياتنا, لكني في كل الأحوال وفي أغلب كتبي ركزت على الحلم وليس على الموت, لأن الحلم حين نتكاشف معه في العلن ونكسر خجله ونتعامل معه كفن, سوف يساعدنا على فهم ذواتنا والوعي بظروف وتناقضات واقعنا, ويعلمنا كيف نقترب من قدراتنا التي لا نعرفها في أغلب الأحيان, حتى لا تظل أحلامنا مجرد أحلام.
ولاشك أن من ضمن مهام الأدب والفن أن يعلمنا كيف نحلم وكيف نعبر عن أحلامنا بصدق ووضوح وجرأة, لهذا أرى أن الكتابة محاولة للحلم, ومحاولة للتعبير بالحلم عن حريتنا الحقيقية التي نبحث عنها, ومحاولة لفهم الواقع, ومحاولة لفهم ما يحدث حولنا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا, الكتابة بالنسبة لي ليست صورا عاطفية أو جنسية أو خيال علمي لإمتاع القارئ لحظة القراءة فقط, أرى أن الكتابة الجديدة أو الحديثة تجاوزت هذه المفاهيم المتواضعة والوقتية منذ زمن, يفترض أن تكون رؤيتنا للكتابة أعمق وأبعد من هذا بكثير, حيث تذهب بالحلم الى اسئلتنا وهمومنا الحقيقية والى مواطن الجمال في شخصياتنا ومواطن البهجة, وحين تكون الموسيقى والحلم حاضرة في النص فتكون بعثا للأرواح الخاملة نحو تجديد الروح وتوالد أحلام جديدة.
مفهوم الجاهلية الجديدة موجود في الجو العام للنص
وكما قلنا سابقا ان العيش في واقع جاف فنيا وثقافيا ينعكس سلبا على أرواح الناس وينعكس سلبا على تصالحهم مع ذواتهم ومع المجتمع, لكن أحاول في الكتابة من خلال الحوار ومن خلال الحلم, أن أقترب من قدرة القارئ على الحلم, ومن خلال الحوار مع الذات ومع الاخرين في النص, على محاولة فهمه لذاته, الحلم هو سيد الموقف الآن في عالمنا العربي, بسبب أن ثلاثة أرباع سكان العالم العربي من الشابات والشباب الحالم, في الغالب أصبح شباب وشابات المرحلة في العالم العربي يقرأون كثيرا, وأنت لاحظت كيف وجدت الكتب والروايات في السنوات الأخيرة اقبالا كبيرا جدا, وبعض الروايات طبعت عدة مرات, بسبب ما شهدته تلك الكتب من قراءات واسعة وحوارات حول هذه الكتب, حتى أنهم كانوا يناقشونها في المواقع الالكترونية للجامعات ولدور النشر والمواقع الثقافية الجادة, هذا الجيل العربي الشاب من الاولاد والبنات العرب هم الذين كسروا حاجز الخوف بعد ثورات الربيع العربي وهم الذين يحلمون بحياة أفضل وأرقى وأكثر حرية وانفتاحا وانتاجا, هؤلاء تقودهم أحلام حرة من أجل نهضة عربية بعد سنوات طويلة من الركود والحياة الاستهلاكية والاعتماد على الاخرين وليس على أنفسنا.
* مشهد النهاية كان يحمل براعة السارد. فهو يعيدنا إلى المشهد الأول في الرواية. هل هذا يعني أزمة أبطالك دوما تعود إلى نقطة الصفر.
- الأزمة الحقيقية لأبطال النص كانت مع مجتمع متناقض ومغلق وخائف وغير قادر على التعبير عن أحلامه الحقيقية, وربما أن مشهد النهاية في النص لم يعدنا الى المشهد الأول في الرواية بشكل كامل, لسبب بسيط جدا أن النص بلا بداية تقليدية وبنهاية مفتوحة تنتظر الإكمال, شخوص النص ليس لديهم أزمات شخصية لكنهم يواجهون أفكارا اجتماعية تقليدية متأزمة, وقدراتهم على التكيف أو التصالح مع هذا الواقع الصعب, نسبية بين شخص وآخر.
* ضمت الرواية فصولا من رواية الملك الجاهلي يتقاعد. لكن تلك الفصول وبرغم انها تمثل ورشة كتابية لحلم الأصدقاء في كتابة رواية إلا انها جاءت بلغة مباشرة. لم تكن تحمل لغة النص التراثي ولم تحمل المغايرة عن أسلوب كتابة الرواية. كيف ترى هذا الأمر؟
- فصول من حكاية الملك الجاهلي يتقاعد كانت تعتمد على الحوار بشكل كبير والحوار كما تعرف يعتمد على المباشرة في اللغة, ربما هذه الفصول هي أقرب الى نص مسرحي أو هي حكاية مسرحية اذا جازت لنا هذه التسمية, وانا فعلا أفكر في تحويل ورشة فصول من حكاية الملك الجاهلي يتقاعد, الى نص مسرحي, خصوصا أنها حملت حوارات وروحا فكاهية أو كوميدية.
* في بدايات الرواية حضرت سارة ثم غابت تماما. ثم جاء حضور خجول لنادية في الرواية. غالبا ما أجد أن المرأة في رواياتك تحضر على استحياء وبمساحة محدودة. لماذا؟
- لا أفكر كثيرا في هذه المسألة لأن واقع النص يفرض شخوصه في الغالب, لكن في كتبي القصصية اذعان صغير وأظافر صغيرة ورواية كائن مؤجل كان حضور المرأة قويا, بالذات في قصص مثل الأناشيد والناس ووجوه النساء وامرأة ورجل والسيدة الصغيرة, وفي رواية الملك الجاهلي يتقاعد هناك حضور قوي جدا للشاعرة خولة بنت ربيعة التي قادت الحرب ضد الملك الجاهلي في نهاية فصول الورشة, وربما لأن فصول الرواية الأصل تدور في الغالب في المقهى أو في أماكن الشباب, وأنت تعرف أننا نفرق في الأماكن العامة بين الرجل والمرأة, لهذا غابت المرأة عن المقهى في النص الروائي.
* أبطال الرواية يرتدون ثقافيا ومعرفيا إلى كتب التراث فتصبح هي شغفهم في القراءة وفي المعرفة. هذا الارتداد كيف تفسر دلالته وهل يحمل إشارة إلى عدم جدوى الثقافة المعاصرة؟
- لدينا كتب تراثية حرة ومبدعة وجميلة, لكنها لم تجد اهتماما وقراءات تستحقها مثل كتب النفري والف ليلة وليلة وغيرها, ولدينا في ثقافتنا الحاضرة وفي مناهجنا كتب أدبية انشائية غير مهمة أخذت أكثر مما تستحق رغم أنها تقليدية ومغلقة ومتخلفة الروح والهوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.