كثيرة هي السيناريوهات اليومية التي تحدث داخل منازلنا، والغريب في الموضوع أنها تكاد تتطابق في كل بيت، تبدأ عادة تافهة وتكاد تنتهي أغلب الأحيان بمأساة محزنة، تحكمنا عادات اجتماعية نتضايق منها، والمضحك أننا مازلنا نمارسها، نحرص كثيراً على سمعتنا وهو شيء إيجابي دائماً، لكن حينما توصد أغلالها على حريتنا هنا نقف مكتوفي الأيدي، خوفاً من ردة فعل الآخرين تجاهنا، فنجد أنفسنا دائماً مستعدة للتخلي عن حلم أو إرادة تبعاً لرأي الناس وما يقولونه، بل نتعمد في بعض الأحيان استخدام الكذب التلميعي بما يتفق مع أهوائهم وميولهم، وهنا يبرز السؤال: لماذا تغيّرنا وأصبحنا نهتم كثيراً بما يظنه الآخرين؟، لماذا تقولبنا بقالب الناس ضاربين بقراراتنا وقرارات من نحب واختياراتهم عرض الحائط؟. جيل جديد يواجه بوعي وانفتاح مسؤول مرضى «الفراغ الذاتي» وحملة «التعييب الشخصي» وأحكام «الفشيلة» لا أهتم.. وقالت «منى إبراهيم»: أكثر من نتأثر برأيه هم الأسرة والأقارب والأصدقاء، وفي بعض الأحيان المارة على الرصيف، مضيفةً أن هناك من يخشى الاتصال بالآخرين حتى لا يكون ضحية افتراس مجتمع لأنه خرج عن المألوف، مؤكدةً على أن ما يثير الضحك هو أن الإنسان بطبعه يتفاجأ بكل ردة فعل ثم ينتقد لينسى الموضوع برمته. وأضافت «رغد الدعيج» -طالبة جامعية- أنها لا تهتم بما يقوله الناس كثيراً؛ لأنها حياتها أولاً، وكل قرار يجب أن ينصب تحت مصلحتها أو مصلحة أسرتها، مبينة أن هذه العُقدة مازالت قائمة بمجتمعنا كثيراً، والعديد من مختلف الأعمار يحسب لها ألف حساب، إلاّ أنها تجد مصلحتها في المقدمة، حيث كلام الناس لا يُقدم ولا يُؤخر. وأشارت «أم إبراهيم» -ربة منزل- إلى معاناتها مع الناس، حيث تضطر دائماً إلى التبذير في مناسباتها، مضيفةً أنها متيقنة تماماً أن الحضور لن يأكل الطعام وكذلك «حلى» القهوة وتقديمات الشاي -كلفتها مبالغ كبيرة-، إلاّ أن ذلك أهون عليها من انتقاد الناس. أول وصية الأم لابنها:»لا تفشلني عند الناس» علكة الناس.. وأكدت «نوف الصالح» -معلمة- على أن من لا يهتم لكلام الناس «كذّاب»، فجميعنا نخشى أن نتعدى الخطوط المتعارف عليها، والإنسان بطبعة اجتماعي ويتبع الأعراف والتقاليد، بل نهتم كثيراً لسمعتنا حتى لا نكون «علكة» في فم الناس، مضيفةً: «لا أخفيك أنني أعاني في زواجي، حيث تزوجت صغيرة من شخص يكبرني بخمسة عشر عاماً، أنجبت أطفالي الأربعة بسرعة، مع العلم أنني لم أتفق مع زوجي على ذلك، لكن كيف أنفصل عنه؟، سوف تأكلني الناس بالشماتة، ولا أريد حياتي أن تتحول إلى جحيم من أجل كلام الناس». وقالت «حصة المهنا» -موظفة حكومية- إننا نجد العديد يخاف من هذه العبارة: «لا تفشّلونا»، والتي دائماً ما تكون أسرية وتدار بين الأقارب، فنجدهم لابد أن يتدخلون في أمور زوجة ولدهم، أو ابن عمهم، أو غيره، مضيفةً أن ثقافتنا كمجتمع قديماً وحديثاً هو أننا نعيش مع بعضنا البعض، فلا توجد أسرار في حياتنا، ولا خصوصية في أمورنا، فكبار السن لهم الكلمة الأولى والأخيرة والبقية لهم التنفيذ، مع أن العديد من الأمور تكون من صالح مستقبل الأبناء لكن خوف الآباء من حديث الناس قد دمر الطموح والمستقبل. خصوصية وطموح.. وأضافت «سعاد محمد» -ربة منزل- أن كبار السن والناس التقليديين هم من يقود هذه الحملة «التعييب على الناس وانتقادهم»، مشيرة إلى أنها لا تستطيع إسكات مجتمع بالتأكيد، لكن لابد من رسم الخصوصية والطموح، مبينةً أنه لا أحد يفرض قراراته عليك، كالزوج وأهله وغيرهم وتدخلاتهم المستمرة التي أضاعت كثيراً من الأسر، مُشددةً على أنه لابد أن يعرفوا أن هناك حدّاً للتجاوزات الحياتية ومصادرة الحرية وتقنينها والضغط على الزوج المسكين وتنكيد حياته، مؤكدةً على أنه بحكم عمرها لا يهمها ما يقوله الناس، على عكس حينما كانت أصغر، مما أدى إلى سكونها الوظيفي وعدم تطوره، بحجة: «لا تفشّلونا قدام الناس»!. وأشارت «سارة عبدالله» -خريجة جامعية- إلى أن العديد من الفتيات عانين كثيراً من أجل البعثة، وذلك بتدخل الأقارب وحث الأهالي بعدم إرسالها، ضاربين بطموحاتها عرض الحائط، بينما يصفق الجميع حينما تحصل لشاب مستهتر لم يجد له قبول في جامعات المملكة؛ بسبب مستواه الأقل من المتدني، والذي يشهد الجميع بعدم صلاحه واستقامته، والحجة أنه (ذكر) لا يعيبه شيء!. انتقاد بقسوة.. إهانة الرجل للمرأة ممكن أن تستمر لكن يجب أن تتوقف أمام الناس وقالت «أم محمد» -موظفة- أنها لا تخشى مواجهة الآخرين أو انتقادهم لأي قرار؛ لأنها اتخذته عن قناعه تامة، مضيفةً: «قد أستشير أقرب الناس فيه لأخذ الرأي وتنويري إذا ما كان يفوتني أمر ما، أما سبب اهتمام الآخرين بحياتي الخاصة أو حياة أسرتي، فأقولها صريحة يعانون من مرض الفراغ الذاتي، فتجدهم لم ينجحوا بحياتهم لسببين إما الكسل أو بسبب اهتمامهم بالتدخل بما لا يعنيهم، ولا نغفل عن جانب الغيرة الذي لا ينفك أن يؤرق نومهم، والدليل واضح لدينا، فكل مرة يظهر فيها أفراد بأمور جديدة وإيجابية يُنتقدون بقسوة، وبقدرة قادر نجد من انتقدهم بقسوة يفعل المثل فما تفسير ذلك؟». وأشارت «أم عبدالله» -معلمة- إلى أن زواج ابنها قريب، ولابد أن تدعو القاصي والداني تجنباً لكلام الناس وانتقادهم، مبينة أنها صرفت كل ما ادخرته في خمس سنوات لهذا الزواج، إضافةً إلى قرض بمبلغ (100) ألف ريال لتُكمل به الفرح وفساتين بناتها ومجوهراتهن، متسائلةً: ماذا تريدين أن يقول الناس عنّا؟، ابننا الوحيد ولم نرتب له زواج يتحدث عنه الجميع!. بوفيه مفتوح.. وأكدت «أم لين» على أنها تعاني من الحرج كثيراً في أوقات المناسبات والأعياد مع أقاربها وأهلها بسبب الملابس والكماليات، فعائلتها من طبقة أعلى من عائلة زوجها بكثير، وفي الاجتماعات يبذل الجميع كل ما في وسعة ليلبس «الماركات» التي لا أستطيع الحصول عليها، مضيفةً أنها تضطر للاعتذار لحفظ كرامتها وكرامة بناتها، والتحجج بالسفر للخارج، وهي التي منذ أن تزوجت لم تذهب إلاّ لمكة والطائف وجدة. وشاركنا «إبراهيم يوسف» بقصة طريفة قائلاً: كثيراً ما يتعمد أصحاب الدعوة إلى تقديم بوفيه مفتوح يضم ما لذ وطاب، ويحتوي على أنواع عديدة من أصناف الطعام، كما أن الفائض منها يعتبر مقبولاً ونظيفاً، كما يساهم الشكل الجمالي للمأدبة العشاء ومنها إراحة لأهل المنزل من عناء هذه العزيمة، مضيفاً أن المضحك في الموضوع أنه يتجنب هذا النوع من الضيافة حينما يدعو كبار السن، فلا يملي عيونهم إلاّ «المفطح»، ذاكراً موقفاً طريفاً حينما ذُهل «الشياب» من مأدبة البوفيه، ظناً منه أنه أعجبهم، ليُفاجأ بمغادرتهم، لافتاً إلى أن أخيه الأكبر وبّخه بقوله: «فشّلتنا عند العربان»!. البوفيه المفتوح كسر حاجز «المفاطيح» ولم نتفشّل كما توهم البعض سمعة طيبة.. وأوضح «محمد العبدالله» -طالب جامعي- أنه يطمح الكثير من المبتعثين بالعودة إلى أرض الوطن بشهادات عليا، لكن هل تركوا الأثر السليم والسمعة الطيبة عن عودتهم؟، مضيفاً أنه يوجد فئة يصرون على تشويه سمعة المواطن، متعلقين بعادات وتقاليد لا تمت للدين بصلة، كما أن هناك من يبذّر أمواله على أن ذلك من صفة الكرم، إضافةً إلى وجود أشخاص يجادلون في أمور الدين ويغالطون، وهم لا يفقهون من العلم شيئاً، فتتكون صورة غير محببة عن الفرد السعودي. وأشارت «رؤى عبدالعزيز» إلى أنها تُعطي نفسها بعض الوقت، فكل ما يقال عنها أو ما ينتقد سرعان ما يتبدد مع الوقت، فمشاعر الناس تتغيّر، فما يعتقدونه الآن لابد وأن يتغيّر في المستقبل، مضيفةً أن الحياة قصيرة والتفكير بها بما سيقوله الناس ويعتقدونه هو خطأ كبير، مُشددةً على أهمية عدم إشغال النفس، وكذلك الاستمتاع بعيداً عن ظنون الآخرين، مبينةً أن العديد ممن يتبع هذه السياسة «لا تفشّلونا قدّام الناس» هم من يضع جميع القضايا تحت المجهر، فلا يستطيعون رؤية الصورة الكاملة لجمال الحياة، فنجدهم غالباً ما يعانون من التوتر والعصبية. وبسّطت «هتون يوسف» المسألة بقولها: لابد أن تعرف أن رأي الناس لن يقتلك، وإنما سيشوش على حياتك لفترة ثم تعود إلى صفائها مرةً أخرى، فلا تشغل نفسك، وتوقف عن القلق، مضيفةً: «من تجدهم على الطريق لابد أن يرسموا عنك صورة إذا مررت من أمامهم، إلاّ أنه لا يمكنك التحكم بها، لكنها لن تضرك، بعكس إذا ما كانت من قريب أو صديق فهم الأولى أن تنال رضاهم لأنهم يهتمون لأمرك». مهارة صعبة.. وتحدثت «ريم القحطاني» -أخصائية اجتماعية-، قائلةً: إن تقبّل الاختلاف من أصعب المهارة وأسرع طريقة لضمان نجاح العلاقات الإنسانية، إذ لابد أن يدرب الشخص نفسه عليها، مع الابتعاد عن الاتهامات والحكم المسبقة من خلفية جاهلة بالموضوع، والذي دائماً يؤجج مشاعر الكراهية والغيرة بين الأفراد، كما تنتشر روح الإحباط والكسل وعدم الثقة، مضيفةً أن كثيرا منّا تلتبس عليه الأخطاء الشرعية والعرفية، فيخلط ما بينها ويصبح الجميع قضاة ولا يوجد مدانين، فما تراه خطأ يراه غيرك أمراً عادياً، وذلك يعود لتنوع البيئات والثقافات والتفكير، متأسفةً على أنه مازلنا نجهل أن الاختلاف سنة سنها الله في الأرض، فنجد الاختلاف موضوع خلاف واصطدام وتعارض، كما هو واضح في علاقة الآباء والأبناء، فالأم والأب عادة يضعون أطفالهم في إطار معين كمقياس نجاح، فإن فشل فهو فشل للأسرة وخزي أمام المجتمع، مشيرةً إلى أنه لا نستطيع إنكارها، فهي ثقافة مجتمع والدليل تصنيف الوظائف تحت وظيفة «تفشّل»، ووظيفة «ترفع الرأس». وأضافت: أكبر مثال خريج التقنية الذي تعلم واختار دراسته كمهنة وحين يأتي دور التوظيف لا يرضى له الأقربون وأولهم والده ووالدته أن يكون «ميكانيكي» أو «سباك»، مؤكدةً على أهمية التوعية الاجتماعية، فالمجتمع لابد أن يكون الداعم الأول لقرارات الفرد التي تخدم مصلحته من غير إيذاء للجماعة، ولا يكون المحبط وهادم المستقبل، ذاكرةً أن إخفاقات مخرجات التربية واضحة لنا تمام الوضوح في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم يوصل التعليم المعنى الحقيقي لاستقلال الفرد وعدم التعدي على الآخرين لفظياً، والتدخل بشؤونهم، فيصبح هاجسه «ماذا سيقول الناس؟». ** نقطة آخر السطر * ضع لك مقياس حياتي يحتوي على خطوط بجميع الألوان من البيضاء وحتى الحمراء بما يتوافق مع دينك وفكرك ومبدئك، وتخلّص من الأعراف التي تقيدك وتحبطك. * تقبل نقد الآخرين لك، فربما كانوا ناصحين، فلا تقطع سبل الطرق ليصلوا إليك، وإنما وضّح وأشرح قراراتك بهدوء ورزانة، وابتعد عن الصراخ والانفعال، واستمر نحو تحقيق هدفك الذي تطمح له ليقتنعوا باختيارك. * تذكّر أن البشر مختلفين باختلاف أجناسهم وأعمارهم وبيئاتهم، فما تراه عيباً يراه غيرك أمراً عادياً. * تذكّر أنها حياتك التي ستحياها مرة واحدة، افعل فيها ما شئت من غير أن تؤذي الآخرين. ** هشتقة «الفشيلة» # لا_تفشلونا_قدّام_الناس - إذا شفت واحد راكب الطيارة ب"بنطلون" و"جينز"، ولابس "زبيريات" -أعزكم الله- قل له أمانة: لا تفشلنا. - تجد طفل يتحمل ألم كسر ذراع عشان كلمة لا تفشلنا خلك قدام الدكتور رجّال!. - البس زي الناس بالأسواق وخلى "جلابية" البيت للبيت. - وتشغِل نفسك عند الإشارة بخشمك. - لا تنقل تخلفك واتبع الأنظمة والقوانين إذا ابتعدت للخارج. ** ماذا أقول للناس؟ في إحدى أمسيات الاثنين المملة يحتد الشجار بين الأم وابنتها، وكالعادة بطل موضوعها زوج الابنة، الذي استفحل ظلمة ليبلغ أشده، لم تنفك المسكينة تقنع الجميع بأنها تزوجت رجلا سلبيا، وأنها لن تبقى معه دقيقة واحدة. * ماذا تريدين أن يقول عنّا الناس، ابنتهم مطلقة؟ - لا يهمني رأي أحد، فالجميع لا يعيش معي يومياً ليكتشف أنه نذل. * بقرارك الغبي ستدمرين مستقبل أخواتك، فمن تجرؤ أن تعود إلى منزل أهلها بعد ثلاثة أشهر فقط من زواجها، لم نصدق أن الناس هدئوا عن نعتك بالعانس لتحملين لقب مطلقة، أي عيشة ستعيشين إياها؟، وأي خزي وسواد وجه سيعلو وجه والدك وأخوتك؟. - لكنه مريض نفسي ويتعمد إهانتي يومياً وبالضرب أحياناً أخرى، إذا كانت هذه بداية زواجنا فما هي نهايته؟. * نهايتك كلام الناس وانتقادهم الذي لا يرحم. *** وفي الطرف الآخر.. * يا دكتور ابني مدمن وهذا يؤثر على أخوته وأخواته. - جزء من علاجه نفسي، يعتمد عليكم كأسرة تقدم له الدعم والحب والمساعدة. * لكن، ماذا أقول للناس؟ ابني مدمن مخدرات؟، هو الآن ابن لي بالاسم فقط، وأفضل أن يبقى بالمستشفى وأن لا يختلط بأحد!.