عرف عن الأدباء اختيارهم للأماكن التي تدور حولها الحكايات أو القصص أو الروايات، سواءً في ذكر المكان بالاسم كمدينة أو قرية أو صحراء أو شاطئ أو حي أو شارع أو دكان، أو في ابتكار الاسم للمكان أو الإيحاء إليه، وكذلك في الإشارة إلى جهته عبر ذكر النكرة في محل المعرّف الذي لا يعرّف. وقد ذكر المكان في الشعر العربي؛ فحينما نقرأ الشعر الجاهلي، وبخاصة المعلّقات، نجد امرئ القيس بن حجر يبتدئ معلّقته بذكر الأماكن "سقط اللوى" وهو إشارة إلى مكان مجتمع الرمل مثل القصيم على سبيل المثال، و"الدخول" و"حومل" و"توضح" و"المقراة": قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ب "سقط اللوى" بين "الدخول" ف "حومل" ف "توضح" ف "المقراة" لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمألِ وقال طرفة بن العبد البكري في معلّقته يشير إلى "برقة ثهمد": لخولة أطلالٌ ب "برقة ثهمدِ" تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليدِ وقال زهير بن أبي سلمى المزني في معلّقته مشيراً إلى "حومانة الدرّاج" "المتلثّم": أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّمِ ب "حومانة الدرّاج" ف "المتلثّم"؟ وقال لبيد بن ربيعة - رضي الله عنه - في معلّقته التي ذكر بها "منى" موضع بحمى ضرية غير منى الحرم، "الرّيان" وهو جبل معروف: عفت الديار محلّها فمقامها ب "منى" تأبد خولها فرجامها فمدافع "الرّيان" عرّى رسمها خلقاً كما ضمن الوحيّ سلامها وقال عنترة بن شدّاد العبسي في معلقّته التي أشار بها إلى أماكن نجدية مثل "الجواء" بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة ، و"الحزن" "الصمّان" "المتلثّم" "عنيزتين" "الغيلم": هل غادر الشعراء من متردّم؟ أم هل عرفت الدار بعد توهّم؟ يادار عبلة ب "الجواء" تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي وتحلّ عبلة ب "الجواء" وأهلنا ب "الحزن" ف "الصمّان" ف "المتلثّم" كيف المزار وقد تربّع أهلها ب "عنيزتين" وأهلنا ب "الغيلمِ"؟ وقال جرير يذكر "اليمامة": كم ب "اليمامة" من شعثاء أرملة ومن يتيم ضعيف الصوت والبصر؟ وقال الشاعر المعاصر علي الدميني مشيراً إلى جهات أماكن يقصدها ويعرفها لكنها لا تبين لقارئٍ لا يعرف سيرة الشاعر بشكل علني، وهو ما ينطبق عليه المعنى في بطن الشاعر: أنشدتُ للرعيان ثوب قصيدةٍ في البرِّ عاقرني الفؤاد على النوى وتباعدتْ نوق المدينة عن شياهي آخيتُ تشرابي الأمور بنخلة وغرست في الصحراء زهو مناخي (لا تقرب الأشجار) ألقاها الكثيب عليَّ أرقني صباحي, لكن قلبي يجمع الأغصان , يشرب طعمها ويؤلف الأوراق في تنور راحي (لا تقرب الأشجار) غافلني الفؤاء فمسّها, وهبطتُ من عالى شيوخ قبيلتي أرعى جراحي. هذا بياض الخبت, أهمز مهرتي للبحر أرسنها إلى قلبي, فتجتاز المسافة حجرٌ على رمل المسيرة, هودجٌ , حملٌ, وأغصانٌ من الرمان, هل تقفز؟ وفي الشعر النبطي نصيب من الأماكن فقد أكثر حميدان الشويعر – رحمه الله – في ذكر الأماكن في قصيدته التي مطلعها : ظهرت من الحزم اللي به سيد السادات من العشره حطّيت سنام باليمنى ووردت "الرقعي" من ظهره ولقيت الجوع ابو موسى بانٍ له بيت بالحجره عليه قطيعة دسمال وبشيت منبقر ظهره وحاكاني وحاكيته وعطاني علمٍ له ثمره مايرخص عندي مضمونه وأقوله بعلمه وخبره وقال محمد بن لعبون – رحمه الله – قصيدته الشهيرة، وأشار فيها إلى "الرفاع" في البحرين: يا علي صحت بالصوت الرفيع يا مرة لا تذبّين القناع يا علي عندكم صفرا صنيع سنّها ياعلي وقم الرباع نشتري يا علي كانك تبيع بالعمر مير ما ظني تباع شاقني ياعلي قمرا وربيع يوم أنا آمر وكل أمري مطاع يوم أهلنا وأهل ميٍّ جميع نازلينٍ على جال "الرفاع" ضحكتي بينهم وآنا رضيع ما سوت دمعتي يوم الوداع هم بروني وأنا عودي رفيع يا علي مثلما يبرى اليراع طوّعوني وأنا ما كنت أطيع وغلبوني وأنا قرمٍ شجاع دون مي الظبي وأم الوضيع والثعالب وتربيع الشراع راس ريعٍ دخل في راس ريع مستطيلٍ ووديانٍ وساع وقال أيضاً: يا منازل مي في ذيك الحزوم قبلة "الفيحا" وشرق عن "سنام" في سراب عن جوانبها يحوم طافحات مثل خبز في يدام